الدريوش تتباحث مع سفير فرنسا بالمغرب تحضيرا لمؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات    المتقاعدون يراسلون أخنوش بعد تجميد معاشاتهم لأكثر من 20 سنة    5 لجان لتقصي الحقائق تشكلت منذ سنة 1979.. هل ينجح مجلس النواب في المبادرة الجديدة؟    ميكروسوفت تطرد المهندسة المغربية إبتهال بعد احتجاجها على بيع "برمجيات القتل" لإسرائيل    "الوينرز" تحمل أيت منا مسؤولية موسم الوداد "الكارثي"    الجيش الملكي يبحث عن "الريمونتادا" ضد بيراميدز المصري..    أرسنال يحلم بتكرار سيناريو 2006 أمام الريال    مصرع شاب في حادثة سير باشتوكة آيت باها    مراكش.. قيوح يتباحث مع رئيس منظمة الطيران المدني الدولي    ترامب يعرض الوساطة بين إسرائيل وتركيا لحل التوتر في سوريا    طقس الثلاثاء.. تشكل كتل ضبابية أو ضباب محليا فوق السواحل الأطلسية    برنامج الأغذية العالمي يحذر من أن خفض التمويل الأمريكي يهدد حياة الملايين    أنشيلوتي: لا نفكر سوى في مواجهة أرسنال بدوري أبطال أوروبا    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    الصين تتعهد بالرد على أي زيادات إضافية في الرسوم الجمركية الأمريكية    بايتاس: الحكومة منسجمة وجميع مكوناتها تعمل على أن تبقى كذلك    رغم الحملات السابقة... محلات تجارية تحتل الملك العمومي بساحة الحنصالي بلا حسيب ولا رقيب    قطاع غزة ينعى قتلى غارات ليلية    بنك المغرب يستهدف الشباب لتعزيز الكفاءات المالية في إطار للأسبوع الدولي للثقافة المالية    إيلون ماسك يرفض "رسوم ترامب"    رائحة كريهة تقود لاكتشاف جثة رجل ستيني داخل منزله ببني ملال    "قمرة" يساند تطوير سينما قطر    ارتفاع ملحوظ في عدد الرحلات السياحية الداخلية بالصين خلال عطلة مهرجان تشينغمينغ    إسقاط الجزائر لطائرة مسيرة مالية يكشف خيوط رعايتها للإرهاب وتهديدها لأمن الساحل وإستقرار إفريقيا    "المغرب في قلب التحديات: نحو مجتمع متماسك وآمن"    المغرب وجل الشعب غاضب / 1من5    بين نور المعرفة وظلال الجهل    لا يوجد نظام في العالم يشبه النظام العسكري الجزائري.. شبح التدخلات وازدواجية المعايير    معرض الكتاب بالرباط يستقبل الشارقة كضيف شرف ويحتفي بمغاربة العالم    مندوبية السجون تقطع على أسر النزلاء فرصة تسريب الممنوعات    فضيحة لغوية في افتتاح المعرض الدولي للكتاب: الوزير بنسعيد منشغل بهاتفه وشاشة العرض تنحر اللغة    توقعات أحوال الطقس ليوم الثلاثاء.. ارتفاع ملموس في درجة الحرارة    تفاصيل مثيرة.. نفق تهريب الحشيش بين سبتة والفنيدق يورط عناصر أمنية    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم لأقل من 17 سنة.. المنتخبان الإيفواري والمالي يحجزان بطاقة العبور لربع النهائي    النفط عند أدنى مستوى في 4 سنوات بسبب الحرب التجارية    المغرب يتوج بجائزة سياحية مرموقة    موكوينا يتمسك بمنصبه مدربا للوداد    هل يُقلق وضوح إدريس لشكر بعض «المحللين والإعلاميين»؟    ‬كيف ‬نفكر ‬في ‬مرحلة ‬ترامب ‬؟    بنعلي يؤكد بطلان رقم "13 مليار درهم" المروج حول دعم استيراد الأضاحي    السلطات الصحية البريطانية تحقق في إصابة بفيروس (إمبوكس) غير معروفة الأسباب    النشاط الصناعي.. بنك المغرب: ركود في الإنتاج وارتفاع في المبيعات خلال فبراير 2025    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على انخفاض حاد    مضاعفات الحمل والولادة تؤدي إلى وفاة امرأة كل دقيقتين    أصغر من حبة الأرز.. جيل جديد من أجهزة تنظيم ضربات القلب يذوب في الجسم    الفرحة تعود لمنزل سلطان الطرب جورج وسوف (صور)    الدكتورة غزلان توضح ل "رسالة 24": الفرق بين الحساسية الموسمية والحساسية المزمنة    علوم اجتماعية تحت الطلب    أغنية "تماسيح" جديد الشاب بلال تحتل المرتبة العاشرة في "الطوندونس" المغربي    القاهرة ترفع ستار مهرجان الفضاءات المسرحية المتعددة    ماراثون مكناس الدولي "الأبواب العتيقة" ينعقد في ماي المقبل    روعة مركب الامير مولاي عبد الله بالرباط …    توضيحات تنفي ادعاءات فرنسا وبلجيكا الموجهة للمغرب..    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نتنياهو ورصاصة الرحمة
نشر في المساء يوم 05 - 04 - 2009

حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة يجب أن لا تخيفنا لا بل إنها تعطينا القوة والذريعة للتنصل من عملية سلمية خدمت إسرائيل
أطلق بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل الجديد رصاصة الرحمة على عملية سياسية تحتضر، عندما أعلن أمام الكنيست عدم التزامه بحل الدولتين، ولم يتلفظ بكلمة دولة فلسطينية مستقلة، وجاء مهندس دبلوماسيته ليبرمان ليشيّعها إلى مثواها الأخير، عندما أكد رفضه لمسار أنابوليس ولكل ما تمخض عنه من مفاوضات وتفاهمات.
ما فعله نتنياهو «الليكودي»علناً، هو ما مارسه سلفه إيهود أولمرت سراً، فالأول تنصل من عملية سلمية من المفترض أن تقود إلى دولة فلسطينية مستقلة، وكشف عن نواياه مبكراً وبوضوح، أما الثاني فقد كان يريد التوصل إلى الهدف نفسه، ولكن عبر الخداع وبيع الأوهام.
عامان من المفاوضات المباشرة، التقى خلالهما الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع زعيم «كاديما» أكثر من عشرين مرة، بعضها على انفراد، في جلسات مغلقة، دون مشاركة الوفود المرافقة، وبعضها الآخر بمشاركتها، ناهيك عن ضعف هذا العدد من اللقاءات بين السيد أحمد قريع رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض مع نظيرته الإسرائيلية تسيبي ليفني وزيرة الخارجية. والنتيجة المزيد من المستوطنات، والمزيد من مصادرة الأراضي، والمزيد من مضيعة الوقت وخداع الشعب الفلسطيني.
الإدارة الأمريكية السابقة شاركت في عمليات الخداع والتضليل هذه بفاعلية، عندما تسترت على الممارسات الاستيطانية الإسرائيلية، وإذلال الشعب الفلسطيني عند الحواجز، ومباركة العدوان الوحشي الأخير على قطاع غزة، وما سبقه من حصارات تجويعية.
من الواضح أن نتنياهو لا يضع «السلام» مع الفلسطينيين ضمن أولويات حكومته المتطرفة، ولا يعير أي اهتمام بالتالي لردود فعل الدول الغربية، والولايات المتحدة على وجه التحديد، التي استثمرت في عملية المفاوضات الكثير من الجهد والمال. فالرجل وصل إلى سدة الحكم وفق برنامج انتخابي يتعهد فيه بمواصلة الاستيطان، وتحقيق «السلام الاقتصادي» أي تحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين في الضفة الغربية، ولا شيء آخر.
نتنياهو مشغول بالبرنامج النووي الإيراني الذي أقسم على تدميره، ومنع أصحابه من دخول النادي النووي العالمي مهما كلف الأمر، مثلما أكد أكثر من مرة أثناء حملته الانتخابية، ومن يريد شن عدوان على إيران، وتوريط العالم بأسره في حرب قد تتطور إلى حرب نووية تدمر المنطقة، وربما اقتصاد العالم بأسره، لا يمكن أن يضع السلام مع الفلسطينيين ضمن مخططاته، وحتى لو فعل ذلك، فإن شركاءه في الائتلاف الحاكم، ومعظمهم من الأحزاب اليمينية والدينية المتطرفة، لن يسمحوا له بذلك.
ردود الفعل الفلسطينية، وخاصة من قبل السلطة في رام الله، محيرة، إن لم تكن مخجلة، فالدكتور صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين الذي سيجد نفسه عاطلاً عن العمل، وصف مواقف نتنياهو بأنها تعني نهاية العملية السلمية، بينما قال السيد أحمد قريع، رئيس الوفد المفاوض، إن تنكر الحكومة الإسرائيلية الجديدة لمسار أنابوليس، ورفض التسوية وحل الدولتين هو «عودة إلى نقطة الصفر، وخطة لتصفية العملية السلمية».
تصريحات السيد قريع (أبو العلاء) هذه توحي بأن العملية السلمية التي يترحم عليها قد تحركت، وحققت تقدماً، وهي في واقع الحال لم تغادر نقطة الصفر على الإطلاق، وظلت تدور حولها، بدليل أنها وعلى مدى عامين، لم تفكك مستوطنة واحدة، ولم تزل حاجزاً أمنياً واحداً، بل إن هذه المستوطنات والحواجز تناسلت، وتوسعت، بعد كل جولة مفاوضات، إن على مستوى القمة، أو على مستوى الوفود.
التباكي على عملية سلمية خادعة ومهينة لن يفيد، كما أنه ليس الحل المطلوب، وإنما كيفية البحث عن استراتيجية واضحة المعالم لمواجهة هذا التطور الجديد في توجهات الدولة العبرية، استراتيجية تعتمد على الذات، وتقوم على أساس مراجعة شاملة ونقد ذاتي معمق، لاستخلاص العبر وتحديد الخيارات وخطط العمل.
المنطق يقول إن السلطة في رام الله كانت تعرف جيداً أن حظوظ نتنياهو وأحزاب اليمين المتطرف في الفوز في الانتخابات النيابية الإسرائيلية أكبر من حظوظ خصومه في حزب «كاديما»، الأمر الذي يتطلب وضع «خطة ب» مبكرا للتعاطي مع هذه المسألة. ولكن ما نلاحظه حاليا هو أن هذه السلطة ورئيسها وأركانها يتصرفون وكأنهم أُخذوا على حين غرة، ولهذا بدت خياراتهم محدودة، إن لم تكن معدومة، وتتلخص في الاستمرار في النهج العبثي السابق، وكأن شيئا لم يحدث، والأمور تسير وفق المخططات المطلوبة.
توقعنا أن تؤدي تصريحات نتنياهو وليبرمان الاستفزازية هذه إلى حرص أكيد على إنجاح اللقاء الذي تم بين طرفي المعادلة الفلسطينية، أي حركتي «فتح» و«حماس» الذي انعقد أخيرا في القاهرة، ولكن ما حدث هو العكس تماما، حيث انهار اللقاء، بسبب الهوة الواسعة بين مواقف الطرفين، وجرى الاتفاق على اللقاء مجددا بعد ثلاثة أسابيع.
المعلومات التي تسربت عن أسباب انهيار اللقاء قليلة، ويمكننا أن نتكهن أن أبرزها إصرار الأشقاء في وفد «فتح»المفاوض على «التزام» حركة «حماس» بالعملية السلمية، والاتفاقات الموقعة من قبل منظمة التحرير الفلسطينية، بما فيها اتفاقات أوسلو ومسار أنابوليس، والاعتراف بدولة إسرائيل.
فإذا كانت الحكومة الإسرائيلية أعلنت عدم التزامها بهذه الاتفاقات علنا، فهل من المنطقي إجبار «حماس» على القبول بها، وفي مثل هذا التوقيت بالذات؟
نتوقع من حركة «فتح» التي أطلقت الرصاصة الأولى، وحملت القضية الفلسطينية على أكتافها طوال أكثر من أربعين عاما الماضية، مقدمة التضحيات الجسام أن تقترب أكثر من حركة «حماس»، وخيار المقاومة الذي تتبناه، خاصة أن الكوادر الفتحاوية، التي لا يشك أحد في وطنيتها، تدفع في هذا الاتجاه، وتطالب، بل وتضغط لاسترجاع الحركة من الذين خطفوها وحرفوها عن خطها الوطني الصحيح، إلى متاهة عملية سلمية مهينة، أضرت بالحركة قبل أن تضر بالمصالح الوطنية للشعب الفلسطيني.
لا نريد أن نبدو منفعلين، ونكرر مطالبنا السابقة بحل السلطة فورا، على اعتبار أن هناك التزامات دولية، وأطرافا عربية لا بد من التشاور معها، ولذلك نطالب بأن يدعو الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى مؤتمر صحافي عالمي، يعلن فيه إعطاء مهلة للحكومة الإسرائيلية، والمجتمع الدولي في الوقت نفسه، لمدة ثلاثة اشهر كأقصى حد، فإما العودة إلى عملية سلمية جدية بسقف زمني محدد، ووفق قرارات الشرعية الدولية والثوابت العربية الفلسطينية، وإلا حل السلطة والعودة إلى خيار المقاومة بكل الطرق والوسائل، وإعادة إحياء منظمة التحرير الفلسطينية على الأسس نفسها التي قامت عليها، وبمشاركة كل الفصائل الفلسطينية الجديدة مثل حركتي «حماس» و«الجهاد» ولجان المقاومة الشعبية، وكتائب شهداء الأقصى.
حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة يجب أن لا تخيفنا، لا بل إنها تعطينا القوة والذريعة للتنصل من عملية سلمية خدمت إسرائيل، وحسِّنت صورتها، وكسرت عزلتها عربيا ودوليا، بينما لم تحقق للشعب الفلسطيني غير الهوان والإذلال والحصارات التجويعية.
الشعب الفلسطيني الذي قاوم حربا شرسة لثلاثة أسابيع تعرض خلالها للقصف الوحشي من كل الاتجاهات، برا وبحرا وجوا، ودون أي مساعدة من أحد، بل تواطأ بعض الأشقاء مع العدوان، هذا الشعب يستطيع بمقاومته وصموده أن يواجه حكومة نتنياهو ويهزمها، ويعمق من مأزق الدولة العبرية السياسي والأخلاقي، مثلما فعل أثناء حكم «كاديما»، وكل ما يحتاجه هو قيادة ترتقي إلى مستوى تضحياته، وشهدائه.
من تابع القمة العربية الأخيرة في الدوحة يخرج بانطباع أن الوفد الفلسطيني كان أقل الوفود حركة وتأثيرا ويعيش حالة من الانكسار وكلمته الأضعف، رغم أنه من المفترض أن يكون الرقم الصعب ونجم هذه القمة بسبب قضيته ومكانتها العربية والعالمية، لدرجة أنني تمنيت لو أن هوغو تشافيز كان رئيس الوفد، وليس الرئيس محمود عباس، لما اتسمت به كلمته من شجاعة وقوة وتحدي لإسرائيل وجرائمها، ولكن التمنيات شيء والواقع شيء آخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.