أعين تنظر هنا وهناك وألسنة تسأل عن ضالتها، هذا حال زبائن سوق "جميعة" بدرب السلطان بالدار البيضاء، وبخاصة زنقة "العراكات" التي ما أن تدخلها حتى يذهلك منظر ما تحتويه المحلات الموجودة بها من جلود وأسنان حيوانات محنطة ورؤوس ضباع، تستعمل في أعمال السحر والشعوذة. التنافس بين الباعة يجعلهم يتهافتون على الزبائن ويدعونهم لاقتناء ما تزخر به محلاتهم، هذا حالهم كل يوم طمعا في "اقتناص" زبون ميسور لشراء منتوجات أكثر. لكن، الملفت للانتباه هو أنك تجد هؤلاء الباعة على علاقة إما ب"فقيه" أو "مشعوذة" الشيء الذي يدفع إلى التساؤل عن الطريقة التي يتواصل بها الطرفان، وكيف يكون هذا البائع (ة) وسيطا بين الفقيه والزبون؟. "حنان"..من بائعة للوازم الحمام التقليدي إلى وسيطة ل"مشعوذة" "نون بريس" ولتضع القارئ أمام الصورة، اقتحمت عالم هؤلاء الباعة في محاولة للكشف عن كواليس هذه الوساطة والكيفية التي يتم من خلالها استدراج الزبون إلى قراءة "الطالع" أو "هز الخط"، وذلك بعد تقمص صحفيتين لدور زبونتين تبحثان عن علاج ل"التوكال" وجلب "القبول" فاختاراتا من الأسماء "خديجة" و"مريم". في بادئ الأمر ولكي لا تحوم الشكوك حولنا، قصدنا سيدة تمتهن بيع لوازم الحمام المغربي التقليدي من أجل شراء أحد المنتجات، غير أن طريقة حديث السيدة التي تبدو من ملامحها أنها في الأربعينات من عمرها سهلت علينا الأمر وكأنها تعرف قصدنا بعد ترددنا في طرح السؤال بشكل مباشر. "شنو خاصكم البنات، غي قربوا، قولو متحشموش" بهذه الطريقة خاطبتنا السيدة، وهو ما أكد لنا أن المعنية بالأمر ستكون على علم بمكان "فقيه"أو "مشعوذة" ما سيفتح الباب للإجابة عن أسئلتنا. "حنان" هو اسم السيدة التي كانت ترتدي جلبابا قديما وتنتعل "صندالة" وتغطي رأسها بغطاء قصير يظهر منه شعرها، فيما كانت طريقة حديثها وملامح وجهها تؤكدان على أنها تعرف الشيء الكثير عن عالم السحر والشعوذة. بدون أن نتكبد عناء طرح الأسئلة، شرعت "حنان" في التحدث عن قدرات "مشعوذة" اسمها "شيماء" وكيف أنها في سن العشرينات أصبح لها زبائن من مختلف الجنسيات وبخاصة من الإماراتوتونس وكذا السعودية وأن عندها "بركة" لفك أي شيء حسب زعمها. بعد أخذ ورد في الكلام وبعدما اشتكت "مريم" أنها تشك في كونها "موكلة" وأن أموالها صُرفت على مختلف الأطباء وتبحث عن "فقيه" من شأنه علاجها، بادرت "حنان" إلى الحديث عن حالتها وكيف أنه تم إنقاذها من موت محقق بفضل ما أسمته ب"بركة" هذا الفقيه الذي يتواجد مقره بحي شريفة بالبيضاء، مصرة على ذهاب "مريم" إليه ومنحه 100درهم في البداية و5 دراهم كل يوم عند بدء العلاج،علما أن مدة العلاج قد تطول إلى15 يوما أو أكثر، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد أصرت السيدة على ضرورة ذهاب "خديجة" لدى إحدى السيدات اللواتي يمتهن الشعوذة بالسوق المذكور؛ لقراءة "الخط" أو ما يعرف ب"الطالع" وهي "أمينة" أم "شيماء" بعدما تعذر على الأخيرة المجيء لأنها انتقلت إلى أحد فنادق المدينة لتلبي طلبات زبائنها القادمين من تونس. طريقة حديث "حنان" عن "شيماء" يؤكد أنهما تعملان معا وتتقاضى عمولة ذلك، خاصة وأنها ترددت في أخذنا لدى أم الفتاة بحجة أن "شيماء" "عندها ما تقول وكتشوف أي حاجة وتقولها ليك في البلاصة" تجدد "حنان" التأكيد على الأمر. وفي الطريق نحو محل"المشعوذة" الذي يتواجد على مسافة ليست بالبعيدة عن محل"حنان" التقت الأخيرة بزبونة من موريتانيا حلت عندها لقضاء غرض ما، فأخبرتها بضرورة انتظارها ريثما توصلنا إلى وجهتنا، وفي طريقها لم تتوانى الوسيطة في الحديث عن مهاراتها في صنع وصفات لزيادة الوزن وتبييض الجسم وكذا "جلب العريس"، مشيرة إلى أن سعر قراءة "الطالع" هو 50 درهم بالنسبة للمغاربة و 100 درهم بالنسبة للأجانب. و عند مرورنا من أمام محل المشعوذة لا حظنا وجود عدد من المحلات التي تجمع "الشوفات" تحت ستار "النقش بالحناء"،حيث لا يكتشف الزبون حقيقة هذه المحلات إلا عند دخوله إليها و التمعن في كل الأدوات التي تتواجد بها؛ من "لعبة الورق" و "الشموع بألوان متتعددة" و "الحناء" وغيرها من اللوازم التي تستعمل في السحر و الشعوذة. مبالغ ضخمة و طلبات غريبة لقضاء الحاجة وما إن دخلنا للمحل حتى طلبت منا "أمينة" الجلوس على الأريكة بجانبها و شرعت بالترحاب بنا و سؤالنا قائلة: "شكون بغات تهز الطالع" فأجابتها "حنان" التي لم تغادر المكان بعد "هما الإثنتين" معا، و بعدها غادرت المكان بعد أن طلبت منها الاهتمام بنا و طلبت منا العودة إليها قبل مغادرتنا ل"زنقة العراكات"،شرعنا في التعرف على المشعوذة "أمينة" التي يبدو كل من شفتيها و وجهها أزرقا اللون من كثرة تدخينها للسجائر و الحشيش لمساعدتها على التركيز و قراءة "الطالع" بحسب زعمها. وبعدها سألتنا من يبدأ أولا، فقررنا أن نبدأ بقراءة الطالع ل"خديجة" فقالت لها وهي تدخن سيجارة من الحشيش "ديري النية أولا" و قسمت "لعبة الورق" إلى 3 و طلبت منها أن تقول "أقلبي، أتخمامي، أباش ياتيني الله" و شرعت في قراءة الورق موهمة إيانا أن "خديجة" "تخطت سحرا" من أمام بيت العائلة، الأمر الذي تسبب في "نحسها" وتأخر زواجها إلى عمر 28 سنة، عندها بدأت في سرد قصة لفتاة في عمر 62 سنة لم يسبق لها أن تزوجت و أضافت قائلة "التيسير جا بين يدي، ربي سهل عليها بسبابي"،و تابعت "عند معرفتي بها عبرت لي عن رغبتها في الارتباط و الاستقرار، ولم يكن يهمها المبلغ إذ كانت تدفع لي ابتداء من 10000 درهم، وأضافت مبتسمة بنوع من الانتصار و السعادة "ربي سهل عليها بأمير سعودي ما كانتش تحلم بيه، و دابا غادي تمشي معاه للسعودية باش تستقر معاه تما". وبعدها نصحت "خديجة"، بتجنب ارتداء اللون الأسود، زاعمة أنها مملوكة من أحد ملوك الجن السبعة وتحديدا "ميمون الأسود"*، وذلك بسبب السحر الذي تخطته في وقت سابق الشيء الذي أثر عليها بشكل مباشر، و نصحتنا بالعودة إليها في وقت لاحق بعد أن تدبر مبلغ 5000 درهم مرفوقا ب21″ حبة اللدون" و بخور لإزالة ما يسمى ب"الثقاف" و "شمع مرسول"،وصورة لها و لأمها و "غطاء رأس أسود" من أجل تيسير الأمور و التخلص من "ميمون لكحل" بعد أن طلبت منها ترك "بركة" لا تقل عن 50 درهماً. و ما أن أكدت على "خديجة" بالرجوع في أسرع وقت لأن الأمر لا يحتمل التأجيل موصية إيانا بضرورة العودة يوم الخميس من أجل إتمام المراد و قضاء الحاجة،حتى بدأت "مريم " في الحديث عن معاناتها مع "التوكال"،غير أن "أمينة" طلبت منها الصمت مدعية أنها ستعلم كل شيء عند إطلاعها على الورق، و كما العادة طلبت من مريم قول "أقلبي، أتخمامي، أباش ياتيني الله"و بعد قراءة الطالع أخبرتها أنها نجت من الموت بأعجوبة بعد "توكال" وضع لها من قبل أحد أفراد عائلتها و من إحدى صديقاتها،وأوصتها بأخذ الحيطة و الحذر في الأيام القادمة. وأضافت قائلة أنها مملوكة من أحد ملوك الجن و الذي يدعى ب"البوهالي"* أو "بودربالة" و بأن ذلك قد يتسبب لها في "النحس" و أخبرتها أن الفرج قريب و ما عليها إلا اتباع نصائحها و إحضار مبلغ 4000 درهم مرفوقا ب21 حبة "اللدون" و "الفاسوخ" و "الزيزوار" و "شمع القبول"، وصورة لها و لأمها و"غطاء رأس أسود" من أجل تيسير الأمور و التخلص من "البوهالي" بعد أن طلبت منها هي الأخرى ترك "بركة" لا تقل عن 50 درهماً. بعد الانتهاء من عملية قراءة "الطالع" عدنا أدراجنا من نفس الطريق لنلتقي ب"حنان" التي ما أن رأتنا حتى ابتسمت وأخبرت "خديجة" أن فمها أصبح أحمرا ووجهها أشرق وكأنها تريد ترسيخ مفهوم أن لتلك "المشعوذة" بركاتها، لكن سرعان ما أكدت أنه بإمكانها فعل مجموعة من الأعمال وأنها هي الأخرى لها بركاتها، غير أنه بعد سماعها بالمبلغ الذي حددته "أمينة" حتى أظهرت انزعاجها وكأنها تريد إظهار استعطافها معنا خاصة بعدما أخبرناها أننا لا نتوفر حاليا على أي عمل وليس لنا مبلغ 9000 درهم الذي طالبت به "المشعوذة". بعد إصرارنا على أنه لا نستطيع توفير المبلغ المذكور، بادرت "حنان" بالتأكيد أنه بإمكانها التوسط لنا عند "شيماء" ووالدتها وأن تخفض المبلغ إلى 1000 درهم للواحدة بمعنى 2000 درهم من أصل 9000 درهم، موهمة إيانا أنها رأفت لحالنا، موصية في الوقت ذاته "مريم" بزيارة "الفقيه" لإزالة "التوكال"، فيما أخبرت "خديجة" بأنه عليها إذابة "اللدون" تحتها ل"فسخ التقاف" وفق تعبيرها، مشتطرة علينا العودة في يوم آخر لتقوم بالعملية وهو نفس اليوم الذي يتوجب فيه إحضار المبلغ لفك "تقاف خديجة" من طرف "شيماء" التي تقوم بأعمال سحر و شعوذة لزبائن من المغرب و خارجه مقابل مبالغ قد تتراوح ما بين 10000 درهم و 30000 درهم حسب نوعية الطلب. ***************************************** من يكون "ميمون الأسود" و "بودربالة"؟ يستعين السحرة وممتهني الشعوذة ب"ملوك الجن" في هذا العالم الخفي، حيث يلعب الجن دورا أساسيا في هذه المعتقدات والممارسات السحرية بالمغرب، إذ شيدت لبعضهم أضرحة وسادات يَتَبَرَّكُ منها الناس و تقام بها طقوس "الحضرة"، كما يلجأ بعض السحرة إلى إعداد طلاسم سحرية عبر طقوس خاصة تُستخدم فيها أشياء غريبة ومكونات عجيبة، لطرد ما يسمونه ب"العكس" و "الثقاف" و" فك السحر" بجميع أنواعه و "التابعة" و "العين" و "الحسد" و "التوكال" وغيرها من "الأمراض الروحانية" على حد قولهم. وتعرف "ملوك الجن السبعة" بطقوسها التي تختلف من واحد إلى آخر حيث تتميز " الملوك السوداء الميامنة"، والتي تعرف بعشقها للون الأسود وحبها للهدوء و النار والدخان" و"القهوة" وأفضل الأيام لحضورهم هو السبت والأحد، ومنهم؛ "البواب صاحب الباب" و"الحاجة ميمونة" و"ميمون الغمامي" و"ميمون لكحل" و"ميمون السحابي". أما "الجن الأحمر" وهو كل من "الباشا حمو"، وتختلف أسماؤه من " حمودة" إلى "مول الجنوي" و يتميز هذا النوع من الجن بعشقه للون الأحمر و "الجاوي الأحمر"، كما يعرف بحبه للدم وكل أنواع العنف، فيما يتميز "الجن الأزرق" أو ما يعرف بالغواصين أو سيدي موسى، بحبه للون الأزرق و مياه البحر و الجاوي الأبيض. "البوهالي" أو "بودربالة" وهو ما يعرف بالجن الأخضر، يتميز بلباسه الممزق والمزركش بألوان عديدة يطغى عليها اللون الأخضر و يشبهه البعض بالمتشرد أو "بودربالة" نسبة لهيئته غير المرتبة. "لالة مليكة" أوما يعرف ب"مليكة الهواوية" و يتميز هذا النوع من الجن بأناقته وحبه للحناء والعطور والحلي واللباس والفحم، إضافة إلى حبها للون البنفسجي و الشكلاطة و الحلويات، أما البخور المميز لهذا النوع من الجن فهو المسكة الحرة والعود القماري. "شمهروش" والذي يتميز بعشقه للون الأبيض وروحانيته، ويعتبر قاضي القضاة بمحكمة الجن، ويقصده الناس من حدب وصوب من أجل الفصل بين الجن والإنس في القضايا الروحانية، أما بالنسبة للبخور الذي يفضله فهو؛ العود الحر غالي الثمن. "لالة ميرة"، فتتميز بأناقتها وعشقها للون الأصفر، وحبها للحلي و الأشياء الثمينة، أما البخور المميز لها فهو ما يعرف ب" صرغينة". "عيشة" ويطلق عليها مجموعة من الأسماء من بينها؛"الميمة" أو "البحرية" أو "الضغوغية" أو "السودانية" أو "الحمدوشية"، وتختلف تسمياتها حسب المناطق، ويتميز هذا النوع من الجن بعشقه للون الأسود و الأماكن المظلمة، و تعرف بحبها للحناء و إقامتها في الوديان و الأنهار والبحار،أما البخور المميز لها فهو"الحرمل" و "الجاوي الأبيض". ************************************* يبقى عالم السحر والشعوذة أحد العوالم الغامضة التي لا يمكن الكشف عن جميع الخفايا المحيطة بها، وهو العالم الذي يكثر فيه النصب والاحتيال بشكل ملفت، بحيث يستغل ممتهنو هذه الأعمال جهل وسذاجة الزبائن الذين فقدوا الأمل في الحصول على أشياء يرغبون فيها أو تحقيق أحلام باتت شبه مستحيلة من عمل أو زواج أو إنجاب أو جلب للمال والحظ، وطرد "النحس" و"التابعة" من حياتهم، مما يجعلهم لقمة طرية بين أنياب السحرة والمشعوذين في هذا العالم الخفي.