نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تحقيقا عن "الشركة الإسرائيلية "أن أس أو غروب" التي تقوم بالتجسس على "أيفون الخاص بك" كما جاء في العنوان. وبدأ التقرير الذي أعده كل من ميهول سيرفاستافا وروبرت سميث بالإشارة لشعار شركة "أبل" في حملتها الإعلانية الشهر الماضي حول حصانة أيفون "الخصوصية… هي أيفون". وفي نفس الوقت دعت شركة إسرائيلية سرية مسؤولي المبيعات للحديث عن برنامج محدث يحبط الخصوصية التي تتحدث عنها شركة أبل. وبحسب شخص على معرفة باللقاء فقد قام المدراء التنفيذيون من "أن أس أو غروب" بتحد هو استطاعة الشركة "إسقاط حمولة" مكالمة سابقة على الوتساب. و"إسقاط حمولة" هي عبارة برمجية أطلقها بيغاسوس وقادرة على اختراق أعمق أسرار أي هاتف "أيفون". وخلال أقل من دقيقة من المكالمة السابقة التي ترسل للهاتف يبدأ هذا بالكشف عن محتوياته المشفرة وتظهر على شاشة كمبيوتر. وبعد ذلك يبدأ البرنامج بنقل التفاصيل الخاصة جدا والرسائل الخاصة أو المكان أو حتى تضرب ميكرفون الهاتف والكاميرا ويبدأ بثا حيا للقاءات التي يجريها صاحب الهاتف. وترى الصحيفة أن "السوفتوير" ليس جديدا بل هو عبارة عن تحديث لما تقوم وزارة الدفاع الإسرائيلية بتنظيم مبيعاته للزبائن في الخارج، أما الجديد فهو أن "الوتساب" هو "قوة موجهة" و "أحسن من المبيعات نفسها". وتقول إن هذا تلخيص عن إعلان المبيعات الذي تقدمه الشركة للحكومات في العالم والذي منحها وهي الشركة الصغيرة تقديرا بقيمة مليار دولار. وترى الصحيفة أن مهندسي الشركة استطاعوا التحايل على كل عقبة رمتها أبل في طريقهم. وفي مؤتمر للاستثمار عقد في لندن الشهر الماضي تفاخر ممثلها بأن رزمة الأمن التي تقدمها أبل لنظامها وهاتفها لا تعالج "مظاهر الضعف التي يستغلها بيغاسوس" حسبما قال مستثمر لم يعجبه الكلام. وأضاف ممثل الشركة أنه رغم التحديث المستمر على "سوفت وير" الذي تكشف عنه شركة أبل المعروفة عالميا إلا أن شركته "لديها سجل قوي" في تحديد مظاهر ضعف جديدة لاختراق أيفون. وكانت إعلانات الشركة حققت نجاحا باهرا سمح للحكومات بشراء النظام من رفوفها مع أنه كان في الماضي مقتصرا على وكالات التجسس مثل جي سي أتش كيو البريطانية ووكالة الأمن القومي الأمريكية. وتضيف الصحيفة أن بيع هذه التكنولوجيا القوية والمثيرة للجدل أعطت إسرائيل ورقة دبلوماسية رابحة. فمن خلال بيغاسوس اكتسبت إسرائيل وجودا كبيرا سواء كان رسميا أم غير رسمي في الحرب السرية وبشركاء غير عاديين بمن فيهم دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات. وهذه الدول لا تعترف بإسرائيل، لكنها وجدت نفسها في نفس الصف مع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يشن حملة ضد إيران. ولم تناقش إسرائيل علاقتها رسميا بالبرنامج. وقبل تنحيه عن وزارة الدفاع قال أفيغدور ليبرمان الذي كان يصادق على مبيعات البرنامج "لست متأكدا من أن الوقت قد حان للحديث عن هذا، فلدي مسؤولية تجاه دولتنا وعلاقاتنا المستقبلية" وأضاف "ليس سرا اليوم أن لدينا علاقات مع كل الدول العربية المعتدلة وأعتقد أن هذه هي أخبار جيدة". وتقول الشركة إن بيغاسوس يستخدم في الدول لمكافحة الإرهاب ومحاربة كارتل المخدرات وإنقاذ الأطفال المخطوفين. ولكن الشركة تواجه دعوى قضائية في إسرائيل وأخرى في قبرص وجاءتا بناء على تحقيقات جماعات حقوقية وتزعم أنها لاحقت "السوفت وير" إلى هواتف صحافيين ومعارضين ونقاد للحكومات في كل من السعودية والمكسيك، بالإضافة لباحث في منظمة أمنستي إنترناشونال وزوجة صحافي مكسيكي قتيل وناشط ضد الفساد. ومع توسع عمليات الشركة قام الباحثون في جامعة تورنتو بتتبعها مثل الظل حيث وجدوا أن بيغاسوس يستخدم في 45 دولة بمن فيها البحرين والمكسيك والسعودية والإمارات العربية المتحدة. ويقول مستثمر حضر لقاء لندن إن نصف موارد الشركة تأتي من الشرق الأوسط. ولديها عقود مع 21 دولة من أعضاء الإتحاد الأوروبي. وكانت تكنولوجيا "أن أس أو" بمثابة الهدية في التحارب الجاري بين دول الشرق الأوسط. وفي الدعوى القضائية المقدمة في إسرائيل جاء فيها أن الإمارات طلبت من "أن أس أو" اختراق هاتف أمير قطر ومحرر صحيفة في لندن. وتقول الصحيفة إن اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، كاتب العمود في صحيفة "واشنطن بوست" في اسطنبول على يد فرقة قتل أرسلتها السعودية أدى إلى التدقيق في نشاطات الشركة الإسرائيلية أكثر. وأشارت إلى أن الناشط السعودي عمر عبد العزيز الناقد الحاد لسياسات ولي العهد السعودي وصديق خاشقجي تقدم بدعوى قضائية في إسرائيل ضد الشركة التي اتهمهما باختراق هاتفه واستخدمت بيغاسوس لكي تلاحق المناقشات بينه وبين خاشقجي، قبل مقتله في تشرين الأول /أكتوبر 2018. وردت الشركة بطريقة تحاول حماية نفسها، وقالت إنها لا تبيع بيغاسوس لأي شخص ولكن لدولة مسؤولة وبعد متابعات أمنية وتدقيق من الحكومة الإسرائيلية. ورفضت الشركة التعليق علنا على ما ورد من معلومات جديدة عن نشاطاتها. لكن شخصا مطلعا قال إنها لا تطلع على البيانات التي يقوم الزبائن بجمعها حالة استخدام النظام البرمجي في ملاحقة المعارضين أو الصحافيين بدلا من أهداف إرهابية حقيقية. وقالت الشركة إنها رفضت عقودا تجارية بقيمة 150 مليون دولار خلال السنوات الثلاث الماضية. وترددت أنباء بعقد صفقات أخرى بقيمة 250 مليون دولار بعد عمل تدقيق لجنة الأخلاق والتي تقوم بالتحقق من الدول الزبون، إلا أن نقاد الشركة ليسوا راضين عن التأكيدات التي تتحدث عنها. وقال علاء مهاجنة، المحامي في القدس في مجال حقوق الإنسان وممثل عبد العزيز وصحافيين مكسيكيين وناشط في القضيتين المقدمتين ضد أن أس أو "الحديث عن اختيار حذر للزبائن مجرد نكتة لأنها عقدت صفقات عدة مع دول لديها سجل إشكالي في مجال حقوق الإنسان مثل السعودية". وبحسب شخص مطلع على نشاطات الشركة تم الكشف عن معلومة جديدة وهي أن الشركة كانت تبيع القدرة على اختراق الهواتف النقالة لأي مكان في العالم وتستخدم في الفترة السابقة واتساب- ببرمجية جغرافية تقررها الحكومة الإسرائيلية. وبناء على هذا فأي وكالة تجسس يمكن أن تلاحق هواتف نقالة خارج اختصاصها القانوني. ونقل عن "واتساب" قولها إن المهندسين اكتشفوا ملامح ضعف في شيفرتها في بداية أيار /مايو، ويعملون على إصلاح المشكلة. ولهذا السبب أصدرت يوم الإثنين بيانا توضيحيا ل 1.5 مليار شخص يستخدم برمجيتها ولإغلاق الثغرة. وقال شخص مطلع على التحقيق الداخلي لواتساب: "يحمل هذا الهجوم كل ملامح عمل شركة خاصة تعمل مع الحكومات من أجل تقديم برمجية تجسسية تقوم بالسيطرة على أنظمة الهواتف النقالة". وقال: "نحن قلقون بشدة من انتهاك هذه القدرات". ورغم ما تتمتع به الشركة من علاقات وصلات دولية إلا أنها ظلت تحيط نفسها بغلاف من السرية ولم يكن لها موقع خاص على الإنترنت. ومن النادر تحدث مؤسسيها شاليف هوليو وعمري لافي للصحافة. وفي تصريحات نادرة للصحيفة عام 2013 قال شاليف إن الخصوصية أعطى الشركة "للحفاظ على الأمور السرية سرية". وفي مقابلات مع عدد من المسؤولين الإسرائيليين وبعد الاطلاع على وثائق المحاكم في إسرائيل وقبرص وشكاوى للشرطة تكشف كلها عن كفاح الشركة للخروج من ظل التكنولوجيا الدفاعية الإسرائيلية والدخول في عالم الاستثمار المربح. وقدرت شركة نوفالبينا كابيتال وهي صندوق أسهم في بريطانيا قيمة الشركة بمليار دولار. وحاولت الشركة إعادة تأهيل سمعتها لدرجة أن قرضا من نوفالبينا بقيمة 510 مليون دولار لم يجد مستثمرين حتى بعد محاولة بيعه السند بتسعين سنتا من الدولار ونسبة فائدة ب 9.5 في المئة. ولكن الصفقات مع الحكومات تظل أفضل. فقد بلغت موارد الشركة عام 2018 ما مجموعه 251 مليون دولار وهي زيادة كبيرة عن مبيعاتها عام 2014 التي وصلت إلى 109 ملايين دولار. وتشير الصحيفة إلى أن نظام بيغاسوس يعتبر جذابا للحكومات. ففي منتصف عام 2017 وبحسب شكاوى قدمت للشرطة في إسرائيل ورجل أعمال أوروبي له علاقة بمبيعاته، سافر ممثلان عن أن أس أو إلى قبرص لمقابلة مسؤولين سعوديين بارزين في المخابرات. وفي غرفة مؤتمرات في فندق في مدينة ليماسول أشترى رجل الأعمال آخر طراز من أيفون وأظهر السرعة التي تتم السيطرة على كاميراته وميكروفونه. وكانت النسخة من البرمجية التجسسية التي تحاول الشركة تسويقها للسعوديين هي بيغاسوس3 ويمكنها غزو الهاتف النقال بدون أن ينقر المستخدم على الرابط المزيف الذي يخفي السوفت وير. وقدمت الشركة هذا التطوير على أنه "تكنولوجيا صفر بدون نقر". وقال رجل الأعمال الذي لم يكشف عن اسمه "قال السعوديان إنهما يريدانه حالا"، ودفع السعوديون 55 مليون دولار مقابل القدرة على متابعة 155 هدفا في وقت واحد. ولم يحصل رجل الأعمال على عمولة وقدم شكوى قضائية أيضا ضد وسيطين شاركا في الصفقة. وأضاف رجل الأعمال أن السعودية حصلت على "خيول" كما تسميها الشركة في إشارة لبرمجية خبيثة اسمها حصان طروادة لاستهداف الهواتف النقالة من خلال بيغاسوس 2. وهي النسخة التي تابعها الباحثون في "سيتزن لاب" في جامعة تورنتو إلى هاتف صديق جمال خاشقجي. وقال الباحث البارز في سيتزن لاب جون سكوت – ريلتون "لو كان هذا صحيحا، فهو مثير للقلق لأنه يشير إلى نفس التصرفات المتهورة من زبائن قام برنامج سيتزن لاب بتوثيقه ويمكن أن ينتشر بسهولة عبر الحدود". وكانت الحكومة المكسيكية قد دفعت عام 2014 مبلغ 32 مليون دولار لشراء بيغاسوس2. وبحسب العقد مع النائب المكسيكي العام المضمن مع الدعوى القضائية في إسرائيل. وتضمنت الصفقة خدمة من الشركة اسمها "رسالة هندسة اجتماعية معززة" والتي تجذب مستخدم الرسائل النصية للنقر عليها، كما ورد في الدعوى القضائية. وهذه هي واحدة من القضيتين المقدمتين ضد أن أس أو. فبعد أيام من اغتيال الصحافي المكسيكي خافيير فالديز تلقت زوجته رسائل نصية فيها تفاصيل عن اغتياله. ويرى سيتزن لاب أن الرسائل النصية تحمل سوفت وير خبيثا. ونفس الأمر تلقى عمر عبد العزيز رسالة تعطيه معلومات عن طرد بريدي.