كما كان منتظرا، لم يجد اليمين الفرنسي، في معمعان معركة الانتخابات الجهوية، أوراقا كثيرة رابحة لاستمالة الناخبين، وانتزاع بعض جهات البلاد من خصومه الاشتراكيين. فبالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية، التي مازالت مؤشراتها تتداعى، عبر اتساع مدى البطالة، ليصل إلى 2.7 مليون عاطل، وعبر تواتر إغلاق كبريات الوحدات الصناعية... وضع إعصار الثامن والعشرين من الشهر الماضي فرنسا في مصاف دول العالم الثالث، العاجزة عن تدبير سواحلها. وكما كان منتظرا، كذلك، التجأ اليمين المذكور إلى نفض الغبار عن الأوراق العتيقة، المتمثلة في الهجرة والإسلام. وعندما لجأ رئيس الجمهورية، وحزبه، وحلفاؤه، ووسائل الإعلام الموالية له، إلى استخدام تلك الأوراق، دفع، من حيث لا يحتسب، اليمين المتطرف في بلاده، ممثلا، على الخصوص، بالجبهة الوطنية، إلى المزايدة عليه، على حساب المهاجرين والمسلمين، رغم أن الكثير من هؤلاء الأخيرين يحملون الجنسية الفرنسية. وفي سياق تلك المزايدة، طلعت شبيبة الجبهة الوطنية في جنوب البلاد بملصق، يحمل شعار "لا للإسلاموية"، ويتضمن صورة امرأة مجللة بالسواد من أم رأسها إلى أخمص القدمين، وخارطة لفرنسا القارية، يغطيها العلم الوطني الجزائري، بلونيه ونجمته، وهلاله، تنتصب فوقها سبع مآذن، اتخذت شكل صواريخ. ولأن الانتهاك كان صارخا لمشاعر ومعتقدات الكثير من المسلمين، تحركت هيئة مدنية لا علاقة لها بالدين الإسلامي، هي العصبة الدولية لمناهضة العنصرية واللاسامية، والتجأت إلى القضاء، من أجل وضع حد للانتهاك المذكور. لكن القضاء الفرنسي، في مرحلته الابتدائية، لم يتجرأ على الوقوف في وجه التيار العارم، المتمسك، تمسك الغريق، بفزاعة الهجرة والإسلام، فبادر إلى رفض الدعوى، وحمل الهيئة المدنية المدعية مصاريف تلك الدعوى. ولم يقف أمر اليمين الفرنسي المتطرف عند الإساءة إلى مشاعر ومعتقدات الملايين من المسلمين الفرنسيين، أو المقيمين في فرنسا، بل ضبط متلبسا بالسرقة الموصوفة. وشهد الجميع على سطوه على الملصق، الذي استخدمه اليمين المتطرف السويسري في حملة الاستفتاء على المآذن في الخريف الأخير، بامرأته المسربلة بالسواد، ومآذنه السبع، التي تحولت إلى صواريخ. وأمام هذا الانحطاط، الذي وصل إليه اليمين الفرنسي المتطرف، لم يتردد شقيقه السويسري في استنكار ما فعل، وفي التبرؤ من بعض توجهاته المعادية للسامية. ووصل الأمر بالوكالة المنتجة للملصق السويسري إلى تأكيد حقها في النضال "بكل الوسائل ضد هؤلاء الذين يسطون" على أفكارها. والواضح أن الانحطاط المذكور لا يدل على قوة ودينامية مستعادة من طرف اليمين الفرنسي المتطرف، بقدر ما يدل على التراجع المتواصل. وستكون نتائج الانتخابات الجهوية، التي يجري دورها الأول في الرابع عشر، ودورها الثاني في الحادي والعشرين من الشهر الجاري، محطة للوقوف على مدى هذا التراجع.