بعدما كانت المخدرات في السابق حكرا على الرجال، أضحت في الآونة الأخيرة “موضة” لدى النساء، وانضافت إلى حاجيات الجنس اللطيف إلى جانب “الماكياج”. هذه الظاهرة التى استفحلت بكثرة وبسرعة فائقة، أصبحت تهدد كل النساء دون استثناء من أمهات وطالبات وعاملات، ومن خلال هذا التحقيق نحاول أن ندق ناقوس الخطر ونسلط الضوء على موضوع لا نثيره في إعلامنا ومجتمعنا إلا في مناسبات قليلة، ربما احتقارا أو تغاضيا عنه أو ربما جهلا منا بحجم المشكل وأبعاده وسرعة انتشاره…. بين واقع مظلم أليم ومستقبل لا يبدو زاهرا للعيان، في المدن كما في القرى … في المقاهي و المدارس وٍالجامعات … تتربع نساء وفتيات على عرش الإدمان والمخدرات، تنشدن المتعة واللذة والبهجة، في زمن اليقين، أن المخدرات تكلف البشرية من الأرواح ما تفقده أثناء الحروب المدمرة، فضلا عن أنها تتسبب في مشاكل نفسية وجسمية واجتماعية واقتصادية للمدمنين، فالمخدرات تتنوع وهي على عدة أشكال فمنها ما يأكل أو يشرب أو يشم و منها ما يحقن أو يدخن مع السجائر، لكن هذا الأخير يضل سيدها في المجتمع المغربي، لسهولة الحصول على الأصناف التي يتم حرقها مع السجائر أو في النرجيلة (الشيشة) والتي أصبحت تنتشر بين صفوف النساء، لكن السؤال الذي يفرض نفسه لماذا هذا التهافت بقوة على المخدرات؟
لمحة في الأسباب عند بحثنا في هذه الظاهرة أكدت لنا مجموعة من الفتيات أن الهاجس الذي دفعهن إلى عالم المخدرات كان في البداية هو التقليد والصحبة السيئة أو رفاق السوء، وكذلك الفضول في تجربة أشياء غير مألوفة والرغبة في اكتشاف عالم يبدو لهم غريبا، إضافة إلى الفراغ والاعتقاد بأن المخدرات تزيل الشعور بالقلق والاكتئاب والملل، كل ذلك تماشيا مع القاعدة التي تقول ” كل ممنوع مرغوب”. وتظل مجموعة من الأسئلة مطروحة و معلقة فما موقف الأسرة من إدمان بناتهن؟ ما دور المؤسسات التعليمية؟ . شهادات وفاء ثمانية عشر سنة تدرس في الصف الثالث ثانوي، من عائلة ميسورة، لكن مليئة بالمشاكل والشجار الذي لا حد له، لم تستحمل النزاعات المتكررة لوالديها فقررت أخد سيجارة لتنسى الهموم، وكانت تدخنها في خفاء، وتتسلل إلى حمام المنزل وحمام المدرسة الى أن أصبحت مدمنة، ولم تعد السيجارة تكفيها فقامت بشرب الشيشة، فاعتقدت أنها ستخفف من المشاكل النفسية التي تعيشها، إلى أن أصبحت مدمنة على تعاطي المخدرات بشكل كبير، أما عن الحالة الصحية فإنها تعاني من سعال شديد في أحيان كثيرة. الطالبة الجامعية والإدمان ليلى اسم مستعار، لم تكن طريقها شائكة مثل زميلاتها في التدخين، بل بمعاشرتها لبعض الصديقات، واحتكاكها اليومي بهن، وعدم تواجد عائلتها بقربها، ما شجعها على الحرية التامة في كل شئ، فدخنت السيجارة حتى أدمنت، وبذهابها لبعض الملاهي الليلية، تطورت من إنسانة مدخنة الى مدمنة على تعاطي الكحول وبعض المخدرات. بحت عن عمل من اجل شراء سيجارة امل وليلى ونادية اسماء مستعارة، قبل أن يكن طالبات جمعتهن الصداقة في مدينتهن، جاءت فرصة نجاحنهم في الباكلوريا لينتقلن لمدينة اكادير قاصدين أن يكترين بيتا يجمع معرفتهن القبلية لتطمئن كذالك عائلاتهن عنهن، في تلك المدينة الواسعة يقال بأن أغلب الفتيات في البادئ تقصدن الجامعة سرعان ما يتحول البحث عن العلم الى أشياء لا يحمد عقباها، فقمن بجلسة خاصة لهذا الموضوع لكي لا يقعن في هذه الورطة، لكن أبدت الظروف أن تتحول الى مجرى التدخين. مع توالي الأيام عاشرن صديقات أخريات وجدناهن يدخن فاغتنمنا الفرصة في تشجيعهن على تدخين أول سيجارة لتبدأ حكايتهن مع هذا العالم، وانقطعن عن الدراسة لأسباب مادية ليبحثن عن عمل من أجل كسب نقود، يشترين بها سجائر. مريم هي الأخرى طالبة جامعية، تدرس في السنة الثانية بجامعة ابن زهر حكايتها مع السيجارة بدأت بعد معاشرتها لصديق بنفس الجامعة، وسكنها بإحدى الشقق مع عاملات بأحد الفنادق الليلية، و وجدت ان التدخين شئ عادي وأنه يخفف من وجع الرأس وينسي الهموم. لمحة البحث والتحليل خلال البحث في هذا الموضوع وجدنا أن مجموعة من المقاهي المنتشرة هنا وهناك تساعد بشكل مباشر في سهولة التزود بهذا السم و ترويجه، إلى جانب الشبكات المنظمة والمنتشرة داخل المؤسسات التعليمية وفي الطرقات وأمام أبواب المعامل، المجال أصبح على درجة كبيرة من التعقيد، يزيده غموضا وتشابكا الإهمال واللامبالاة التي يعاني منها هؤلاء من طرف رجال القانون والمسؤولين المفترضين كالآباء والمربون ورجال التعليم، وسنجد أن المسؤولية تبقى مشتركة بين الأسرة والمدرسة والمجتمع. ويجب أن نتحمل المسؤولية لكوننا سببا غير مباشر في انتشار هذه الآفة وكثرة ضحاياها في مجتمع نطمح جميعا في ازدهاره و تقدمه، وبين هذا وذاك، اتضح أن المخدرات والإدمان في صفوف النساء ما هي إلا الجزء الظاهر من جبل الجليد، وما خفي كان أعظم، فالإدمان يمر من مراحل تزيد سوء مع التعاطي لهذا السم حتى يصل الى مرحلة يصبح المخدر جزءا من المدمن وللحصول على الجرعة التي تفرض نفسها تولد مجموعة من الآفات الأخرى كالفساد و الجريمة والتشرد، و تكون النتيجة تراكم الأضرار الصحية، الخلقية، الاقتصادية، الاجتماعية والنفسية… أمام استفحال الظاهرة و انتشارها وجدنا أن كل الطرق تؤدي إلى الإدمان، وللمدمنات طقوس في تدخين المخدرات، سرا داخل المراحيض، وعلنا في الملاهي والمقاهي و دور الشيشة. قصصهم تختلف من واحدة لأخرى، لكن النهاية و المصير واحد، حيث تتبخر أحلامهن مع الدخان، و تقايضن الحاضر و المستقبل مقابل نشوة زائفة قد تكون قاتلة، لكن أغلبهن يسعين الى تغيير الواقع حتى بعد أن سلبت منهن الإرادة وغابت عنهن العزيمة. وتناستهم أيادي الجمعيات وعيون السلطة التي تربط الظاهرة بالرجل فقط. فماذا نحتاج كي يعلم مجتمعنا أن النساء نصفه فعلا ويصيبه تماما ما يصيب الرجل؟ وهل المدمنة مذنبة تستحق العقاب أم مريضة في حاجة الى علاج؟ وما حجم الخسائر التي يتكبدها مجتمعنا من إدمان الفتيات؟ أسئلة و غيرها كثيرة. ولن نحيطها في مجرد سطور، و يبقى القوس مفتوحا للبحث و التحقيق و الاستطلاع، لأن الظاهرة لها أبعاد نفسية مرضية ودينية عقائدية واجتماعية و تربوية و قانونية، لابد من ملامستها، من كل هذه الجهات انطلاقا من الأم و الأخت والزوجة والمربية… إلى المدمنة. أراء مختلفة حول الظاهرة سيدي عمر الكنتاوي، مدون و كاتب صحفي: تعتبر ظاهرة التدخين عند الفتيات ظاهر ملفتة لانتباه وتأشر بحق لخطر كبير يهدد النسيج الاجتماعي لما يمثله العنصر النسوي من دور كبير داخل المجتمع، وأظن أن هذه الظاهرة تفشت بشكل كبير بسبب عدة عوامل، أولها الثقافة التي أصبحت تسود بين صفوف الشباب، والتي تشجع على كسر كل الحواجز والتمرد على كل ما يمكن أن يعتبر من وجهة نظرة هؤلاء الشباب العادات المحافظة، بالإضافة إلى دور الكبير لرفقة السوء التي تشجع على تجربة كل ما هو ممنوع والسعي إلى تجربة كل اشكال اللذة والمتعة، ولم تسلم حتى المؤسسات التعليمية من هذه الظاهرة ، والتي التي كان من المفروض أن تكون هي المحضن التربوي، والحصن الذي يساهم في حماية الأطفال والشباب من كل أشكال الإنحرافات، واعتبر أن للاسرة وجمعيات المجتمع المدني دور كبير في العمل على حماية شباب المجتمع بصفة عامة والفتيات بصفة خاصة، ولا أنسى دور الإعلام الذي يجب يضطلع بدور كبير في توعية المجتمع بأخطار وتداعيات هذه الظاهرة، لأن تدخين الفتاة لن يقتصر ضرره عليها فقط، بل سوف يتعداه إلى أسرتها ، ثم إلى أبنائها بعد الزواج، ويمتدد هذا التأثير يعم كل المجتمع، من هنا يكمن الخطر. د. عبد الستار رجب – أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية: تعبّر ظاهرة التدخين لدى الفتيات عن موقف نفسي واجتماعي ومن هذا الموقع للنظر لا يستحسن بالمعنى السوسيولوجي أن نتناولها بأحكام قيمية. إنّ التدخين لدى هذه الشريحة الاجتماعية يختلف باختلاف مسارات بناء تجارب التدخين الفردية والجماعية منها. وبيّنت الدراسات الاجتماعية أنّ فئة يحكم سلوكها في التدخين التقليد لشخصيات بالنسبة إليها هي اعتبارية، وفئة أخرى يدفع بها إلى هذا السلوك سياقات من التفاعل مع الآخر الشبيه أو المختلف بغاية إثبات الذات. إنّ السنّ التي يحدث للفتاة فيها أن تدخّن السيجارة الأولى له دلالة من ناحية صيغ الوعي بهذه التجربة وادراكها بالمعنى النفسي والمعرفي والانفعالي. إنّ تفهم الفتيات ومحاولة معرفة الدوافع المختلفة التي تجعلهن يدخنّ يهيّئ لنا أن نتجاوز المدخل الصحي لمعالجة الظاهرة الذي لا اختلاف في أهميته. ولعل في هذا الصدد يكون التدخل الاجتماعي الذي يراعي القيام بنوع من المرافقة والذي تشترك فيه مؤسسات متعددة فرصة لتحقيق إحاطة نفسية اجتماعية مندمجة. الأستاذ محمد فوفاح من الناحية النفسية: إن تعاطي التدخين لدى الإناث ينم عن مركب نقص تشعر به الفتاة المدخنة، يتمظهر هذا الشعور في الإقدام على سلوكات، ربما قد تكون شادة تحاول من خلالها النفور من أنوثتها ومحاولة تقمص دور الرجل ألذكوري.لدى بعض الفتيات، اثر تجربة شخصية مذمرة، تقدم الفتاة على التدخين كسلوك يعاقب به ذاتها فتحس أنها تطفئ نارا فوارة بداخلها، ظانة أنها تنسي همومها مع وعيها الكامل بأنها تقدم الانتحار الباطئ، كما لاننسى الرفقة السوء، فالمدخنة في حرب مع الزمن لا يشفي غليلها إلا بنشر ذاك الذاء الذي ينخر جسدها، فتسعى إلى تحقيق الاعتزاز بنفسها داخل مجتمع يرتاح ويفتخر بنفسها كلما ازداد عدد المدخنات بنفسها. الإعلامي والاستاذ السوري أحمد طقش: الصاحب ساحب، ومن جالس جانس، وهكذا نحن لا نجد من تدخن منفردة وإنما بسبب من مخالطتها لمدخنات، لكننا لا نلقي بالأئمة على الصحبة السيئة فقط، بل هذه مشكلة كريستالية متعددة الأوجه، عندما لاتستطيع الفتاة إحراق أخيها الظالم أو زوجها المسيء، فإنها تتوجه إلى إحراق لفافة التبغ، فإذا أردنا تقليم أظافر هذه المشكلة علينا أن ندعم العدالة الاجتماعية باتجاه سن قوانين تجرم الإساءة للمرأة.