تشهد الساحة الإعلامية منافسة شرسة بين الأقطاب الإعلامية الكبرى من جهة ،وقنوات ناطقة بإسم الحكومات والتكتلات من جهة أخرى وقد نتج عن هذا التطاحن ” الربيع العربي ” الذي ألقى بضلاله على الشعوب المفقرة عبر عقود من الزمان. نتيجة لذلك تذوقت بعض المنابر الإعلامية شيئا محدودا من الحرية ، ففي الوقت الذي وجهت قناة” الجزيرة ” كل معداتها اللوجيستيكية والبشرية نحو تونس التي إنطلقت منها شرارة الثورة وواكبت الحدث حتى إسقاط عرش بن علي، تصدت لها القنوات الرسمية بأكاديبه معتبرة مايقع في بلدها الأم مجرد سحابة عابرة ناتجة عن” البطالة ” لكن سرعان ما تدحرجت كرة النار لملعب آل مبارك الذي أعلنها قبضة من حديد لمايزيد عن ثلاثة عقود محكما كل الأبواب التي قد يدخل منها نسيم الحرية فوجه مملكته الإعلامية ضد الداخل والخارج تحت رواية هدوء في القاهرة وشرم الشيخ العاصمة الثانية' لإسرائيل ‘. مرة أخرى “الجزيرة “كانت العدو اللذود لحسني مبارك حتى سقط صنمه بين ليلة وضحاها في الوقت الذي ترقص قنواته على أن ‘ أم الدنيا ‘ تتعرض لبلطجة داخلية وخارجية ، فأكسبت قناة “الرأي والرأي الأخر” لنفسها قلوب ملايين المصريين .أما قناة ‘ العربية ‘ فقد كان موقفها ثارة إلى جانب الشعب المصري وثارة أخرى إلى جانب مبارك نظرا” لتضارب المصالح”، الذي لطالما كان العنوان الأبرز لجل المحطات التاريخية في كل مجال فتغيرت رسالة الصحافة التي كان من واجبها نقل الصورة وما وراءها بكل حياد ضحية المصالح والنفعيات. فلعل ثورة الشعب السوري التي حطمت الرقم القياسي في الإنغلاق الإعلامي شاهدة على ذلك فعلى سبيل المثال قناة ” المنار” الدرع الإعلامي “لحزب الله ” اللبناني لم تصدق بعد أن حليفها في مآزق يرسم خطة الخروج منها بدماء أبناء شعبه الأعزل لاغير، إن هذه الأخيرة تنضاف بدورها إلى قنوات دولة “الممانعة ” بأكاديبها حول مايجري داخل سورية وإعتبار ذلك عبارة عن جماعات مسلحة تخريبية مدفوعة من الخارج ،في مقابل ذلك فلا يخفى على المتتبع لقناة ” المنار” أنها الوحيدة التي يتنفس منها الشعب البحريني ،الثائر من الداخل والقابع تحت حصار إعلامي وعسكري دفعت إليه السعودية جحافل من قواتها لإجهاض ” ثورة البحرينيين ” من قلب الخليج العربي بحيث أن مجرد الإختلاف الديني يبيح سفك الدماء ،ويصل تعداد الشيعة مايقارب 60 في المائة من مجموع السكان في هده الدولة ،من زاوية أخرى لازالت كل من العربية والقناة القطرية تغض البصر عن ثورة الشعب البحريني . أما في الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الإشتراكية العظمى (سابقا) فالقذافي وضع نفسه في مقام خليفة الله في الأرض ضانا منه أن كرسي السلطة بديله ‘الفناء' فحول قنواته إلى ناطقة بإسمه كقناة “الهداية ” و'الجماهيرية' مستعينا بخبيره صاحب خدعة ” تحويل الصورة لتكديب العالم ” موسى إبراهيم .إن الإعلام العربي مازال في وضعية محتشمة لا يحسد عليها بسبب تضارب النفعيات، فوجهت المنابر ضد الشعوب رغم أنها تمتص من جيوبه ملايين الدولارات لإرضاء الحكام ولتبرير سياسويتهم الهشة . رغم وجود قنوات لها ثآثير مباشر على الإنسان العربي كقناة ” الجزيرة ” إلا أنها لم ترقى بعد في نظر العديد من السياسيين والمثقفين إلى مستوى الإعلام الحر والنزيه .فمتى سيشاهد إعلام محايد ومهني ينقل مايرى بدل إعلام ناطق باسم السلطة المهيمنة؟ .