أعاد مشهد الطائرات المروحية الأمريكية وهي تُخلي في حالة إرباك موظفي السفارة الأمريكية في كابل إلى الأذهان مشهد إخلاء السفارة الأمريكية في فيتنام عقب هزيمة أمريكا في الحرب هناك، حيث تركت واشنطن خلفها أعداداً كبيرة من عملائها أوما تسمهيم المتعاونين المحليين الذين توسلوا القوات الأمريكية لاصطحابهم لكن دون جدوى، حيث تركوا لمصيرهم الذي كان في كثير من الأحيان القتل وفي أحسن الأحوال النبذ من المجتمع بعد وصمهم ب"العملاء". هذا المشهد لم يكن الوحيد، حيث يتكدس آلاف الأفغان الذين عملوا إلى جانب القوات الأمريكية طوال عشرين عاماً ماضية في مطار كابل، في محاولة للخروج بصحبة القوات الأمريكية التي أطلقت النار في الهواء لتفريقهم حتى لا يعيقوا عمليات سحب الدبلوماسيين والقوات الأمريكية التي تبقى لها الأولوية الكبرى للإدارة الأمريكية التي فوجئت بالتطورات، واضطرت إلى إرسال آلاف القوات الإضافية لحماية مواطنيها وسحبهم. وعلى الرغم من أن الصورة النهائية لم تتضح بعد في أفغانستان فإن كل التطورات تشير إلى أن القوات الأمريكية سوف تترك جزءاً كبيراً من المتعاونين الأفغان لمواجهة مصيرهم، وهو ما أعاد إلى الأذهان الكثير من المشاهد المماثلة في التاريخ، لا سيما المصير الذي لاقاه المتعاونون المحليون مع الاحتلال الأمريكي لفيتنام . ففي مشهد ما زال راسخاً في ذاكرة كل من تابع الانسحاب الأمريكي من فيتنام 1975، تقترب مروحية شينوك تابعة للجيش الأمريكي من سطح السفارة الأمريكية في سايغون لتخلي الدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين، وبينما يحاول متعاونون محليون حجز مقعد لهم على متن تلك المروحيات، كان يتم انتقاء الأمريكي ودفع المتعاونين المحليين إلى الابتعاد كي لا يعيقوا سحب الأمريكيين، فالأولوية للأمريكي. كان المتعاونون الذي قدرت أعدادهم بعشرات الآلاف يخشون الانتقام من قوات فيتنام الشمالية (الفيت كونغ)، نجح عدة آلاف منهم في المغادرة مع القوات الأمريكية لكن عددهم كان قليلاً جداً بينما بقيت الأغلبية العظمى لتلقى مصيرها الذي كان القتل أو السجن أو التعذيب، حيث جرى معاملتهم وطنياً ك"خونة". وتعتبر عملية "الريح المتكررة" التي خصصت لإجلاء الدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين من سايغون واحدة من أكبر عمليات الإجلاء الجوي في العالم، وبينما أعطيت الأولوية للأمريكيين احتشد المتعاونون الفيتناميون الذين أصابتهم حالة هستيرية من الخوف في المطار ومحيط السفارة الأمريكية في محاولة للحصول على مقعد، لكن عقب سحب آخر جندي أمريكي من سطح السفارة اكتشف كثير من المتعاونين أن مشغليهم غادروا وقد تخلوا عنهم بالفعل بلا رجعة. وشكلت الصورة الواصلة من مطار العاصمة الأفغانية كابل في صباح اليوم التالي لسيطرة طالبان على كابل نموذجاً جديداً لمصير المتعاونين مع القوات الأمريكية. حيث أطلق جنود أمريكيون النار في الهواء لتفريق مئات الهاربين الأفغانيين الذين يحاولون الحصول على مقعد طائرة تقلهم إلى خارج البلاد، بهدف تيسير إجلاء الموظفين الأمريكيين وما بقي من بعثات دبلوماسية. وعلى من الرغم أن واشنطن سمحت بنقل جزء من المتعاونين معها على مدار عشرين عاماً من احتلالها لأفغانستان إلى الولاياتالمتحدة، فإن هناك جزءاً كبيراً لم يحصلوا على هذه الفرصة، وتركوا لمصيرهم أمام حركة طالبان.