خلف لقاء العثماني مع ممثلي الأحزاب السياسية الكثير من الجدل لاسيما بخصوص مدى قدرة هذه الأحزاب على تشخيص الوضع الاقتصادي والاجتماعي الراهن والمساهمة في تقديم تصورات لما بعد أزمة كورونا. وفي هذا الصدد،يرى الخبير في القانون الدستوري والشؤون البرلمانية، رشيد لزرق،أن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، فشل في تدبير حالة الطوارئ الصحية ، و ها هو يمارس سياسة الهروب إلى الأمام من خلال دعوة الأحزاب إلى إجتماع مشترك ، محاولا بذلك التغطية على الفشل الذريع لفريقه الحكومي في إيجاد الحلول الحقيقية لتداعيات جائحة كورونا على الإقتصاد المغربي. ولأن فاقد الشيء لا يعطيه ، فلا يمكن لعاقل لبيب أن يرهن مستقبل المغرب في أيادي السياسيين الفاشلين و الأحزاب الخاربة التي أهملت الكفاءات و الطاقات الشابة و منعتها من المساهمة في صنع مصير الأجيال الصاعدة. و أضاف لزرق في تصريح ل “نون بريس” أن الوقائع أثبتت بالملموس فراغ الأحزاب من العقول المبدعة القادرة على طرح مشاريع جديدة تتناسب و طبيعة التحديات المستجدة،ولذلك فإن ما يبدر عنهم ليس إلا تلفيق اجتماعات تضليلية دؤوبة وغير يائسة لتنظيمات متقادمة و متجاوزة تحاول ركوب الموجة والمزايدة في خضم بلورة تصور للخروج من الجائحة و الضائقة. وتسائل قائلا : “فهل يعقل اليوم أن يعمل رؤساء الأحزاب الذين أثبتوا على مدى السنين فشلهم وانقضى رصيدهم على “المساهمة” في بلورة المشروع البديل؟”. وتابع: أكاد أجزم أن هذا الخطب الجلل ( دعوة رئيس الحكومة لاجتماع الأحزاب) كفيل بتحويل ورش استراتيجي يرهن مستقبل المغرب إلى مسرحية هزلية حتما ستكون نهايتها طراجيديا دراماتيكية. وأوضح “لأن الشيء بالشيء يذكر، لا بد لي من العودة إلى مقترحات الأحزاب التي طرحتها تصوّراً للنموذج التنموي البديل. لكي نتأكد أنه لا يمكن اعتبارها غير خربشات تشخيص انطلاقا من زاويتها، كما أنها تحاول تصوير أمانيها على كونها مقترحات ذات جودة مزعومة!”، فضلا عن ذلك، فإنه لا يمكن أن تكون عروض الأحزاب قوية بشأن تصوراتها للنموذج التنموي الجديد. لماذا؟ الجواب ببساطة ينحاز لكونها جميعا تفتقر في أدبياتها الحزبية إلى ما يسمى على الصعيد المقارن ب”الأطروحات الاقتصادية” التي تتطلب مراكمة سنوات من الاشتغال داخل مراكز حزبية متخصصة. وأكد لزرق، أن وضع تصور من قيمة نموذج اقتصادي، يحتاج إلى مثقفين وخبراء كفاءات متخصصة لها من الزاد العلمي والسياسي ما يكفي لتقديم استراتيجية مستقبلية متكامل الأركان. وهذا ما لا تتوفر عليه المنظومة الحزبية المغربية التي تنتمي إلى زمن ما قبل الرقمنة و الذكاء الإصطناعي. وأضاف “لقد كشفت جائحة كورونا، على الخصوص، وجود هوة شاسعة بين مكونات المنظومة الحزبية المغربية و بين حسن سير المؤسسات الدستورية. حيث تاهت الحكومة و المعارضة عن لعب أدوارها كاملة في تكريس الديمقراطية، وطرح المشاريع البديلة، و غلب على ممثلي الأحزاب ظاهر التيهان و فقدان البوصلة و عدم القدرة على تأطير المجتمع الذي فقد الثقة في هذه المنظومة الحزبية”. وشدد على أن كل هذا يؤكد الانطباع السائد بأن البنية المعطوبة للأحزاب ومن يدور في رحاها، منعتها من التكيف مع مستجدات الجائحة الوبائية ، جراء عدم الوعي بتغيير عظيم شمل المبنى و المعنى. و كذلك عدم القدرة على إبداع حلول جديدة، وبمراعاة الحاصل المتمثل في عجز الدولة، على استخدام الوظيفة العمومية كآلية لخلق فرص الشغل في ظل معدل نمو ضعيف، سيفرض السؤال المركزي نفسه حول دور الدولة في خلق الشغل خاصة في القطاعات ذات التشغيلية العالية والمردودية الاقتصادية المحدودة، وهذا الدور أضعفته تداعيات كورونا الجائحة. مما يستدعي البحث عن جواب المرحلة القادمة الذي يظل حتى اللحظة شعارا دون مضمون؟ وختم تصريحه بالقول “إن الإجراءات التي يتخذها سعد الدين العثماني رئيس الحكومة لمعالجة الأزمة الصحية غير كافية و لا تبشر بقدرة الحكومة على إخراج البلاد من الأزمة. لذا لا بد من حكومة خبراء تتأسس على تضافر الجهود للتغلب على تداعيات الوباء التي لا يمكن أن تحجب أو تبرر أوجه القصور، و لا أن تمنع من تحديد المسؤوليات، وعلى رأسها أخطاء تدبير حالة الطوارئ الصحية التي فشلت فيها حكومة العثماني، و التي أضعفت دور الدولة بشكل خطير في حماية صحة المواطنين و اقتصاد المغرب”. ولأن المناسبة شرط، فها هنا نتساءل حول دور رئيس مجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي الذي من المفروض أنه يعبر عن مؤسسة دستورية تتشكل إلى جانب الرئيس الذي يعين بظهير شريف، من 105 عضوا موزعين على خمس فئات،فالمفترض في رئيس المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي، أن يكون له تصور علمي عملي حول كيفية التغلب على تداعيات الأزمة.