عقد مجمع اللغة العربيّة في كليّة القاسمي- باقة الغربيّة ندوة لمناقشة الجزء الأوّل من الإصدار الجديد "موسوعة دراسات في الأدب الفلسطيني" - الأدب المَحلّيّ، في قاعة مكتبة أبو سلمى البلديّة العامّة، قرية توفيق زيّاد التعليميّة في حيّ شنلر الناصرة، وذلك يوم الأربعاء 21 سبتمبر/ أيلول، بدعوة من بلديّة الناصرة/ دائرة المراكز الجماهيريّة؛ مركز محمود درويش، مكتبة أبو سلمى البلديّة العامّة. وقد افتتحَ الندوة الشاعر مفلح طبعوني بكلمة ترحيبيّة بالحضور والضّيوف وبنشاطات كليّة القاسمي الثقافيّة. استعرض د. فهد أبو خضرة إصدارات وإنجازات المجمع، مِن كتب ومجلة ثقافية، وسلسلة مشاريع ثقافيّة قدّمها ويُساهم في ستنهاض الحركة الثقافيّة وتوثيقها، إذ أقامت مهرجانًا شعريًّا شارك فيه شعراء ونقّاد قبل شهور، كما أقامت أيضًا مهرجانًا عالميًّا حول رحلة في الصّوفية، وقد شارك في المهرجان محاضرون من داخل وخارج البلاد، كما تحدّث عن مشاريع مستقبلية عديدة بانتظار تنفيذها في المجمع. أمّا رئيس المجمع د. ياسين كتاني الذي كان من المفترض أن يتناول النشاطات والمنجزات في كليّة القاسمي، فقد تعذّر حضوره للنّدوة لأسباب طارئة اضطراريّة. وجاء في كلمة د. محمّد خليل حول الإصدار الجديد: د. فهد أبو خضرة المحترم. حضرة السّيّدة آمال عوّاد رضوان المحترمة. حضرة الأخوات والأخوة الأكارم مع حفظ الألقاب والأسماء والمناصب. يسعدُني ويشرّفني أن نلتقيَ في مكتبة ((أبو سلمى))، هذا الصّرحِ الثقافيّ الرّائد في مجتمعنا العربيّ، لنتحدث عن الكتاب الجديد الموسوم: ((موسوعة أبحاث ودراسات في الأدب الفلسطيني الحديث)) الأدب المحلي/الجزء الأول، الذي صدر حديثًا عن مجمع اللغة العربيّة في أكاديميّة القاسمي في باقة الغربيّة، وقد كان لي شرفُ المشاركةِ به في مادةٍ عنوانُها: الالتزام في أدب توفيق فياض ابنِ قرية مقيبلة، والمقيم حاليًّا خارجَ البلاد. حقًا إنه لحدث نوعي أن يلتئم هذا الجمع الكريم لمناسبة إصدار جديد هو الكتاب الأوّل من نوعه في مسيرة حركتنا الأدبية المحلية، إذ يعد انجازًا أدبيًا ثقافيًا وحضاريًا بامتياز، لما يحتوي عليه من دراسات أكاديمية قيمة رصينة، وذات مستوى علميٍ رفيع. يقول د. ياسين كتاني في تقديمه للموسوعة "يندرج هذا الإصدار ضمنَ مشروع ثقافي طموح، بادر إليه مجمع القاسمي للغة العربية ويهدفُ إلى دراسة حقول الأدب والثقافة الفلسطينية في الداخل وفي الضفة الغربية وغزة والشتات، ويعكف على إنجازه كوكبة من الباحثين في مجال الأدب والنقد". لقد جاء هذا الكتاب/الموسوعة تتويجًا وثمرةً لجهود مركزة ومشتركة من قبل مجموعة من الأخوات والأخوة الكتّاب والباحثين، برعايةٍ ودعمٍ معنوي ومادي من مجمع اللغة العربية في أكاديمية القاسمي، والذي لولاه ما كان لهذا المشروع أن يرى النور، وما كان لهذا الكوكبِ الدري أن يُزهر ويشعَّ في سماء حركتنا الأدبية المحلية. مع ذلك، لا نقول: إنه كتاب جامع مانع، لا يأتيه الباطل من أمامه ولا من خلفه، فنحن بشر، وليس الكمال من صفات البشر! يقول العماد الأصفهاني: "إني رأيت أنه لا يكتبُ إنسانٌ كتابًا في يومه إلاّ قال في غده: لو غُيّر هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يُستحسن، ولو قُدّم هذا لكان أفضل، ولو تُرك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر" (ياقوت الحموي : معجم الأدباء، ج11، ص3، دار المستشرق، بيروت، 1922). وقد يكونُ من محاسنِ الصدف أن يصدرَ هذا الكتاب في المثلث، ونحتفلَ به هنا في الجليل، لا بل وفي جميع المدن والقرى العربية الأخرى، تأكيدًا على الهم المشترك والفرح المشترك، فولادةُ كتابٍ جديد تعني ولادةَ فرحٍ جديد! ولكي نثبت للقاصي والداني أننا جزءٌ منتجٌ وحيٌ من شعب أصيل هو الشعب العربي الفلسطيني، ولا خَيارَ أمامنا إلا أن نحيا أو نحيا الحياةَ بكل ما فيها من آلام وآمال! في هذا الكتابِ الموسوعةِ، سوف يجد القارئ وكلُّ دارس أو باحث من كافة المستويات، دراساتٍ قيمةً توثق وتترجمُ لمجموعةٍ من أدبائنا المحليين، من الكتّاب والشعراء المبدعين ولنتاجهم الأدبي، بهدف المحافظة، حاضرًا ومستقبلاً على إبداعاتهم من ثمرات أقلامهم وبنات أفكارهم، في مخزون ذاكرتنا الفردية والجمعية على حد سواء، هذا من جهة. ولأجل تصويب مسيرةِ حركتنا الأدبية المحلية ووضعها في إطارها الصحيح، وفق رؤية جديدة تقوم على القراءة الموضوعية والمجردة من كل نوازع الميل والهوى، من جهة أخرى. ويكفي في هذا المقام أن نتوقف عند بعض الأدبيات، تلك التي كانت تشجع أو تدعو إلى التركيز على إنتاج لون أدبي واحد هو الأدب الطبقي، وذلك من منطلقات أيديولوجية بحتة لا تمت إلى حقيقة واقع الصراع في بلادنا بصلة، لاسيما في السنوات الأولى التي أعقبت وقوعَ النكبة، لكن الحقيقةَ مختلفةٌ تمامًا! تُرى هل كان الصراعُ في بلادنا طبقيًا؟! فكان هذا الكتاب ضرورةً لازمةً وحاجة ماسة، جاء ليسدَّ نقصًا في مكتباتنا الخاصّة والعامّة، مثلما يُغني مجتمعنا بالمعرفة والثقافة والوعي، وليكونَ في متناول يد كلِّ طالب علم من الدارسين والباحثين، لاسيما ممن يريد إجراءَ دراسةٍ ضافية عن أدبنا المحلي، وأنه منذ الآنَ فصاعدًا لن يكونَ بمقدور أحدٍ منهم الاستغناءُ عنهُ كمصدر أساسي. إنه مدماك نوعي آخر وإسهامٌ مهم ينضاف إلى بناء حركتنا الأدبية المحلية، شُيِّد بسواعدِ كوكبة من الأخوات والأخوة المبدعين الذين تنادَوا إلى إنجاز هذا المشروع الرائد، على الرغم من كل ما نواجه من الصعوبات اليومية والتحدّيات المعيشيّة الجمّة التي تعيق تقدّمَنا وتعترضُ طريقَنا؛ طريقَ الآلامِ، طريقَ الإبداع. هذه بعضُ ملامِحنا وملامحِ حركتِنا الأدبية يرسمها بعضُ مبدعينا، فتحيةً واحترامًا لهم على ما بذلوه من جهود مخلصةٍ ومباركة. وإلى كلمةِ حقٍ لا بد أن تقال: منذ البداية، أي منذ أن تأسس مجمعُ اللغةِ العربية في أكاديمية القاسمي ((أيضًا كان لي شرفٌ كبير أن كنتُ وما زلت أحدَ أعضائه المؤسسين والمشاركين)) متجاوزًا آفاقَ الكتابة والتأليف إلى آفاق الحياة، إذ قطع على نفسه عهدًا، ضمن الإمكانات المتاحة، بأن يجعل راية اللغة العربية خفاقة عاليًا، وأن يحافظ على سلامتها نطقًا وكتابةً، لكن الذي نرجوه أن لا يأتيَ ذلك المجهود على حساب سائر القضايا الأخرى، فلا يُعقل أن نركِّزَ كلَّ اهتمامِنا على اللغة العربية فحسب وتصبحَ شغلَنا الشاغلَ وتطغى على حياتنا، في ليلنا ونهارنا، ونصرفَ النظرَ عن مجمل القضايا المهمة التي تفرضُها علينا الحياةُ العصرية. نحن نحافظ على لغتنا العربية ونحفظها بأن لا تبقى في بطون الكتب فحسب، إنما عندما ننجح في ترسيخ الوعي القرائي وتعزيزه في أذهاننا جميعًا، أذهانِ أبنائنا وبناتنا لدى الكبار والصغار على حد سواء. كثُرٌ منا انتقدوا وما زالوا ينتقدون لغة القدماء، وجبران خليل جبران أحدُ هؤلاء، حين كتب يقول تحت عنوان: ((لكم لغتُكم ولي لغتي)) ((لكم لغتكم عجوزاً مُقْعَدَة، ولي لغتي صبيّةً غارقةً في بحر من أحلام شبابها))! هذا كلام جميل قد لا يعترض عليه معترض، لكنَّ الاعترافَ بالحق والحقيقة فضيلة، ولنا أن نتساءل: هل أحد منا ينكر على القدماء نجاحَهم بإنتاج لغةٍ تتوافق مع عصرهم؟ وهل نجحنا نحن بإنتاج لغةٍ تتوافق مع عصرنا الحالي وتستجيب لمتطلباته؟؟ هذا هو السؤال! هذا الكلام إنما يذكرنا، مرة أخرى، بجبران حين كتب يقول: ((إنما اللغة مظهر من مظاهر الابتكار في مجموع الأمة، أو ذاتُها العامة فإذا هجعت قوة الابتكار توقفت اللغة عن مسيرها، وفي الوقوف التقهقر وفي التقهقر الموت والاندثار)) هذا يعني أن تصبح الأمة منتجةً لا مستهلكةً فحسب، وأنه متى نهضت الأمة نهضت لغتها وتطورت ومتى تراجعت تراجعت لغتها وتأخرت! مهما يكن، فقد وجدت بنتُ عدنانَ في مجمع اللغة العربية في أكاديمية القاسمي حضنًا دافئًا وحصنًا قويًا يذود عن حياضها ويحميها، ويقف سدًا منيعًا في وجه موجات التشظي والتجاهل وازدواجية اللغة وقلة الاهتمام، بسلاح اسمه القلمُ والكلمة. لاسيما بعد أن راعه وراعنا جميعًا ما نشهدُه من ذلك السيلِ العرم من النشر والإصدارات الهابطة مما هبّ ودب، وطغى على مشهد أدبنا المحلي حتى كاد يغمره. لقد حان الوقت لإجراء عملية فرز بين ما هو مفيد وما هو غير مفيد، بين ما يستحق النشر وما لا يستحق النشر. فالأدب الجيد وكل فن آخر ليس مجردَ محاكاةٍ للواقع، إنما هو صنع له، كما يُفترض! مجمع اللغة العربية في أكاديمية القاسمي، أخذ على عاتقه وعلى نفقته الخاصة مسؤوليةَ نشرِ وإصدارِ كلِّ كتاب مهما كلَّف من ثمن وجهد، شرطَ إقرارِهِ من قبل اللجنة المختصة. فالكتاب الجيد والمفيد لا غنى عنه أبدًا، مهما تصاعدت وتيرة التقنيات الحديثة في ابتعادها عن الكتاب وتهميشه، فلن يستغنيَ عنه أحد. سوف يظلُّ الكتابُ المصدرَ الأولَ للمعلومة والمعرفة والمنبعَ الأساسَ لكل نشاط تربوي ثقافي وحضاري. يقول المتنبي: أعزُّ مكان في الدنا سرج سابحٍ وخيرُ جليس في الأنام كتاب ويقول ابن المعتز: نعم الأنيسُ إذا خلوتَ كتابٌ تلهو به إن خانك الأصحاب وقد سئل المأمون: ما ألذُّ الأشياءِ؟ فأجاب: التنزه في عقول الناس (يعني القراءةَ في الكتب)! وبذلك، يكون هذا المجمع قد خطا خطواتٍ حثيثةً على طريق استنهاضِ مجتمعِنا ثقافيًا وحضاريًا، تأكيدًا لهُويتِنا الأدبية والثقافية المميَّزة، وهو ما يجعلنا نفاخرُ به في مختلف المجالات والمحافل، كسائر المجتمعات والشعوب المتحضرة. نبارك لشعبنا ولمجتمعنا ولأنفسنا هذا الانجاز ومنه إلى الأكبر وشكرًا. وقد تحدثت آمال عوّاد رضوان عن مشوار تجربتها في مشاركتها في هذا الكتاب بالبحث للشاعر ميشيل حداد، ومصداقية المشوار من المسؤولين والرقابة الموضوعية في متابعة البحوث بمساراتها وتدقيقها. ومن ثمّ كانت هناك مداخلات من الحضور واستيضاحات عديدة وقد أنهى الشاعر مفلح طبعوني اللقاء بكلمة شكر لكل من حضر وساهم في إنجاح هذه الأمسة الثقافيّة.