اقترع اليمنيون يوم الثلاثاء 12 فبراير الجاري للمرشح التوافقي والوحيد عبد ربه منصور هادي ضمن استحقاق تاريخي يطوي صفحة حكم الرئيس علي عبدالله صالح، وانما في ظل اعمال عنف في الجنوب بين القوات الحكومية والانفصاليين المتشددين الرافضين للانتخابات اسفرت عن ستة قتلى وعرقلت عمليات التصويت. وبالرغم من كون هادي نائب صالح وحليفه، يحمل انتخابه لفترة انتقالية من سنتين الكثير من الامال على ما يبدو لليمنيين الذين يقبعون بغالبيتهم تحت خط الفقر وقد شاهدوا بلادهم تقترب خلال الاشهر الاخيرة من الحرب الاهلية وشهدت عمليات التصويت اقبالا كثيفا مع تقدم ساعات النهار، خصوصا في العاصمة صنعاء، ولكن في ظل مقاطعة كبيرة في مناطق المتمردين الحوثيين في شمال اليمن فيما تمكن الناشطون الانفصاليون في الجنوب من اغلاق نصف مراكز الاقتراع في عدن ومراكز اخرى في باقي المحافظات الجنوبية. وبذلك يصبح اليمن اول دولة من دول الربيع العربي تشهد انتقالا للسلطة بموجب اتفاق سياسي حفظ ماء الوجه لصالح الذي حكم اليمن 33 سنة ولن يحاكم مثل حسني مبارك او ينفى مثل زين العابدين بن علي، كما انه لم يقتل مثل معمر القذافي. وبدات المراكز الانتخابية باغلاق ابوابها اعتبارا من الساعة السادسة مساء (15,00 تغ). واكد الرئيس اليمني المقبل اثناء ادلائه بصوته في صنعاء وسط تدابير امنية مشددة ان استحقاق الانتخابات هو "اغلاق لصفحة الماضي وفتح لصفحة جديدة ناصعة البياض نكتب عليها مستقبل اليمن الجديد". ووصل عبد ربه منصور هادي بالسيارة الى مركز الاقتراع الذي يبعد مئات الامتار فقط عن منزله، وكان محاطا بتدابير امنية مشددة عزاها مقربون منه الى مخاوف من تعرضه لاعتداء. وقالت رئيسة المركز الانتخابي المخصص للنساء عبير العفيفي لوكالة فرانس برس "لقد دهشنا بالاقبال وبتدافع النساء حتى قبل بدء موعد الاقتراع". وتدافعت مئات النساء المنقبات للاقتراع قبل اغلاق الصناديق في مدرسة جمال عبدالناصر في حي التحرير بصنعاء. من جهته، قال الناخب محمد العرامي (35 عاما) الذي اعتصم لاشهر في صنعاء ضد صالح "رغم الانتماء السياسي والعسكري لهادي الا انني سانتخبه من اجل امن واستقرار اليمن". ويأخذ التصويت طابعا رمزيا الى حد بعيد اذ يحظى هادي بدعم غالبية القوى السياسية في البلاد، وياتي انتخابه في اطار اتفاق المبادرة الخليجية الذي تخلى بموجبه صالح عن السلطة لنائبه، اي هادي نفسه، مقابل حصوله على حصانة من الملاحقة. من جهتها، قالت الناشطة المعارضة وحائزة جائزة نوبل للسلام توكل كرمان لوكالة فرانس برس ان الانتخابات الرئاسية "يوم عيد بالنسبة لليمنيين لانه يوم رحيل علي عبدالله صالح وانهاء حكم المستبد والظالم وانهاء فترة من الزمن عبث بها صالح واستمرت 33 عاما". وقالت كرمان "ندعو الرئيس الانتقالي الجديد الى ان يعمل من اجل الشباب والا فان ساحات الاعتصام موجودة وستظل كلجان مراقبة على حكومة الوفاق وعلى الرئيس المنتخب". وحذرت كرمان هادي من انه "اذا لم يحقق اهداف الثورة، فكما اسقطنا الاول سنسقط الثاني بايدينا". اما اللواء النافذ علي محسن الاحمر الذي شكل انشقاقه عن صالح وانضمامه للمحتجين تحولا كبيرا في المشهد السياسي اليمني، فقال لدى ادلائه بصوته في صنعاء "انا سعيد جدا بهذا اليوم لانه يوم انتقال السلطة سلميا وهذا يبشر بعهد جديد وبمستقبل باهر لليمن". ودعي اكثر من 12 مليون ناخب يمني الى صناديق الاقتراع للمشاركة في هذه الانتخابات التي تعتبر مصيرية لمستقبل اليمن وتحظى بدعم كبير من القوى الاقليمية والدولية الكبرى. وغابت عمليات الاقتراع عن مناطق شمالية تعد معقل المتمردين الحوثيين، كما غابت ايضا عن المناطق التي تسيطر عليها القاعدة في محافظتي ابين وشبوة الجنوبيتين. الا ان المقاطعة في جنوب البلاد اخذ منحى عنيفا مع تنفيذ "عصيان مدني" وقيام ناشطين انفصاليين بعرقلة عمليات التصويت في عدد كبير من المراكز في المحافظات الجنوبية. وتمكن الانفصاليون الجنوبيون المعارضون للانتخابات اليمنية الثلاثاء من اغلاق نصف مراكز الاقتراع في عدن عند الظهر بالقوة اضافة لعدة مراكز في باقي المحافظات الجنوبية، فيما اسفرت اعمال العنف المرتبطة بالانتخابات في الجنوب عن مقتل اربعة اشخاص بحسب مصادر امنية وناشطين. واكد مسؤول حكومي لوكالة فرانس برس طالبا عدم الكشف عن اسمه ان "نصف مراكز الاقتراع في عدن سقطت بعد ان اقتحمت من قبل مسلحي الحراك الجنوبي" المطالب بالانفصال. وتضم محافظة عدن عشر دوائر انتخابية وعشرين مركز اقتراع بينها عشرة مراكز باتت تحت سيطرة مناصري الحراك الجنوبي بحسب المصدر الحكومي. وذكر شهود عيان ان الناشطين اقتحموا المراكز وهم يحملون اعلام اليمن الجنوبي السابق وصادروا صناديق الاقتراع فيما تسمع طلقات نارية بشكل متقطع في سائر انحاء المدينة التي كانت عاصمة دولة اليمن الجنوبي السابق. كما شوهدت المركبات العسكرية وهي تغادر مراكز الاقتراع بحسب الشهود. وذكر مصدر امني في وقت لاحق ان باقي المراكز في عدن اغلقت في وقت مبكر ونقلت صنادقيها الى المركز الانتخابي الرئيسي في حي كريتر. من جهته، ذكر مصدر امني ان مسلحي الحراك اطلقوا النار على مركز انتخابي في مدرسة البيجاني في حي كريتر بعدن اثناء تواجد المبعوثة البريطانية الى اليمن البارونة ايما نيكولسون. وذكر المصدر ان البارونة لم تصب باذى ولا يعتقد انها كانت مستهدفة، الا ان اطلاق النار اسفر عن اصابة جندي وتضرر مركبة تابعة للامن. ونفذ انصار التيار المتشدد في الحراك "عصيانا مدنيا" في سائر محافظات الجنوب لمنع الانتخابات التي يعتبرون انها بمثابة "استفتاء" على الوحدة مع الشمال، فيما تتفق سائر مكونات الحراك على مقاطعة الانتخابات. وغابت صناديق الاقتراع عن مناطق واسعة من محافظتي لحج والضالع الجنوبيتين حيث ينشط الحراك الجنوبي، كما سجلت اعمال عنف متفرقة واشتباكات بين القوات الحكومية والانفصاليين الجنوبيين المتشددين الرافضين لاقامة الانتخابات الرئاسية، بحسب مصادر امنية وناشطين. واسفرت هذه المواجهات في المكلا بحضرموت (جنوب شرق) وفي لحج وعدن عن مقتل ثلاثة عسكريين بينهم ضابط برتبة مقدم ومحتجان وطفل بحسب مصادر متطابقة. وفي عدن، شهدت احياء دار سعد والمنصورة والمعلا وخور مكسر وكريتر توترات شديدة ومواجهات فيما اعرب سكان عن خوفهم من الاقتراع في ظل انتشار عمليات تبادل اطلاق النار. وفي حي المعلا، اقدم انصار الحراك على اقتحام ثلاثة مراكز انتخابية هي ابو بكر الصديق والشهيدة فاطمة و14 اكتوبر، وقاموا بمصادرة صناديق الاقتراع واحراق مبنى احد المراكز بحسب شهود عيان. وذكر شاهد ان انصار الحراك "يمزقون البطاقات الانتخابية في الشارع الرئيسي وبعضهم يحمل السلاح ويطلق اعيرة نارية". الا ان القيادي في التيار المتشدد للحراك الجنوبي قاسم عسكر اكد لوكالة فرانس ان الحراك "ليس لديه جناح مسلح". واوضح انه "اذا كان هناك عناصر تدافع عن نفسها فهذا اجتهاد ذاتي، اما غير ذلك فهذه العناصر غير تابعة للحراك".