لا يمكننا أن نطلق على التصريحات الخطيرة لعدنان حاجي جريمة كاملة المواصفات لأنّ ما أقدم عليه هذا الشخص لا يرتقي إلى مستوى الجريمة الكاملة الشاملة التي اقترفتها جلّ وسائل الإعلام التونسيّة، هذه التي صمتت أمام دعوة صريحة لقتل شريحة واسعة من الشعب التونسي بل هي الشريحة الأكبر والأوسع بحكم ما أفصحت عنه المحطة الانتخابيّة الكبرى ومجمل عمليات سبر الآراء، ناهيك أنّ عدنان الحاجي مع أولئك الذين طالبوا كل تونسي لديه علاقة ودّ بالقرآن الكريم أن يحمله ويرحل عن تونس في دعوة صريحة للتهجير وللتطهير الديني وكذلك الذين دخلوا في عمليات استهداف ممنهجة لرغيف وأمن الشعب التونسي انتقاما من انحيازه للنهضة خلال الانتخابات الأخيرة، كل هؤلاء وغيرهم ما كان لهم أن يتجرأوا على انتهاك أبسط مواثيق المواطنة لولا الدعم اللامشروط الذي لاقوه ويلاقونه من لدن إعلام يأبى إلا أن يكون بنفسجيّا فاقعا، إعلام فشل في إسعاف دكتاتوريّة تتهاوى فارتدّ ينتقم من ضحايا الدكتاتور ويشنّع على البديل الذي ارتآه الشعب لا لشيء إلا لأنّ المغروسين في الحالة الإعلاميّة التونسيّة وإن رحل الجنرال فلابد لهم من بدائل تشبهه يستأنسون بها وتكون عزاء لهم في نكسة 17 ديسمبر 2010 ونكبة 14 جانفي 2011 وكارثة 23 أكتوبر 2011. الجريمة الموصوفة التي أقدم عليها عدنان لم توجد من عدم ولا هي ولدت بهذه الضخامة والفظاعة والبشاعة بل مهد لها بجرعات مركزات، ولا يعدّ الجاني دخيلا على السّاحة التونسيّة فهو على دراية كبيرة بما يمكن أن يقال وما يسمح بقوله ودرجة الحدّة التي تسمح بها طبيعة المجتمع التونسي ويصنّفها تحت التجاذبات الفكريّة والسّياسيّة الحادّة، لقد اقترف الحاجي جريمته البشعة بعد أن مهّد لها بسلسلة من التجاوزات كان أشدّها تصريحه الخطير الذي هدّد فيه إلى انفصال الحوض المنجمي عن تونس، وكان بهذه الدعوة المشينة يهيئ المسرح للجريمة التي نفذها لاحقا، تلك التي دعا فيها بشكل صريح ومباشر لقتل شريحة كبيرة من المجتمع التونسي وذبح الأغلبيّة السّياسيّة في البلاد، ونحسب أنّ الجاني وعلى علمه المسبق بانحياز الإعلام الذي يعاني من طفرة عداء “للدولة” والحكومة والطبقة السّياسيّة التي أهّلها الشعب ورشحها للقيادة ، لم يكن أبدا يتوقع أن يتواطئ قطاع واسع من الحقل “الإعلامي والحقوقي” بهذه السهولة مع تهديده الأول بالانفصال وهي دعوة هجينة وغريبة عن منطق الاحتكاكات والمشاحنات السّياسيّة وحتى عن الصراعات والصدامات، ولما ركن إلى عدم متابعته إعلاميّا وحقوقيّا تبرّع هو وتلفّظ بالكارثة لتتبرع بعض النخب بالصمت المهين وتوفر الغطاء الفضيحة لجريمة تستهدف شعبا بأسره وتأسس لعرف خطير مفاده أنّ العنف المادي الفاحش هو جزء من اللعبة. لقد ترقّب الكثير من أصحاب النوايا الطيّبة والذين لديهم بقيّة أمل في هذا الجنس السّياسي الذي يصارع الانقراض أن يخرج الجاني ويوجّه اعتذارا رسميّا واضحا للشعب، فإذا به يطلّ من على الشبكة العنكبوتيّة ليقوم في لحظات بإعادة توزيع لكلماته الخطيرة ثم يفرد جلّ الوقت لسلسلة من التهجّمات الأخرى تشبه كثيرا تلك التي أقدم عليها غير أنّه نزع الألغام المكشوفة وحاول ممارسة بعض التبطين والتورية حتى يرفع الحرج عن رفاقه المتمترسين في القطاع الإعلامي وبعض فضاءات المجتمع المدني، و ليعلم الذين صمتوا وتواطؤوا اليوم مع جريمة عدنان الحاجي إنّما هم يضعون حجر الأساس لتعميم قطاع العنف المدمّر هذا العنف الذي لايؤمن بالاحتكار ولا يعترف بالحدود ..ومثلما أتى العنف بتواطئ من بعضهم في ثوب نقابي سيأتي في الغد في ثوب سياسي ثم ليترقّبه هؤلاء العابثون بالمحظور في ثوب ديني لا يُبقي ولا يذر.