مهما اختلفت وسائله وتعددت، يضل الإعلام لا سيما المتخصص منه الوسيلة الأكثر فاعلية في إيصال أهدافه لجميع فئات وشرائح المجتمع ومن بينها الجمهور من ذوي الاحتياجات الخاصة أو المعاقين. وتكمن كذلك أهدفه في مخاطبة أكبر جزء من أفراد المجتمع بهدف توعيتهم بأوضاع هاته الفئة وأسس التعامل معها خاصة في مجتمعنا العربي الذي يغلب عليه طابع الأمية واللاوعي بكون الآخر جزء من الأنا وبالتالي فالشخص المعاق جزء لا يتجزء من المجتمع. يعتبر عمر الياسي مختص في علم الاجتماع، أن إعلام ذوي الاحتياجات الخاصة هوإعلام خاص .. لأنه يعتمد على خبراء ومهنيين يتقنون التعامل مع هذه الفئة قبل إتقانهم التعامل مع وسائل الإعلام لأن الشخص المعاق يحتاج إلى توجيه من نوع خاص. ومما لاشك فيه أن هناك الكثير من وسائل الإعلام التي يمكن أن تستثمر في مجال تسليط الضوء والاهتمام بالمعاقين ومن بينها التلفزيون الذي يستخدم كأداة فعالة لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة باعتباره وسيلة اتصال في عصر العولمة بمفهومها الشامل ومجالاتها المتعددة، لما كان له من مكانة مؤثرة ووقع فعال في تغيير اتجاهات المجتمع نحو هاته الفئة وتطويع برامجه من أجل خدمتها. ومع زيادة التقدم العلمي والتكنولوجي بدأت تقنيات التلفزيون تتغير وتتطور بوثيرة سريعة من التسجيل للبث الحي المباشر إلى نوع جديد يصطلح عليه "تلفزيون الواقع" والذي ظهر في أول مرة بالولايات المتحدةالأمريكية سنة1973 وتجسد آنذاك في برنامج أطلق عليه اسم "العائلة الأمريكية" كونه تناول مواضيع متعلقة بالأسرة والمجتمع وكسر كل الطابوهات في تلك الفترة. وسمي بتلفزيون الواقع لكونه يشرك المشاهد في حياة مجموعة من فئات المجتمع في بيئة أو مكان محدد ويتم نقل حركاتهم وحياتهم اليومية بشكل مباشر للمشاهد. أما عربيا فقد ظهر في منتصف التسعينيات من القرن الماضي وخلف وراءه انتقادات كثيرة لطريقة تناوله للبرامج مما اعتبره البعض نوعا من تجاهل الأسس الأخلاقية التي يستمد معظم أفراد الجمهور هوياتهم منها. إلا أنه خلال محاولتنا استعراض لبرامج الواقع التي عرضت في الوطن العربي والتي خصصت للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة نجدها منعدمة وكأن هذه الفئة ليست مهمة في المجتمع بل على العكس من ذلك، لأنها صنف آخر من المشاهدين لهم خصوصياتهم ومميزاتهم التي تحتم على صانعي مثل هذه البرامج أخذها بعين الاعتبار لكون التلفزيون وسيلة اتصال بالغ التنوع، لا يخاطب العين والأذن فقط، ولا ينحصر على الفعل والوجدان، بل يخاطب الشعور والعاطفة. ويعتبر الإعلامي طارق الشميري في حديث ل"عين الإمارات" -من خلال تجربته كمعد ومقدم للبرامج في قناة المجد- أنه لا توجد برامج كافية موجهة لذوي الاحتياجات الخاصة وإن وجدت مثل هذه البرامج فهي لا تذكر وليس لها دور سوى الترجمة بالإشارة أو الحديث عن حالة من الحالات باستحياء. ويمكن حصر الأسباب وراء هذا الغياب كون أن المؤسسات الخاصة أو الجهات المسؤولة عن المؤسسات الإعلامية التي ترى أن هذا الموضوع ليس تجاريا وبالتالي فهو ليس مهما .. لأن أغلب وسائل الإعلام اليوم تجارية أكثر من كونها إعلامية توعوية كما أن تلفزيون الواقع يحتاج إلى جهد وإعداد وترتيب كبير .. حيث أنه يعتمد على العفوية في التصوير غالبا .. والكاميرات المخصصة للتصوير تكون في الأغلب في حالة تسجيل لذلك البرنامج يحتاج لأكثر من كاميرا ولأكثر من مصور ولعدد كبير من المايكرفونات اللاسلكية.. وكذلك لعدد من الفنيين المتابعين لعملية الإنتاج والإضاءة وتترك الأمور تجري بكل عفوية بدون أي تدخل خارجي ليتم رصد كافة الأحداث وردات الفعل تجاه البرنامج المقدم من المعد أو إدارة البرنامج بما في ذلك حالات الفرح والحزن .. وغيرها.كلها متطلبات تجعل الأمر صعبا ومكلفا بالنسبة لبرامج تلفزيون الواقع العادية فما بالك بتلك الموجهة لذوي الاحتياجات الخاصة باعتبارها فئة صعبة في طريقة التعامل معها. و يرى الشميري أنه عادة خلال الإعداد لمثل هذه البرامج يعتمد المعد على خلق نوع من المسابقات أو البرامج الداخلية التي تثير التنافس أو تثير قضية معينة كي تكون هناك آراء مختلفة تضفي روح التشويق والنشوب لقضية وحدث يُصنع من نسيج الواقع بين المشاركين .. وإلا سيكون رتم البرنامج باردا تماما ، في بعض البرامج أما البعض الآخر .. فتتعمد إدارة البرنامج الطلب من المشاركين تصنع هذا الشيء أو إثارته .. عكس البرامج التي تأتي عفوية تماما. وبالتالي هنا تكمن إشكالية كيفية تمرين المشاركين من ذوي الاحتياجات الخاصة للتعامل مع الكاميرات وكذا صعوبة توفير مدربين مختصين بهذه الفئات بمختلف إعاقاتها، أمر يتطلب وسائل مادية وبشرية ولوجيستية مختلفة ومعقدة. ومن هذا المنطلق يمكن تسخير التلفزيون كأداة فعالة لخدمة ذوي الاحتياجات، وتحقيق الكثير من الخدمات التثقيفية والتعليمية لهم وربطهم بالمجتمع الخارجي.