من الغريب أن نحس بالوحدة وسط الديار وفي وطننا نشعر بالهوان لأن الأحباب هجرونا وما باتت لنا أحلام جميلة نصطفها على خط الأفق مع المغيب لنبتهج بمدى نجاحها ولنبكي على فقدانها مع كل دمعة عين تذرفها جفون مخملية اختلط فيها الكحل بالدمع الحزين. عندما كنت صغيرة كنت أحب الناس جميعا وأقتدي بكل الكبار الدين يقال عنهم أنهم أهل الصلاح والحكمة قبل أن يصير لدي موقف من كل الواقفين على منابر القنوات التافهة و الخاطبين باسمي وباسم مواطني هذه المملكة اليائسة. فهل السنوات هي التي جعلتني أكره تكريس أخطاء الماضي ورفض الواقع المرير الذي أصبحت فيه معايير التميز تكمن في بذلة و زجاجة عطر و مفتاح سيارة وهاتف محمول. فالخطأ ليس في أولئك المتملقين الذين كوموا ثروات على حساب جهل أمة كاملة ولا في أولئك الذين رمت بهم شواطئ الشمال بعد أن رمى بهم استبداد المتسلطين الذين عرقلوا سير الحياة الطبيعي بموطني حتى أصبح الضوء الأخضر لا يسمح إلا بمرورهم و الأحمر دائما مشتعل يقتل فينا الحنين. عن أحزاني أتحدث و نسيت أن لكل منا قصة و لكل منا أحزان لكننا نصمت، نسكت لأن الزمن خذلنا وضيع منا أجمل سنواتنا لكن الغريب أن قصصنا ليست كلميس و يحيى أو نور و مهند ذات نهايات جميلة كتلك الأفلام التافهة التي أصبحت أفيونا للمدمنين عليها يحلمون بالفردوس و الحب الجميل. أتذكر أنني يوما من غبائي حلمت بالشمس المشرقة و الماء الزلال و بقوس قزح فوق المروج الجميلة وأنا أغني مع البلابل حالمة بغد أفضل كالحلم الذي عشت فيه. لكن مع الوقت تعلمت أن سر الحياة يكمن في معالمها الصارخة التي لم تتبدل رغم الأيام التي اجتثث من حجارتها و حيطانها الكثير وأقبرت مشيديها و غيبت أسماء من ابتدعوها اللهم إن مازال لهم حفدة يقيمون المواسم و يعلون الأعلام و يستغلون الإعلام فقد تذكر و تخلد بعض الأسماء التي أحيانا عدة أتساءل هل كانت بالفعل تستحق كل هدا التمجيد. تعلمت من الحياة أن الشك أهم ما فيها و ديكارت كان على حق , كما لاحظت أن التاريخ يعيد نفسه و ابن خلدون لم يكذب في مقولته لأن آلاف السيناريوهات تعيد نفسها لكن بسياق جديد و الناس لا تعي و لا تحقق . كما لطالما أحببت بعض الكتاب المعارضين دائما لأنهم يعارضون كل شيء لا يناسبهم و حتى أنفسهم يعارضون و كأنهم جبلوا على هده الخصلة و الغريب أنهم لا يغيرون و لا يصلحون و لكننا نستحملهم رغم ثقل دمائهم. أحيانا أقول أنني لم أعد أتحمل سلبيتي ولا سلبية المواطنين فدا يغازل طفلة تمر مع والدتها. و ذاك يجر امرأة من ذراعها ليرغمها على الحديث معه رجل هرم يغتصب طفلا في ربيعه الخامس ابنة تحمل طفلا من والدها أم تروج المخدرات مع ولدها الشاب رجال الأمن يغازلون الفتيات أثناء نوبات العمل أساتذة يكتبون رسائل غرام لتلميذاتهم .......وما خفي كان أعظم. أيمكن أن نعيش في كيان كله حلول ترقيعية لوضعية مزرية وأجيال تضيع و نحن نشاهد و لا نحرك ساكنا، فنحن شاهد سلبي عل هدا العصر و مع كل يوم تزيد هده السلبية كلما رأينا أثمنة المواد الاستهلاكية تناطح السماء و نقتنيها ببرود غير منددين بتلك الزيادات الصاروخية التي جعلت المتسولين يملئون الشوارع و المؤسسات البنكية تستنزف المواطنين البسطاء. كيف يمكن للحياة أن تستمر والجيوب فارغة و الرؤوس مطأطأ والمبادئ تندثر مع أول فرصة للترقية أو لمنصب وظيفي. مع كل هده التناقضات التي أصبحت تشل حركتي أفترض أحيانا أنني صرت هرمة لا ترغب في الدنيا وكل ما تتمناه لحظات جميلة لكي تحسن آخرتها وتبقى ذكريات تندي النفس السقيمة و تلطف جو الحياة المليء بالروائح الكريهة التي صارت ضريبة التمدن و التحضر و الطفرة العمرانية التي خنقت فينا أحاسيس الزمن الجميل . والآن مابين الشهيق والزفير صرنا نحس بغصة من الحنين للكلمات العذبة و الأمان الذي افتقدناه على مر السنين و لولا هده الكلمات التي نقتسم فيها الأمل الضائع بالحلم المنشود لصارت الحياة أضيق مما هي عليه. ولكم جميل أن نكتب ....ونحس بأننا مازلنا أحياء و لو في ورقة ننتقل بها إلى العالم الجميل فنحس بلذة عارمة تشحن فينا الرغبة بمواصلة العيش بالواقع على أمل تغييره يوما ما.