كانت مساهمة المرأة المغربية في بناء صرح النهضة العلمية في العصر المريني عظيمة كغيره من العصور ، تلك المساهمة الفعالة التي وإن أغفل الكلام عنها في كثير من المصادر التاريخية ،فإنها تأبى إلا أن تعلن عن نفسها . ومن بين النساء اللائي بزغنا في حقل العلوم الدينية السيدة أم هانئ بنت محمد العبدوسي ،الفقيهة الصالحة ذات علم وصلاح ،عاشت لما يقرب المائة عام وتوفيت سنة 860ه ،فضلا عن أختها فاطمة وكذلك السيدة أم البنين الفقيهة الصالحة والسيدة رحمة بنت جنان وغيرهن. نبهت أم الحسن بنت أحمد الطنجالي نزيلة لوشة ، في المجال الفكري ،وقد ذكرها لسان الدين الخطيب في كتابه التاج المحلى فقال :"ثالثة حمدونة وولادة ،وفاضلة جمعت الأدب ،وأولدت أبكار الأفكار قبل سن الولادة نشأت في بيت أبيها لا يدخر عنها تدريبا ولا تنبيها حتى نبض إدراكها وظهر في المعارف حراكها ودرسها الطب ففهمت أغراضه ". نجبت الطبيبة عائشة بنت الجيار في عهد بني مرين، الذين ازدهرت في عهدهم مهنة الطب وعُرفوا ببناء "المارستانات" في جميع أقطار المغرب ،وعائشة هي ابنة الشيخ الوجيه أبي عبد الله محمد بن الجيار ،محتسب مدينة سبتة ،الذي اهتم بتعليم ابنته ولم يذخر جهدا وقدم لها دعما لا مشروطا ولم يبخل عليها . درست عائشة علم الطب ونبغت فيه ،ذاع صيتها بسرعة في المغرب ،حتى وصل إلى الحكام المرينيين ،واستدعوها على عجل ،حيث أصبحت الطبيبة الخاصة لنساء دار وحاشية السلطان ،وحظيت في القصر المريني بمكانة رفيعة نظير تفانيها وإتقانها لصناعة الطب. شاركت سيدات كثيرات في غير ذلك من ضروب المعارف والعلوم لكن سيرهن لم تذكر ولم تحفظ في التاريخ العربي ،غير أنهن بدون شك نساء عظيمات ساهمن أيما اسهام في النهضة الفكرية والعلمية في العهد المريني.