يخلد الشعب المغربي اليوم الخميس الذكرى ال74 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال (11 يناير 1944)، وهي محطة تؤرخ منعطفا حاسما ومحطة مشرقة في مسلسل الكفاح الوطني، الذي خاضه الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي من أجل الحرية والاستقلال. وقد دشن هذا الحدث، الذي تم ترسيخه بماء من ذهب في تاريخ المغرب، عهدا جديدا من خلال إبرام اتفاق تاريخي بين بطل التحرير، الملك الراحل المغفور له محمد الخامس، وقادة الحركة الوطنية، في تعبير عن الإرادة المشتركة للعرش والشعب لإنهاء الحماية والشروع في بناء مغرب حر ومستقل. ويحتفي المغاربة، بهذا اليوم، بكل مظاهر الاعتزاز والإكبار، و في أجواء التعبئة الوطنية العامة تحت القيادة الحكيمة للملك محمد السادس، ففي مثل هذا اليوم من سنة 1944 قدمت وثيقة المطالبة بالاستقلال لبطل التحرير الملك الراحل محمد الخامس طيب الله ثراه ، وسلمت نسخة منها للإقامة العامة ولممثلي الولاياتالمتحدة و بريطانيا بالرباط، كما أرسلت نسخة منها الى ممثل الاتحاد السوفياتي. ومنذ صدور " الظهير البربري" سنة 1930، الذي أعقبته سلسلة من المواجهات والمعارك ضد التدخل الاستعماري، خاض الشعب المغربي سلسلة مواجهات للحصول على استقلاله، فتم تأسيس كتلة العمل الوطني ، و تقدمت الحركة الوطنية المغربية بمطالب في هذا المجال سنتي 1934 و 1936 في الوقت الذي استمر فيه النضال بالمدن والبوادي من أجل تعميق الشعور الوطني وت عبئة المواطنين في أفق الكفاح من أجل الحرية والاستقلال. و في خضم هذا الإجماع على مواجهة الاستعمار وحمله على الاعتراف باستقلال البلاد، شهد المغرب عدة مظاهرات . وكان مؤتمر أنفا في شهر يناير 1943 مناسبة التقى خلالها بطل التحرير الملك الراحل محمد الخامس مع رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية ، فرنكلين روزفيلت، ورئيس وزراء بريطانيا ، وينستون تشرشل، حيث طرح طيب الله ثراه خلال هذا المؤتمر قضية استقلال المغرب تمشيا مع مبادئ ميثاق الأطلسي. و ما إن حلت السنة الموالية لانعقاد مؤتمر أنفا حتى هيأت نخبة من الوطنيين وثيقة ضمنوها المطالب الأساسية المتمثلة في استقلال البلاد، وذلك بتشجيع و تزكية من جلالة المغفور له محمد الخامس الذي كان يشير عليهم بما يقتضيه نظره من إضافات و تعديلات و انتقاء الشخصيات التي ستكلف بتقديمها مع مراعاة الشرائح الاجتماعية و تمثيل جميع المناطق في بلورة هذا الحدث المتميز في تاريخ البلاد. تضمنت الوثيقة على الخصوص مطالب همت استقلال المغرب تحت ظل ملك البلاد سيدي محمد بن يوسف ، والسعي لدى الدول التي يهمها الأمر لضمان هذا الاستقلال، وانضمام المغرب للدول الموافقة على وثيقة الأطلنتي والمشاركة في مؤتمر الصلح، والرعاية الملكية لحركة الإصلاح و إحداث نظام سياسي شوري شبيه بنظام الحكم في البلاد العربية والإسلامية بالشرق، تحفظ فيه حقوق و واجبات جميع عناصر الشعب المغربي. وكان لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال الأثر العميق في مختلف جهات المملكة، إذ تلتها صياغة عرائض التأييد ، كما نزلت جماهير غفيرة إلى الشوارع في مظاهرات تأييد أشهرها مظاهرة 29 يناير 1944، التي سقط فيها عدة شهداء برصاص قوات الاحتلال. و بدلا من رضوخ الاستعمار لإرادة الحق والمشروعية، التي عبر عنها العرش والشعب، تمادى في محاولة الضغط على جلالة المغفور له محمد الخامس سعيا إلى إدماج المغرب في الاتحاد الفرنسي وفصل قائد الأمة عن الحركة الوطنية، و واجه بطل التحرير كل مخططات الحماية بكل جرأة ورباطة جأش، و من ذلك زيارته التاريخية لمدينة طنجة في 9 أبريل 1947، التي ألقى منها خطابه السامي والذي أكد على أن المطالبة بالاستقلال اتخذت صبغة رسمية وأنه لا تراجع عنها، وقاد وقوف سلطان البلاد إلى جانب المقاومة وانخراطه فيها، إلى نفيه إذ عزلته سلطات الحماية الفرنسية، في 20 غشت 1953، عن العرش، و نفته مع أسرته الشريفة إلى جزيرة مدغشقر. و تلا ذلك اندلاع (ثورة الملك والشعب) التي عمت المدن المغربية وعجلت بالاستقلال. و أمام تصاعد حدة المقاومة، اضطرت فرنسا إلى إرجاع السلطان الشرعي إلى بلده وشعبه وعرشه، في 18 نونبر 1955، ليعلن عن "نهاية عهد الحجر والحماية"، وبداية استقلال المغرب عن فرنسا، الذي أعلن بشكل رسمي في 2 مارس 1956، و في غشت 1956، اكتمل استقلال القسم الأكبر من البلاد، بنهاية الحماية الإسبانية على المناطق الشمالية. وشكلت وثيقة المطالبة بالاستقلال، ارتباطا بسياقها التاريخي والظرفية التي صدرت فيها، ثورة وطنية حقيقية جسدت وعي المغاربة و تمسكهم بالكرامة والسيادة وأعطت دليلا قاطعا على قدرتهم وإرادتهم الراسخة في الدفاع عن حقوقهم المشروعة و تقرير مصيرهم وتدبير شؤونهم بأنفسهم خارج أي وصاية مهما كانت، وانخراطهم الكلي في مسيرة النضال التي تواصلت فصولها بعزم وإصرار في مواجهة النفوذ الأجنبي حتى تحقيق النصر.