الطريق إلى الإليزيه... كانت رحلة إلى الجزائر للحديث عن الذكرى الخمسين لتوقيع اتفاقيات "إيفيان"، في 18 آذار/مارس 1962، التي وضعت حدا لحرب الجزائر وشكلت الخطوة الأولى نحو حصول البلاد على استقلالها بعد استفتاء الأول من تموز/يوليو من نفس العام. وكانت رحلة لجس نبض الشارع الجزائري بشأن الانتخابات الرئاسية الفرنسية وحملتها "الشرسة" ضد "المسلمين والمهاجرين وكل ما له علاقة بالحلال" حسب قول أحد الصحافيين الذي التقينا به في مركز عمله. رحلة تزامنت مع التحضيرات بالجزائر لعيد الاستقلال والشباب، وقبله لموعد الانتخابات التشريعية، التي ستجري في 10 أيار/مايو المقبل. فكانت فرصة لربط الماضي بالحاضر، وربط ذاكرة البلدين المشتركة وتاريخيهما المتشابكين والحديث عن الاحتلال والحرب وعن العلاقات المتوترة بينهما منذ 1962. "شعارات لا تليق بسمعة دولة قانون مثل فرنسا" وإذ يأسف حسن موالي وهو من أبرز صحافيي يومية "الوطن"، أوسع الصحف الفرنكوفونية نفوذا في الجزائر، أن تحتفل فرنسا بذكرى اتفاقيات "إيفيان" فيما امتنعت بلاده عن ذلك، شددت زميلته نبيلة أمير على "الهذيان" الذي أصاب الطبقة السياسية الفرنسية في السنوات الأخيرة. وقالت نبيلة: "أن تكون مارين لوبان [زعيمة حزب "الجبهة الوطنية" اليمينية المتطرفة] معادية علنا للإسلام والمسلمين ولكل ما يرمز إليهم، شيء عادي وغير مفاجئ، ولكن أن يضم الحزب الحاكم ومسؤوليه في الحكومة الفرنسية صوتهم إليها أمر غريب وغير مقبول"، مضيفة أن "الجميع مدرك أن ساركوزي يسعى للفوز بأصوات اليمين المتطرف للبقاء في الإليزيه". الجزائريون، الذين غالبا ما ينظرون إلى فرنسا بمزيج من الإعجاب والحقد، لديهم شعور بأن فرنسا أصبحت لا تخفي عداءها للمسلمين، ما جعل غنية عكازي الصحافية في صحيفة "لوكوتديان دورون" (يومية وهران) تعرب عن "أسفها الشديد وصدمتها بالشعارات العنصرية والمعادية للإسلام" التي شاهدتها وسمعتها خلال الحملة الانتخابية والتي "تقول إنها لا تليق بدولة قانون مثل فرنسا". وكذلك يشير حميد سعيداني الصحافي في يومية "ليبيرتي" (الحرية) إلى أن "الحملة الانتخابية الفرنسية كانت فرصة للحديث بكلمات وعبارات مقتضبة وغوغائية عن الإسلام، وبالتالي عن المهاجرين، وكأن فرنسا تخلو من مشاكل اجتماعية واقتصادية حقيقية". "ساركوزي تعهد بالقطيعة، وأنجز قطع العلاقات" ويعرج فيصل مطاوي، وهو صحافي في "الوطن" منذ 22 عاما، على العلاقات الفرنسية-الجزائرية التي تطغى عليها العاطفة من كلا الجانبين، ويقول إن الذكرى الخمسين لتوقيع اتفاقيات "إيفيان" كانت فرصة للتقارب وتبادل وجهات النظر حول التاريخ المشترك، إلا أنها ضاعت. بالنسبة إلى نبيلة أمير، فإن الرئيس نيكولا ساركوزي لم يقم بشيء يذكر لتعزيز العلاقات بين البلدين، لذا فهي تتمنى خسارته في الانتخابات المقبلة. أما حميد سعيداني، فيذكر بأن ساركوزي قد "تعهد عندما وصل إلى الحكم في 2007 بإحداث "قطيعة" بشأن علاقات فرنسابالجزائر والدفع بها إلى الأمام، لكنه قطعها تماما". من جهتها، ترى غنية عكازي أن فترة ولاية ساركوزي هي الأسوأ في تاريخ العلاقات بين الجزائروفرنسا، موضحة أن فرانسوا هولاند مرشح "الحزب الاشتراكي" للانتخابات الرئاسية والأوفر حظا للفوز فيها استنادا لاستطلاعات الرأي أفضل من خصمه كونه يتمتع بالحكمة والاعتدال. وكان هولاند كتب في مقال نشرته "الوطن" في 19 آذار/مارس أنه يريد الخروج من "حرب الذاكرة" التي تعيق العلاقات الجزائرية-الفرنسية.