تعتبر جائحة "كوفيد-19" أكبر أزمة عالمية يشهدها هذا القرن، وعمقها وحجمها هائلان. وباتت هذه الجائحة تهدد الصحة العامة لكل واحد من ال7.8 مليار إنسان الذين يعيشون على كوكب الأرض. ولقد أبان وباء كورونا على أن الولاياتالمتحدة قد أخفقت في اختبار قيادة وريادة العالم، إذ لم يعد يُنظر إليها على أنها قوة عظمى رائدة للعالم بسبب التفات حكومتها إلى المصلحة الذاتية الضيقة وكشفها الفادح عن انعدام الكفاءة. كان من الممكن بصفتها القوة الأعظم في العالم أن تتدخل من أجل تخفيف الآثار العالمية لهذا الوباء إلى حد كبير، من خلال جعل المنظمات الدولية تقدم معلومات أكثر وفي وقت مبكر، الأمر الذي كان سيعطي الحكومات الوقت لإعداد وتوجيه الموارد إلى حيث تشتد الحاجة إليها. وهو شيء كان يمكن للولايات المتحدة تنظيمه والقيام به، بيد أنها على العكس من ذلك ظهرت أنها مهتمة فقط بنفسها وتعاملت مع هذه الأزمة على أساس وطني صرف. نعم، لقد فشلت واشنطن في اختبار القيادة العالمية، وأصبح العالم أسوأ حالاً بسبب ذلك، وبدت كل دول العالم مندهشة من سياسة الرئيس الأمريكي ترامب، خاصة في ظل الأوضاع التي يعيشها كل سكان الأرض، فهذا الرئيس لأقوى دولة في العالم بدلا من أن يجمع كل قادة العالم للتشاور لوضع خطط لمكافحة هذه الجائحة والتخلص منها على مستوى العالم، فبدلا من ذلك صار همه أن يشن الهجوم على الصين وفنزويلا وإيران ويتفنن في اتخاذ عقوبات إضافية، وباتت الإدارة الأمريكية في حرب مع نفسها حول تحديد معنى شعار الرئيس ترامب "أمريكا أولا" ومدى توافقه مع النظرية "الهوبزية" نسبة إلى الفيلسوف السياسي البريطاني هوبز مؤلف كتاب (ليفيثان Le Léviathan) الذي يعلي من قيمة الصراع في الحياة الإنسانية وكتب فيه عبارته الشهيرة (الإنسان ذئب لأخيه الإنسان). بينما استطاعت الصين السيطرة على فيروس كورونا في وقت قياسي، وقدمت حتى الآن معونات لأكثر من 89 دولة ومنظمة في أرجاء المعمور، فأصبحت بذلك هي الرائدة في هذا المجال. وهكذا، يناقش عدد كبير من الخبراء والباحثين، في الآونة الأخيرة، عدة سيناريوهات وفرضيات لمستقبل العالم ما بعد كورونا، تتفق معظمها على إعادة النظر في تشكيل هيكل القوة الدولية. ولعل النقطة المشتركة بينها جميعا تتجلى في "القلق على مستقبل المكانة الأمريكية في بنية النظام الدولي"، وفي الاعتقاد بفكرة أن من قاد العالم في مواجهة كورونا جدير به أن يقوده بعد الانتصار على هذا الوباء. وإذا كان الاتجاه الغالب على هذه الفرضيات والسيناريوهات ذي نزعة تشاؤمية توحي باحتمال التراجع الأمريكي مع تباين في إيقاع هذا التسارع من كاتب لآخر، فإن كتاب جوزيف ناي "مستقبل القوة" يقف في الطرف المقابل متشككًا في صحة النزعة التشاؤمية تلك، ويسعى لنزع صفة الحتمية عن التراجع الأمريكي، لكنه يشترط لذلك إعادة النظر في مفهوم "القوة" بما يتناسب والسياق التطوري لبنية المجتمع الدولي. نحن إذن أمام صورة معقدة تقتضي مراجعة المفاهيم وما نعتقده من مسلمات حول طبيعة القوة العظمى ودورها العالمي وآليات أدائها لهذا الدور، وهنا لا بد من العودة إلى الأصول وإلى التعريف الأصلي لعبارة القوة العظمى "Super power". تعرف موسوعة «بريتانيكا» «القوة العظمى» بأنها الدولة التي تمتلك قدرات عسكرية واقتصادية أو كليهما، بالإضافة إلى قدرة تأثير على غيرها من الدول من منطلق فوقي. ورغم أن حكماء العالم وعلمائه لا يعقدون اجتماعًا لاختيار من يحظى بلقب «قوة عظمى»، إلا أنها معرفة تفرض نفسها بالفعل والحجة والبرهان والتحركات والسياسات. وحسب أراء الخبراء فإن مفهوم "القوة العظمى" لا تحدده القوة الاقتصادية، بل يرى البعض، على العكس، أن القوة الاقتصادية كثيراً ما تشكل عائقا دون وصول الدولة لمكانة القوة العظمى، فالولاياتالمتحدةالأمريكية، مثلا، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم حققت مكانتها العظمى قبل أن يكتسب اقتصادها هذا الحجم العملاق، بل إن قوتها العظمى هي التي ساعدت على احتلال اقتصادها هذه المكانة وليس العكس. ولو كان الاقتصاد هو العامل الأساسي لحازت دولة مثل اليابان صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم مكانة الدولة العظمى بسهولة، لكنها بقت باقتصادها العملاق بعيدة تماما عن أي تأثير أو فاعلية سياسية على الساحة الدولية، ولا تطمح اليابان لشغل مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي في حالة زيادة أعضائه الدائمين، بينما تطمح لذلك دول أضعف منها اقتصاديا بكثير مثل الهندوالبرازيل، وكذلك ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا لم تستطع أن تحقق أية مكانة سياسية مؤثرة حتى داخل القارة الأوروبية. ويعرف جوزيف ناي في كتابه "مستقبل القوة " القوة بأنها القدرة على تحقيق النتائج التي يريدها المرء، وتتباين الموارد التي تنتج هذه القوة في سياقات مختلفة: ففي القرن السادس عشر تبوأت إسبانيا مكانتها عبر السيطرة على المستعمرات وتكديس الذهب، وفي القرن السابع عشر اعتمدت هولندا على عنصري التجارة والمال، أما في القرن الثامن عشر فقد لعب عامل عدد السكان والقوة العسكرية الدور الأهم في المكانة الفرنسية، بينما في القرن التاسع عشر، اعتمدت بريطانيا على نتائج الثورة الصناعية والقوة البحرية. أما في القرن العشرين فقد تم تداول هذا المصطلح منذ عام 1944، وتم تحديد مفهوم القوة العظمى على أنها قوة كبرى"Great power" ذات قدرة كبرى على تعبئة واستخدام قدر كبير من القوة، وتم اعتبار كل من الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي والمملكة المتحدة، ثم تم استبعاد بريطانيا بعد أن اتضحت النتائج النهائية للحرب العالمية الثانية، وبعد أن أصبحت القوتان العظمتين تمتلكان أسلحة نووية ودخلت عوامل جديدة في صياغة نظام دولي جديد، قام على مبدأ القطبية الثنائية التي قسمت العالم إلى معسكرين، وفقاً لمعايير إيديولوجية ووجهات نظر حول ماهية العيش السعيد للمجتمعات الإنسانية وما يترتب عن ذلك من منظومات أخلاقية وقيمية متناقضة؛ تم أيضاً نسج تحالفات دولية لتعكس هذا الاستقطاب الدولي، فأقيم حلف وارسو ليضم دول المنظومة الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفياتي وحلف شمالي الأطلسي بزعامة الولاياتالمتحدة وضم أغلب دول أوروبا الغربية. لم تقتصر هذه الأحلاف على الأغراض الأمنية والدفاعية بل شملت أغراضها جميع مناحي الحياة والدفاع عن نمط معين للحياة، رغم أن الحرب قد أسفرت عن قيام الأممالمتحدة التي أراد مؤسسوها أن تكون بوتقة لعمل دولي جماعي لضمان الأمن والازدهار ولكنها عانت من امتداد هذا الاستقطاب الثنائي إليها. أما في العصر الحالي فقد أصبحت "المعلوماتية" تمثل أحد متغيرات القوة المركزية فيه وأصبحت "القوة العظمى" هي القوة الاقتصادية والتكنولوجية الأعظم في العالم. وعليه، يتضح أن مفهوم "القوة العظمى" يتغير عبر العصور، وهذا يعني من وجهة نظر "جوزيف ناي" في كتابه سالف الذكر أن المتغيرات التي تشكّل القوة تتغير من مرحلة تاريخية لأخرى، وتعتبر ظاهرة صعود وهبوط الإمبراطوريات وتغير موازين القوى ظاهرة تاريخية، أي أنّ وجودها مرتبط بجملة من العوامل التي بمجرد زوالها يزول الأساس الذي بُنيَت عليه الإمبراطورية وتدخل بالتالي في طور الأفول، وهو ما حدث عبر التاريخ، فواشنطن التي خبرت مرحلة أفول الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية، إنما تشهد اليوم عوامل أفولها في ظل صعود قوى جديدة في المشهد الدولي والولاياتالمتحدة ليست استثناء، فعلى مر التاريخ ظهر على الساحة الدولية العديد من الدول التي احتلت مكانة القوة العظمى، وذلك منذ دولتي الفرس والروم، وممالك بيزنطة واليونان القديمة وروما وغيرها، مرورا بالعصور الوسطى ووصولا للفتوحات البحرية التي تنافست عليها إسبانيا والبرتغال، وصولا إلى الإمبراطوريتين الاستعماريتين الفرنسية والبريطانية، ثم آخر القطبين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي، وجاء انفراد الولاياتالمتحدة على الساحة الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ليطرح مشروع القطب الأوحد، هذا المشروع الذي آمن به الكثيرون وروجوا له ودعمته آلة الإعلام الأمريكية والغربية المهيمنة على الساحة الدولية. وعندما، تأكدت أمريكا بأنها باتت قوة العالم العظمى في أعقاب تفتت الاتحاد السوفياتي، ظن العالم أنها ستنفرد بساحة التفوق العسكري والاقتصادي. لكن الظن لم يدم طويلاً، واستيقظ العالم ليجد قائمة من الدول التي تعتقد أن في إمكانها أن تملأ الفراغ الأممي جنبًا إلى جنب مع أمريكا، حيث بزغت الصين كقوة اقتصادية وتجارية عظمى. وعلى النهج نفسه تسير الهند، وربما البرازيل، بل إن البعض يرى اليابان وكوريا الجنوبية وفرنسا وغيرها من الدول مرشحة لتكتسب اللقب. لقد أيقن الكثيرون اليوم أكثر من أي وقت مضى أن سياسة القطب الأوحد للم تعد تصلح للمجتمع الدولي. وأنه لا بد من ثنائية أو تعددية الأقطاب، خاصة بعد أن ضربت واشنطن عرض الحائط بأسس ومعايير الشرعية الدولية، وحطت كثيرا من شأن الأممالمتحدة واستخدمت نفوذها لتوجيه المؤسسات الدولية لخدمة مصالحها ودعم حملاتها العسكرية ذات الأهداف الوهمية ضد الأعداء الوهميين. وجاءت الأزمة المالية العالمية لسنة 2008 وكذا جائحة "كورونا لتكرس أطروحة تراجع القطب الأوحد، مما طرح الحديث والجدل حول أقطاب أخرى تنافس القطب الأمريكي أو حتى تعزله عن عرشه وتحتل هي مكانه. وفي وسط هذا الجدل شغل العملاق الصيني حيزا كبيرا نظرا للطفرة الإنتاجية الاقتصادية التي حققها خلال السنوات العشر الماضية، والتي وضعته في مكانة ضمن أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم مع الولاياتالمتحدةواليابان، كما دار الجدل أيضا حول صعود العملاق الآسيوي الهندي كقوة جديدة على الساحة، وكذلك العملاق الألماني والذي يشكل أكبر اقتصاد في القارة الأوروبية. وبما أن الولاياتالمتحدةالأمريكية، كما سلف الذكر، تعيش اليوم بسبب انتشار جائحة كورونا وضعية بالغة التعقيد ومحنة كبيرة، حيث أصبحت في وضع لا تحسد عليه، وتنازلت عن غطرستها وطلبت المساعدة من الصين التي قامت بإرسال معدات طبية احتاج إليها ترامب، الذي شكر في مكالمة هاتفية الرئيس الصيني ودولة الصين بتعاملهم مع الفيروس وطريقة احتوائه، وناشده بضرورة التعاون بين الصينوأمريكا في أفق التغلب على هذا الفيروس، وإيجاد علاج أو لقاح ضده في أقرب الآجال الممكنة. وتأسيسا على ما ورد ذكره، فقد بات من الضروري إعادة النظر في مفهوم القوة العظمى ووضع تصور بديل للقوة العظمى التي تريد شعوب العالم، لأن ما بعد كورونا ليس كما قبلها. إذ عند انتهاء هذا الوباء وانحساره سنشهد تغيرات كثيرة وسنحاول من جهتنا أن نطرح تصورنا الشخصي من خلال استقرائنا لمجموعة من النظريات والأطروحات حيث نقترح مشروع رؤية جديدة "للقوة العظمى" بناء على التصورات التالية: إن نموذج القوة العظمى الذي تريده دول العالم ما بعد جائحة كورونا هو نموذج يرتكز على قوة متعددة القطبية، والقيادة هدفها إحداث التوازن في القوة بين الدول؛ لأن ذلك هو الوسيلة الكفيلة والضمانة الفعالة الوحيدة لردع التوجهات العدوانية لبعض الدول تجاه البعض الآخر. فالتفاوت في القوة هو الذي يُحرك عدوانية دولة على أخرى. لأن امتلاك الخيوط المؤهلة للقوى العظمى لم تعد أحادية، أو حكرًا على دولة دون أخرى، ويجب على القوى العظمى أن تغير دماءها. إن العالم بات في أمس الحاجة إلى قوة عظمى لا ترغب في إخضاع باقي الدول لسيطرتها ونهب ثرواتها بحجة إحلال الحكم الديموقراطي فيها، وإذا كان الأمر كذلك فعلى الولاياتالمتحدةالأمريكية إذن أن تتنازل عن موقفها المهيمن التقليدي للسماح بالتعددية القطبية، وبالتالي إقامة توازن حقيقي للقوة وللقيادة العالمية. إن القوة العظمى التي تريدها شعوب العالم في المستقبل القريب، هي قوة تكون في مكان الصدارة لكن بدون هيمنة، ولا تؤمن بمبدأ تعظيم القوة أو الحفاظ على الهيمنة بل إيجاد سبل لتوليف الموارد لبناء استراتيجيات ناجحة في سياق انتشار القوة وتنامي البقية من الدول، أي دمج القوة الخشنة والقوة الناعمة، على حد تعبير جوزيف ناي في كتابه "مستقبل القوة". إن عالم ما بعد جائحة كورونا في حاجة الى قوة عظمى تحرص كل الحرص على إقامة علاقات تعاون قوية ومفيدة مع كل دول العالم. قوة عظمى تؤمن بالمبادئ الإنسانية وتسعى لمساعدة الغير. قوة عظمى بديلة قد تلعب مستقبلا دوراً فاعلاً في حل الأزمات الدولية، وليس دور شرطي ودركي العالم. قوة عظمى لا تسقط القنابل فوق رؤوس الآخرين، ولا ترسل كذلك آلاف الطائرات لقذف المدن. قوة عظمى لا تملك أسلحه نووية ولا كيميائية، ولا بيولوجية. قوة عظمى تكون وتخرج سنويا عشرات الآلاف من العلماء، والأطباء الذين يعملون على إنقاذ حياة الآخرين. قوة عظمى لا يقوم فيها عالم أو طبيب بصناعة مواد عضوية بكتيريا أو فيروسات من شأنها أن تتسبب في موت أناس آخرين. قوة عظمى تكون أطباء وباحثين يعكفون على مقاومة الأمراض بفضل اللقاح الذي يتم إنتاجه عبر تقنيات المعالجة الجينية، والبحث عن لقاح الصيغ العلاجية عبر علم المناعة الجزئية، أو عبر طرق تهاجم مباشرة الخلايا الخبيثة التي تحول دون الشفاء قوة عظمى تتفاخر بأطبائها ومراكز أبحاثها. قوة عظمى ترسل عشرات آلاف الأطباء لتقديم خدماتهم على الصعيد الدولي في أكثر المناطق تأخرا، وأكثرها نقصا في العلاج بدلا من إرسال القنابل والأسلحة الذكية التي تسقط آلاف الأبرياء. قوة عظمى، لا تقوم أبدا بهجمات استباقية، أو مفاجئة في أي مكان في هذا العالم. قوة عظمى تجعل من أولوياتها تعزيز الاستقرار والنمو الاقتصاديين ويعتبر هدف الاستقرار الاقتصادي غاية بحد ذاته، لكنه أيضا طريقة لخدمة الهدف الأول من خلال تخفيف مصادر الصراع بين الدول. قوة عظمى تعمل أيضا على تسهيل العمل الجماعي لمواجهة التحديات المشتركة. قوة عظمى قادرة ومتماسكة، شريكة في مجهود تعاضدي يسعى إلى حماية الشعوب من غطرسة أية قوة عظمى شريرة ومارقة ووضع حد لجشعها الذي لا يشفى، للإضرار بالدول ونهب ثرواتها. العالم ما بعد هذه الجائحة الكونية في أمس الحاجة إلى نهوض قوى "الخير" البديلة، لتنقذ العالم من الهيمنة وامتصاص الثروات لترتقي به إلى ما فيه مصلحة الشعوب. فإن زمن الأحادية القطبية قد ولّى، والعالم اليوم يشهد للتوّ تحالفات جديدة من شأنها الإسراع بانحدار الولاياتالمتحدة وسقوطها، وفشل محاولاتها المستميتة العقيمة لبسط نفوذها. القوة العظمى التي نحتاجها اليوم أكثر من أي وقت مضى يجب أن ترتكز على استراتيجية جديدة خصوصا عندما يتعلق الأمر بالتهديدات العابرة للحدود مثل "كوفيد-19"وتغيير المناخ، إذ لا يكفي التفكير في القوة وتكريس النفوذ والهيمنة على الدول الأخرى بل إن مفتاح النجاح هو معرفة أهمية تقاسم القوة مع الآخرين. وكما كان الحال دائماً، سوف يكتب "المنتصرون" في أزمة "كوفيد-19" التاريخ. ومن المحتم أن تلك الدول المنتصرة والمثابرة - سواء من خلال نظمها السياسية والاقتصادية الفريدة، أو من منظور سياستها الصحية العامة - ستدَّعي لنفسها النجاح والفوز على تلك القوى العظمى التي ظلت خلال فترة قيادتها للعالم لا تسعى سوى الى تحقيق سياسات كارثية ومدمرة. وكخلاصة، يمكن القول إن هذه الرؤية لمستقبل "القوة العظمى " التي نريد سيادتها في عالم ما بعد كورونا قد تمثل التوقع الأكثر توازنًا وتفاؤلاً، ولكنها تبدو إلى حد ما رؤية مثالية، خيالية وبعيدة المنال، فقد تنجح هذه الرؤية من الناحية النظرية، وليس من الناحية العملية لأن الولاياتالمتحدةالأمريكية لن تقبل بسهولة التنازل عن عرش قيادة العالم. ويبقى السؤال المطروح في الأخير: هل ستقبل أمريكا أن تتقاسم قيادة العالم مع قوى عظمى أخرى؟ * باحث بسلك الدكتوراه -مختبر البحث في الحكامة والتنمية المستدامة - جامعة الحسن الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية -سطات