كثرت همومي وحملت الرحال لعلني أغير حياتي... علٌني أجتث هذا الألم من ضلوعي وأنسى الأسى والوحدة والفشل والملامة، لكن الهرب لم يكن قط من شيم الكرماء و الشرفاء و المثابرين مثلي. رحلت وارتحلت وسافرت وبكل البلاد حللت فما نسيت حضنها، ولا جفت دمعة بكيتها على فقدانها. كنت أتناسى وبسكون الليل أعود للعذاب تسكنني الهواجس وتتقاسم الفراش معي الآلام والدموع الساكنة بالأحداق. أنا الهاربة أنا الهاربة من الوحدة التي رمتني بين أحضانها و فلت من بين جدران بيتنا الجميل لتسكن البرزخ و تتركني للعذاب. موعودة أنا بالوحدة على مدى أيامي المتوجسة خيفة من أن أفقد كل المقربين فصرت أبتعد عن الجميع لأنني وملاك الموت حل في نفس المكان والزمان. أنا الهاربة من سطوة الأقدار التي جعلتني رحالة من مكان لمكان ومن زمان لزمان حسبي صور تؤنس وحدتي ولحظات مسروقة من القدر ترسم معالم عوالمي الموحشة ... أنا الهاربة أنا الوحيدة التي تنادي ملئ السماء أباها وأمها وأصحابها وأحبابها وتستأصل الألم من الحيطان التي تبكي لآلامها الدفينة والتي تجر خيط العذاب من بغداد السقيمة وتنشر الهم على طول الكون فلا الألم ينتهي، ولا الأحلام تطرق بابي المقلق منذ سنين. أنا الهاربة و من غيري يناجي صور أحبائه كل ليلة ويرسم أخاديد على الوجنتين، وتبقى الحياة عندي مفترق و ألم و إحساس بدون رحمة يعتصر الشوق المتبقي في وجداني من لحظات مرت منذ آلاف السنين. حبيبتى تركتني و ما بعد حبها إلا الرحمة التي يتصل بها الدعاء لمن استل روحها ليمتعها بجناته الفسيحة. إنها الحضن الذي نبكيه بدون انقطاع و نشكو له بعد الله و نلجأ له عندما تغلق الأبواب لنبحث عن الهدوء والحكمة في اتخاذ القرار.. ولمن أشكوا بعد فراقك ولمن أحن عندما أسافر سواك . اشتقت لك يا أمي و الله اشتقت إليك... أمي.