(أملولي ناش ذاميمون أرحاج أينض) هذه برقية صغيرة أرسلها إلي المخرج أكسل بمناسبة يوم ميلادي قبل أسبوعين . بعدما شكرته على هذه العبارة الجميلة أرسل إلى جائزة رمزية رائعة لم أكن أنتظرها بالرغم من أنني كنت أتمنى من قبل أن تتاح لي الفرصة لأتوصل بها . الانسان ، القناع والوحش لا شيء أقذر من أن يطاردك الماضي ... أن تواجه شبحا يسكنك ويملي عليك أشياء تعيها وأخرى فوق وعيك . أوقعني المخرج أكسل في دومة ضغط هائل ومخيف ... ما اشتغلت الأدرينالين في جسدي كما اشتغلت وأنا أشاهد اجتياح الأشخاص بشبح الماضي ... لم يكن هناك أي مجال لطرح الأسئلة لان الاحداث ما فتئت تلد كل مرة . قرأت للفيلم أكثر من نهاية قبل أن ينتهي لانه كانت له أيضا أكثر من بداية . فقد مات تسلسل الزمن نهائيا وأصبحت كمشاهد أدور في حلقة مفرغة من محتواها الزمني . كما لم أعاين أي إطار يحدد مسار الفيلم لان الفيلم ينتقل من مشهد إلى مشهد دون تسلسل في الاحداث. لان الاحداث ابتكرت في هذا الفيلم لكي لا تتسلسل . سبق لي وأن كتبت عن أسوسم إنقان لنفس المخرج وقد لامست فيه إيحاءات قادتني إلى عالم ستيفان كينغ . لكن في هذا الفيلم ضاعت مني البوصلة . حاولت أن أصنف شيئا من هذا الفيلم إلا أنني كلما اقتربت من ذلك إلا وانتهي الفيلم أو بدأ . الفضاء المكدس : اختار المخرج فيلا فاخرة لأحداث فلمه ، لكن بمجرد ما يبدأ الفيلم الا واندثر هذا الفضاء الجميل بمعماره وأناقته ليتحول إلى دهليز غامض ومخيف تحيط به متاهات ضيعة أقبرت في صمت مخيف . فالأضواء الكاشفة حولت الفضاء الى غرفة استنطاق مرعبة . لقد حول المخرج فضاء التصوير إلى فضاء تكدس فيه الخوف والظلام والدم . ذكرني بفيلم جيمس وان " المنشار" إلا أن الأخير يقتات على دم الضحايا " والوحوش" يقتات على أعصابهم . كلما ضاق فضاء التصوير ، كلما ضاق التنفس لدى المشاهد . يبدو أن المخرج اختار تعذيب المشاهد أيضا لتصبح المعاناة زادا داخل الفيلم وخارجه . فضاء الاحداث حول الممثلين والمشاهد إلى جناة وضحايا في نفس الوقت . اجتهاد وجيه قام به المخرج أكسل في عمله هذا ليكسر الروتين وينوع المشهد السينمائي الريفي . السيناريو : ما يتابع سيناريو المتوحشون لغويا يكتشف أن كتابته أخذت الكثير من الوقت والمراحل بل وربما تعرض لتنقيح والتمحيص مرارا ، وهذا ليس غريب عني أنا شخصيا لان أكسل معروف بصعوبة اقتناعه بالأشياء حتى وإن كانت من صلبه . سيناريو الوحوش فيه جمال كبير وأناقة تعابير وكلمات رائعة . فيه ما يمكن تسميته في الادب العربي بمساحيق بيانية وبديعية رائعة . بناية اللغة في سيناريو الوحوش جعلت منه فريد من نوعه . أنت كمشاهد تستمتع بالسيناريو وليس تسمعه فقط . سيناريو الوحوش كتب للاستمتاع بالكلمة وليس لإيصال الرسالة فقط . هناك جمال رائع في سيناريو الوحوش بالرغم من ان الفيلم قد قتل الجمال في الزمان والمكان والممثلين . في فيلم الوحوش يتحول الوحش إلى بيكاسو يستعمل السكين عوض الفرشاة ودم الضحية صباغة له ليرسم لوحة مخيلته المعبرة على عمق الجرح الدفين الذي يطارده من ماضيه ... تعابير رائعة في تركيب جميل للموت في فضاء وأحداث الفيلم . الصورة : يمكن أن نشك في كل الفيلم إن شئنا لكن قد يصعب علينا أو يتعذر علينا نهائيا الشك في صورة الوحوش لان مخرج الفيلم مولع بالصورة طبعا أتذكره وهو أول من استعمل الدرونغ أن طائرة صغيرة تحمل الكاميرا للتصوير من الفضاء في فيلمه الأول أسوسم إنقن . فبالرغم من أن تلك الطائرة كتب لها أن تباع في الدارالبيضاء لمن كان يريد اقتناءها إلا أن المخرج أكسل عاد من جديد وبطائرة أخرى ليصور بها البعض من لقطات خارجية لفيلمه . كما اختار المخرج التصوير عن قرب لينقل لنا مشاهد حية وكأننا معه على بلاطو التصوير... تقنية الاقتراب من الممثل تنقل الصورة بأدق تفاصيلها وقد سبق وأن شاهدنا جمالها في أفلام سيرجيو ليوني والبعض من أفلامه لرعاة البقر . بل وحتى فضاء التصوير لم يسمح للمخرج التصوير عن بعد . ففي هذه الحالة سوف يضعف صدق الصورة لو فعل ذلك . من جهة أخرى علينا كمشاهدين للفيلم الانحناء لطاقم التصوير والصوت فجودة الصورة كانت في منتهى الروعة والدقة والجمال . التمثيل : قد لا يقنعك التمثيل في بداية الفيلم . المخرج يوهمنا في تلك اللحظة على أن الاحداث لن تجرى على أكثر من نحو كنا ننتظره . إلا ان الاحداث تنقلب رأسا على عقب بمجرد ضهور ثلاثي الرعب . فيبدو لك وللوهلة الأولى أن العالم انقسم إلى جزئين . جزء يحكمه الأشرار وجزء آخر يحكمه أخطر من الأشرار . فالأمر لا يتعلق بلصوص جاؤوا للسرقة . لان بطء الاحداث حول الرعب إلى هيستيريا سريالية اختلطت فبها البراءة بالجريمة . أبتعد الممثلون عن بعضهم البعض الى درجة توحي إليك أن كل ممثل يمثل في فيلمه الخاص به وعن انفراد . فبغض النظر عن اللغة فاستعانة المخرج بممثلين أفذاذ مثل علاء البشريوي وعبد الواحد الزاوكي وكمال مخلوفي " بوزيان " والمخضرم الكبير فاروق أزنابط والسيدة المصلحي وضع الفيلم في كفة ميزان ثقيلة وأعطى لنا فسيفساء مزركشة عالية التصميم والدقة . ذوبان الممثلين في فضاء الفيلم المظلم اقتنص المشاهد وأعجزه عن الحركة . إنها محاكمة شاملة للشر المنبعث من كل ركن من أركان الفيلم . غير أن الشر المرحلي يموت في الأخير واختار المخرج أن يطيل في عمر الشر الازلي . وربما كان ذلك لغرض يعرفه المخرج نفسه كونه كاتب السيناريو أيضا .أو رسالة وإنذار للمشاهد من شر لا يموت . لا أوزع المجاملات المجانية لكن أجد نفسي مضطرا أمام هذا الفيلم أن أعبر عن إعجابي الكبير بأداء هذه الثلة من الممثلين . فقد أبانوا عن جدارة أنهم قادرون وبحكم تجربتهم على أداء متميز في مضمار التمثل . يعتبر أكسل من المخرجين الذين اجتهدوا كثيرا في تطوير الفن السابع بالريف . وأنا فخور به وبشجاعته في هذا الميدان . أكسل له هدف يريد تحقيقه وبتشجيعاتنا و سيصل حتما إلى هذا الهدف والذي هو أيضا هدفنا جميعا نحن الريفيون والذي هو تطوير السمعي والبصري الريفي وإيصاله إلى العالمية والمحافل الدولية . أكسل يستحق التنويه والتشجيع والشكر على هذه التحفة . وأعترف أنه راوغني وأنا أعتقد أن العصابة ثلاثة مجرمين وفي الأخير اكتشفت أن العصابة شخص واحد وهو ليس بمجرم بقدر ما هو ضحية والباقي أفكار فقط في مخيلة الصورة المتحركة . في الأخير اود أن أنادي صناع الفن في الريف أننا نملك كل المؤهلات لصنع الجمال في الكتابة والصورة والصون ... نملك التجربة والرؤية والتاريخ ولا ينقصنا إلا الاتحاد ومساعدة بعضنا البعض والابتعاد عن أدوات الهدم والتفرقة . بالتحام صناع السينما سنجني جمالا فنيا رائعا !!! تحياتي للمخرج أكسل وكل من شارك في هذا الفيلم الجميل . وعلى المعنيين بالأمر السماح للمشاهد بمشاهدة هذا الفيلم لأنني أتحدث عن إنتاج لم يشاهده إلا نخبة قليلة . يحب البحث عن شركات تسهر على توزيع مثل هذا الإنتاج ليصل إلى المشاهد . نحن كريفيين نفتقر إلى ذلك مع الأسف . لا يمكن للمخرج أن يسهر على أنتاج فيلم والبحث عن قنوات التسويق والعرض في المهرجانات المحلية والدولية . في هذه الحالة نجد أن المنتجين والمخرجين في الريف يقومون بهذه الاعمال أنفسهم مع الأسف وهذا يحتاج إلى مجهود كبير وتواصل مستمر مع تلك الشركات . حبذا لو ظهرت شركة تقوم بالتسويق فقط ليرتاح المخرج من هذا العناء ويركز على الإنتاج والابداع . من يدري سيرسل لي أكسل في نوفمبر القادم هدية جديدة مثل هذه ! شكرا أكسل !!! أزول