وليد كبير: نظام العسكر غاضب على ولد الغزواني بعدما رفض الانخراط في مخطط لعزل المغرب عن دول الجوار    مجلس الأمن.. بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    ألمانيا.. توجيه اتهامات بالقتل للمشتبه به في هجوم سوق عيد الميلاد    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة        مقاييس الأمطار بالمغرب في 24 ساعة    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    رشاوى الكفاءة المهنية تدفع التنسيق النقابي الخماسي بجماعة الرباط إلى المطالبة بفتح تحقيق    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    العرائش: الأمين العام لحزب الاستقلال في زيارة عزاء لبيت "العتابي" عضو المجلس الوطني للحزب    سويسرا تعتمد استراتيجية جديدة لإفريقيا على قاعدة تعزيز الأمن والديمقراطية    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    هجوم ماغدبورغ.. دوافع غامضة لمنفذ العملية بين معاداة الإسلام والاستياء من سياسات الهجرة الألمانية    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود جلالة الملك من أجل الاستقرار الإقليمي    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع        دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أصوات من نور صدحت بالقرآن الكريم
نشر في التجديد يوم 01 - 09 - 2002

الشيخ أبو العينين شعيشع هو قارىء مسجد السيدة زينب رضي الله عنها، ونقيب قرّاء جمهورية مصر العربية، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية، وعميد المعهد الدولي لتحفيظ القرآن الكريم، ويشغل غيرها من المناصب العليا. وقد اختير الشيخ شعيشع من ضمن أجمل عشر أصوات في مصر. وقال عنه الدكتور غريب جمعة عضو رابطة الأدب الإسلامي بمصر في حلقة خاصة بالشيخ على قناة الفضائية المصرية الثقافية يوم الجمعة الماضي إنه أمير القراء في هذا الزمان.
مولود غير مرغوب فيه
رحل الوالد كما توقع قبل أن يطمئن على مستقبل أبنائه، وتركهم صغارا في مراحل مختلفة تحتاج إلى ولي أمر يتولى المسئولية كاملة. وهكذا كان هذا الطفل غير المرغوب في إنجابه من الوالد والوالدة ، العائل لهذه الأسرة مع أنه أصغرهم ، وكما يقولون آخر العنقود . كانت الوالدة تحاول أن تتخلص من الجنين ولكن كيف يكون لها هذا وقد كتب الله لهذا الجنين أن يكون أمنا وطمأنينة للأسرة كلها وبرداً وسلاماً على قلب أمه التي وجدت نفسها فجأة تربي اثني عشر يتيماً. يقول الشيخ أبوالعينين شعيشع : ( كانت ولادتي غير مرغوب فيها لأنني كنت الابن رقم 12 ، ووالدتي كانت تفعل المستحيل للتخلص مني ولكني تشبثت بها حتى وضعتني .. وذلك لحكمة يعلمها الله حيث كنت فيما بعد مسئولاً وسبباً في إطعام كل هذه الأفواه في ذلك الحين ( .
في الكتاب
التحق فضيلته بالكتاب ( ببيلا ) وهو في سن السادسة وحفظ القرآن قبل سن العاشرة . ألحقته والدته بالمدرسة الابتدائية لكي يحصل على شهادة كبقية المتعلمين من أبناء القرية. ولكن الموهبة تغلبت على رغبة الوالدة ، كان الشيخ أبوالعينين يخرج من المدرسة ويحمل المصحف إلى الكتّاب ، ولكنه كان حريصا على متابعة مشاهير القراء فكان يقلدهم. ساعده على ذلك جمال صوته وقوته ورقة قلبه ومشاعره ، وحبه الجارف لكتاب الله وكلماته. فشجعه ذلك وساعده على القراءة بالمدرسة أمام المدرسين والتلاميذ كل صباح ، وخاصة في المناسبات الدينية والرسمية التي يحضرها ضيوف أو مسئولون من مديرية التربية والتعليم فنال إعجاب واحترام كل من يستمع إليه. وكان ناظر المدرسة أول الفخورين به ، وبنبوغه القرآني ، ولاحظ الناظر أن هذا الطفل يعتز بنفسه كثيراً ويتصرف وكأنه رجل كبير، ولا تظهر عليه ميول اللهو واللعب والمزاح كغيره من أبناء جيله، فأشار على والدته بأن تذهب به إلى أحد علماء القراءات والتجويد لعل ذلك يأتي بالخير والنعمة التي يتمناها كل أب لأبنه وكل أم لأبنها.
دموع الفرحة
وفي عام 1936 دخل الشيخ أبو العينين دائرة الضوء والشهرة من أوسع أبوابه عندما أرسل إليه من قبل مدير مديرية الدقهلية أي المحافظ يدعون لافتتاح حفل ذكرى الشهداء بمدينة المنصورة وذلك عن طريق أحد كبار الموظفين من (بيلا ) والذي قال لمدير مديرية الدقهلية آنذاك : فيه ولد عندنا في (بيلا ) يضارع كبار القراء وفلته من فلتات الزمن وبيلبس بدلة وطربوش ومفيش بعده كده حلاوة. وذهب إلى المنصورة . وكانت المفاجأة التي لم أتوقعها في حياتي وجدت أكثر من 4 آلاف نفس في مكان الاحتفال فقلت : معقول أقرأ أمام هذا الجمع ؟ ! كان سني وقتها 14 سنة وخفت وزاد من هيبتي للموقف أنني رأيت التلاميذ في مثل سني يتغامزون ويتلامزون لأنني في نظرهم ما زلت طفلاً فكيف أستطيع أن أقرأ وهو حفل لتكريم الشهداء . وقرأت الافتتاح والختام وفوجئت بعد الختام بالطلبة يلتفون حولي يحملونني على الأعناق يقدمون لي عبارات الثناء . فلم أستطع السيطرة على دموعي التي تدفقت قطرة دمع للفرحة تدفعها أخرى لأن والدي مات ولم يرني في مثل هذا الموقف، وتوالت الدموع دمعة الحزن تدفع دمعة الفرح وهكذا حتى جف الدمع لكي أبدأ رحلة على طريق الأمل والكفاح الشريف متسلحاً بسيف
الحياء والرجاء آملاً في كرم الكريم الذي لا يرد من لجأ إليه .
نقطة التحول
هذا الموقف كان نقطة تحول في حياة طفل الرابعة عشرة ونقله من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضوج والمسئولية الكبرى التي من خلالها سيواجه عمالقة كان يطير فرحاً عندما يستمع إليهم في السهرات والآن أوشك أن يكون واحداً منهم لأنه اصبح حديث الناس. وبعدها حدثت حالة وفاة تهم أحد أبناء بلدته بيلا، وكان المتوفى هو الشيخ الخضري شيخ الجامع الأزهر آنذاك. فأشار أحد علماء بيلا على الشيخ أن يذهب معه إلى القاهرة ليقرأ في هذا العزاء الذي أقيم بحدائق القبة . وجاء دوره وقرأ وكان موفقاً فازدحم السرادق بالمارة في الشوارع المؤدية إلى الميدان وتساءل الجميع من صاحب هذا الصوت الجميل ؟ ! وبعد أكثر من ساعة صدّق الشيخ أبوالعينين ليجد نفسه وسط جبل بشري تكوّم أمامه لرؤيته ومصافحته إعجاباً بتلاوته. وبعد هدوء عاصفة الحب جاءه شيخ جليل وقبّله وهو الشيخ عبدالله عفيفي رحمه الله وقال له: لا بد أن تتقدم للإذاعة لأنك لا تقل عن قرائها، بل سيكون لك مستقبل عظيم بإذن الله . وكان الشيخ عبدالله عفيفي وقتها إماماً بالقصر الملكي وله علاقات طيبة بالمسئولين .
التحاقه بالإذاعة
يقول الشيخ أبوالعينين شعيشع : ولما طلب مني المرحوم الشيخ عبدالله عفيفي أن اذهب معه إلى مدير الإذاعة لم أتردد احتراما لرغبته لأننا أيامها لم يحدث أننا حرصنا على الالتحاق بالإذاعة ، لأن القارىء زمان كان نجماَ بجمهوره ومستمعيه وحسن أدائه وقوة شخصيته وجمال صوته. وكنا مشغولين بشيء واحد وهو كيف يقرأ الواحد منا بجوار زميله ويستطيع أن يؤدي بقوة لمدة طويلة قد تصل إلى أكثر من ساعتين متواصلتين من غير أن يدخل الملل في نفس المستمع ، لأننا كنا نحترم المستمع والجمهور، كما لو أننا نقرأ أمام الكعبة أو بالروضة الشريفة وكان القارىء منا عندما يستمع إلى أصحاب الفضيلة بالراديو أمثال الشيخ رفعت والشيخ الصيفي والشيخ علي محمود والشعشاعي، كان يسعد سعادة لا حدود لها، ويحلم بأن يكون مثلهم وعلى قدر التزامهم بأحكام وفن التلاوة. وكان هذا هو الهدف وقابلت الشيخ عفيفي رحمه الله بمكتب سعيد باشا لطفي مدير الإذاعة وحدد لي موعداً للاختبار. وجئت حسب الموعد ودخلت الاستوديو وكانت اللجنة مكونة من المرحوم الشيخ مأمون الشناوي والمرحوم الشيخ المغربي والشيخ إبراهيم مصطفى عميد دار العلوم وقتها، والشيخ أحمد شربت والإذاعي الكبير
الأستاذ علي خليل والأستاذ مصطفى رضا عميد معهد الموسيقى آنذاك. وكنا أكثر من قارىء وكانت اللجنة تجعل لكل قارىء خمس دقائق وفوجئت بأنني قرأت لأكثر من نصف ساعة دون إعطائي إشارة لأختم التلاوة. فكنت أنظر إلى وجوههم لأرى التعبيرات عليها لأطمئن نفسي . وكان للإذاعة مديران مدير إنجليزي والآخر مصري. ورأيت علامات الإعجاب على وجه المدير الإنجليزي مستر فرجسون الذي جاء ليسمعني بناء على رغبة أحد المعجبين بتلاوتي من المسئولين . وبعد عدة أيام جاءني خطاب اعتمادي قارئاً بالإذاعة وموعد أول قراءة لي على الهواء. وكنا نقرأ ونؤذن على الهواء. وبدأت شهرتي تعم الأقطار العربية والأجنبية عن طريق الإذاعة التي التحقت بها عام 1939م. وتحقق ما كنت أتمناه والحلم الذي يراودني نائماً ويقظاناً منذ أن كنت طفلاً في الكتاب. ومن المفارقات العجيبة أنني كنت زميلاً للمرحوم الدكتور عبدالرحمن النجار وكيل وزارة الأوقاف السابق وكان يتمنى أن يكون عالماً ونحن في الكتاب، وكنت أتمنى أن أكون قارئاً بالإذاعة لي نفس شهرة المرحوم الشيخ رفعت والمرحوم الشيخ الشعشاعي رحمهما الله .
إذاعة الشرق الأدنى
يقول الشيخ أبوالعينين شعيشع: بعد التحاقي بالإذاعة تدفقت علي الدعوات من الدول العربية الإسلامية ، لإحياء ليالي شهر رمضان بها ووجهت لي دعوة من فلسطين ، لأكون قارائاً بإذاعة الشرق الأدنى ، والتي كان مقرها ( يافا) وذلك لمدة 6 شهور والإتفاق كان عن طريق المدير الإنجليزي للإذاعة المصرية. وسافرنا عام 1940م وبدأت القراءة كل يوم أفتتح إذاعة الشرق الأدنى وأختتم إرسالها بتلاوة القرآن وأنتقل كل يوم جمعة من ( يافا) إلى القدس لأتلو السورة ( قرآن الجمعة) بالمسجد الأقصى . ولأنني كنت صغيراً ( 19 سنة) كنت مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بأسرتي نظراً لحبي لأمي وإخوتي حباً لا يوصف وحبهم لي كذلك ، لأنني كنت العائل لهم بعد رحيل والدي رحمه الله ، ولذلك لم أحتمل الغربة أكثر من شهر وفكرت في العودة إلى الوطن الغالي الذي به أغلى ما في الوجود خ أمي وإخوتي خ. ولكن وثيقة السفر مع المسئولين عن الإذاعة بفلسطين فاستأذنت من رئيس الإذاعة في أن أسافر إلى القاهرة لأرى أهلي فوعدني أكثر من مرة ولم يوف بوعده فحزنت حزناً شديداً. وكان لي صديق من يافا اسمه يوسف بك باميه فقال لي سوف أتدخل لأساعدك على السفر وصدق في وعده وأحضر لي الوثيقة
ومعها تذكرة قطار من محطة اللد إلى القاهرة. ولم يشعر أحداً بهذا. ووصلت إلى القاهرة وكنا مقيمين بشقة بحي العباسية ودخلت على والدتي والأسرة وجلست بين أحضان الحبايب وفتحت الراديو على إذاعة الشرق الأدنى فسمعت المفاجأة المذيع يقول أيها السادة بعد لحظات سنستمع إلى الشيخ أبو العينين شعيشع وما تيسر من القرآن الكريم . قالها المذيع أكثر من مرة. وبعدها قال لعل المانع خير. ثم قال المذيع ربما يكون قد حدث للشيخ حادث تسبب في تأخره. كل هذا يحدث وأنا أضحك. ولكن قلبي يدق وعقلي يفكر بصورة سريعة جداً، لأنها مسئولية وتعقد بيني وبين إذاعة الشرق الأدنى. ولكن بعد أسبوع طرق الباب طارق ففتحنا له وكانت المفاجأة أن الطارق هو المدير الإنجليزي لإذاعة الشرق الأدنى وجلس الرجل وقال لي معاتباً : أنت سافرت بدون إذننا فجأة خوفاً من عدم موافقتنا لك على العودة إلى القاهرة لترى أهلك ؟ قلت له : نعم قال: لا إننا لم ولن نحرم رجلاً مثلك من الاطمئنان على إخوته ووالدته خوفاً من عقاب الله لأنك تحفظ القرآن وتتلوه. وبدبلوماسية قال لي مدير إذاعة الشرق الأدنى : يا شيخ ممكن نأكل عندكم (ملوخية) ؟ قلت له ممكن طبعاً. وطبخت والدتي الملوخية
وأكلنا أنا والرجل الذي أراد أن يجعل شيئاً من الود بيني وبينه. وهذا ما كان يقصده من الغذاء البسيط معي في بيتنا. وبعدها رجعت إلى فلسطين بصحبة المدير الإنجليزي لإذاعة الشرق الأدنى وأكملت مدة العقد هناك.
إحياء مأتم الملكة (عاليا) بالعراق
يقول الشيخ أبوالعينين شعيشع : ثم جاءتني دعوة عاجلة من السفير العراقي بالقاهرة لإحياء مأتم الملكة (عاليا) ملكة العراق بناء على رغبة من القصر الملكي الذي أرسل إلى السفارة بطلب القارىء الشيخ أبوالعينين شعيشع والقارىء الشيخ مصطفى إسماعيل فوافقت. وبحثت عن الشيخ مصطفى كثيراً فلم أجده . والوقت لا يسمح بالتأخير فاتصلت بالسفير العراقي وأخبرته بصعوبة الحصول على الشيخ مصطفى اليوم، فقال السفير اختر قارئاً من القراء الكبار معك، فاخترت المرحوم الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي وعلى الرغم من أن العلاقة كانت مقطوعة بيننا وبينهم لكن السيد فؤاد سراج الدين وزير الداخلية آنذاك سهل لنا الإجراءات وأنهينا إجراءات السفر بسرعة ووصلنا مطار بغداد وإذا بمفاجأة لم تنوقعها .. استقبال رسمي لنا بالمطار كاستقبال المعزين من الملوك والرؤساء ولكن المفاجأة أصبحت مفاجأتين قالوا: وين الشيخ مصطفى ؟ وين الشيخ مصطفى ؟ فقلت لهم: إنه غير موجود بالقاهرة ولم نعرف مكانه. والوقت كان ضيقا فأحضرت معي فضيلة الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي وهو أستاذنا ومن مشاهير قراء مصر وشيخ القراء وفوجئت بأن وجه الشيخ عبدالفتاح تغير تماماً وظهرت عليه علامات الغضب
لأنه كان يعتز بنفسه جداً وقال: لو كنت قلت لي ونحن بالقاهرة إنني لست مطلوبا بالاسم من القصر ما كنت وافقت أبدا ولكنني الآن سأعود إلى القاهرة. كل هذا في مطار بغداد.
وأصر الشيخ عبدالفتاح على العودة إلى مصر وبمساعدة المسئولين العراقيين، استطعنا أن نثني الشيخ الشعشاعي عن قراره الصعب. وخرجنا من المطار وسط جمهور محتشد لاستقبالنا لا حصر له. ونزلنا بأكبر فنادق بغداد واسترحنا بعض الوقت وتوجهنا بعد ذلك إلى القصر الملكي حيث العزاء. وكانت الليلة الأولى على مستوى الملوك والرؤساء والأمراء. والثانية على مستوى كبار رجال الدولة والضيوف. والثالثة على المستوى الشعبي. ووفقنا في الليلة الأولى ولكن أثر الموقف مازال عالقاً بكيان الشيخ الشعشاعي فلما رجعنا إلى مقر الإقامة بالفندق قال لي الشيخ عبدالفتاح أنا انتظرت الليلة علشان خاطرك وباكراً سأتجه إلى القاهرة، فحاولت أن أقنعه ولكنه كان مصراً إصراراً لم أره على أحد من قبل فقلت له نم يا شيخنا وفي الصباح تسافر أو كما تحب. وقضيت الليل في التفكير كيف أثني الشيخ الشعشاعي عن قراره. وجاءتني فكرة وذهبت إليه في الجناح المقيم به بالفندق وقلت له: هل يرضيك أن يقال عنك إنك ذهبت إلى العراق لإحياء مأتم الملكة ورجعت لأنك لم توفق في القراءة وإنك لم تعجب العراقيين ؟ فسكت لحظات ونظر إلي وربت على كتفي بحنان الأبوة وسماحة أهل القرآن وقال لي:
يا (أبوالعينين) كيف يصدر هذا التفكير منك رغم حداثة سنك وأنا أكبرك سناً ولم أفكر مثل تفكيرك ؟ !! ووافق على البقاء لاستكمال العزاء ومدة الدعوة التي كان مقررا لها سبعة أيام. وقرأ في المساء قراءة وكأنه في الجنة وتجلى عليه ربنا وكان موفقاً توفيقاً لا حدود له. وعاد إلى الفندق في حالة نفسية ممتازة وفي نهاية الأسبوع حصلنا على وسام الرافدين وبعض الهدايا التذ كارية وودعنا المسئولون بالبلاط الملكي العراقي كما استقبلونا رسميا وعدنا بسلامة الله إلى مصرنا الغالية.
أوسمة وشهادات
لم يكن هذا الوسام هو الأول ولا الأخير في حياة الشيخ أبوالعينين ولكنه حصل على عدة أوسمة ونياشين وشهادات تقدير وهدايا متنوعة الشكل والحجم والخامة والمضمون وكلها تحمل معاني الإعتزاز والتقدير والاعتراف بقدر هذا الرجل وتاريخه الحافل. يقول الشيخ أبوالعينين (.. حصلت على وسام الرافدين من العراق ووسام الأرز من لبنان ووسام الاستحقاق من سوريا وفلسطين وأوسمة من تركيا والصومال وباكستان والإمارات وبعض الدول الإسلامية .. ووسام لا يقدر ثمنه وهو أعظم الأوسمة وسام الحب من كل الناس الذي يتطلعون إلى منحة تكريم من السيد الرئيس محمد حسني مبارك لهذا القارىء التاريخ بإصدار قرار بأن يظل الشيخ أبوالعينين شعيشع نقيباً لمحفظي وقراء القرآن الكريم مدى حياته وكذلك إطلاق اسمه على أحد الشوارع بالقاهرة وكفر الشيخ مسقط رأسه .
إعداد حسن صابر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.