لاشك أن وجع الهجرة الذي قاد أكسل فوزي إلى منفاه الاختياري آنذاك – مدريد- مبتعدا عن مجتمع يتخبط في مختلف المتناقضات الاجتماعية والدينية والسياسية والاخلاقية ، هي نفسها التي أسرت أكسل من منفاه وأعادته إلى مسقط رأسه لمواجهة هذه الآفات الخطيرة . فبما أن أكسل فوزي ليس بشرطي ، ولا إمام ولا ساحر ، فقد إختار طريقته لمواجهة هذه الافات . أكسل- المخرج والمبدع – إختار الصورة والصوت والحركة كمادة لاعلان موقفه من هذه الافات التي تنخر المجتمع . وكعادته فهو لم يقدم أي حل للافات التي تناولها في ثلاثيته ، بل ولم يقدم ولو وجهة نظره في هذه الافات . فإذا أمعنا النظر في هذه الثلاثية سنجد أن أكسل قد أعدم المسافة بين ثلاثيته ونحن كمشاهدين لها . فقد قرر أكسل أن يذهب إلى ما هو ابعد من ثلاثيته . فإقصاء المسافة تلك جعل أحداث ثلاثيته تدور في كيان كل واحد منا . فلا مكان ولا زمان في الثلاثية بقدر ما هو استهلاك للوجود الذي يحركنا . هذه الافات لا توجد في ثلاثية أكسل بل توجد فينا نحن أهل البلد .فأكسل وفي حقيقة الامر وضع في أعماقنا آلة تصويره ليصورنا من الداخل . هذا الداخل الزاخر بالمتناقضات .هذا الداخل المتدفق بكثير من الشر وقليل من الخير . هذا الداخل الفقير الانسانية والغني بالانانية القذرة التي جعلت الضمير يضاجع إمرأة ضريرة ولو عبر الخيال ، وجعلت نفس الضمير يقهر ماسح أحذية دفعته كرامته وكبرياءه لقضاء يوم كامل لاهثا ورء تحقيق ولو ذرة صغيرة من نبل الانسان على الارض . ثلاثية أكسل وفي نظري أنا كانت متكاملة إلى درجة لا يمكن فصلها عن بعضها البعض . فتشابك الضرف الزمني في الثلاثية يعكس تشابك الخير والشر فس عمق الانسان كما أن تشابك المكان في الثلاثية يعكس ايضا تجدر بعض القيم القذرة في الانسان الذي يسكن هذه الارض . فعلا هناك من سيقول أنه كان على أكسل أن يتناول ما هو أجمل في المجتمع لان هناك قيما وأشياء جميلة في مجتمعنا ، غير أن أكسل وفر هذا الجمال ربما لمناسبة أخرى وربما وجد نفسه مضطرا أولا لاقتلاع الاورام الخبيثة من المجتمع لان هذه الاورام سوف تأتي على ما تبقى من جمالنا الاجتماعي إن لم نقتلعه . من خلال هذه الثلاثية يبدو أن أكسل قد عزف على لعب دور مزارع الورود وقرر لعب دور مناد للمجتع من أجل جمع الازبال القذرة التي تتراكم في أعماقنا وخيالنا ولا نراها إلا في غيرنا كما يبدو جليا في جزء من ثلاثيته . فحتى لون الثلاثية الذي اختاره أكسل لباسا لثلاثيته يبدو شاحبا يعبر على مدى البؤس الاخلاقي الذي يعيشه المجتمع ومن يسكنه منا ! فقد جند خيرة الممثلين لترجمة هذا النداء العاجل . فأمعطوك رشيد وأوفرين مصطفى ، وبنعيسى مستيري وسعيد المرسي وسيفاكس وغيرهم شكلوا حتما أعمدة شامخة وقف عليها المخرج أكسل صارخا ومناديا في صمت رهيب " كفانا من الاستهتار بجمال أخلاقنا وجمال جمالنا " أكسل يطالب باقتلاع الامراض الخبيثة من الناضور وبصريح العبارة يطالب بإعادة الوجه الحقيقي للناضور !! لما سألته عن عن دوافعه لانجاز هذه الثلاثية أكد لي المبدع والخرج أكسل أن العنف في تصرفاتنا أصبح عاديا وطبيعيا في مجتمعنا لاننا نمارسه جميعا .وحين يمارس المجتمع فعلا معينا فمع مرور الزمن يصبح عاديا . قال لي المبدع أكسل أن الهدف من الثلاثية هو وضع أنفسنا أمام الامر الواقع أمام الحقيقة العارية دون مساحيق ولا مراهم . قد يبدو مضمون الثلاثية قويا وعنيفا نفسيا وجسديا لكنني لم أضف شيئا من تلقاء نفسي بل العكس فقد خففت من حدة الوضع لان الواقع المعاش أكثر ضراوة وبؤسا مما نقلت إلى المشاهد . وقد حصرت الثلاثية في ثلاثة طرق لايصال الرسالة إلى الناس فالجزء الاول مبني على لغة الصمت لمخاطبة الضمير والجزء الثاني مبني على لغة الحوار لمخاطبة الآذان الصماء والجزء الثالث مبني لى الركض والحركة لمخاطبة البصر والبصيرة . أعتبرها تجربة رائعة لتقديم الاشياء ، واعتبر أعمال أكسل لبنة قوية لمستقبل الابداع السمعي والبصري بالريف الكبير . أضيف أنا شخصيا هذه الثلاثية الرائعة إلى خزينتنا السمعية والبصرية الريفية وأتمنى لاكسل فوزي كل التوفيق والنجاح في مسيرته الفنية والابداعية . أيووووز