ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوعي الحداثي والبعد الشعري في رواية «طريق الغرام » لربيعة ريحان


تمهيد / ملاحظات أولية
بعد تجربة طويلة في كتابة القصة القصيرة نشرت خلالها سبع مجموعات قصصية ( 1)، تنتقل ربيعة ريحان إلى تجريب الشكل الروائي في رواية « طريق الغرام « (2) ببناء فني ودلالي خاص جعلها تنفتح على أبعاد وعوالم متعددة . فرغم كونها ذات أحداث وفضاءات و شخصيات فاعلة محدودة ..فإنها تطرح أسئلة كبرى وتعالج قضايا وظواهر اجتماعية ، نفسية وحضارية كبيرة .
وقد وظفت الكاتبة في تجسيد هذه القضايا إلى جانب تقنيتي السرد والوصف ، اللتين تهيمنان على الكتابة الروائية عامة ، تقنيات الحوار و المونولوج و السخرية والتذكر و الإسترجاع وتقنية الرسائل التي أضفت على الرواية جمالية شعرية خاصة بلغتها القائمة على الصورة والرمز و الإنزياح . كل ذلك ضمن بناء سردي تتم فيه عملية السرد وفق منظور»الرؤية مع La vision avec» باعتبارأن « فوز» الشخصية المركزية في الرواية هي التي تقوم بدور الساردة . فهي تقدم كل المعلومات والتفاصيل عن جميع الأحداث والشخصيات والعلاقات والفضاءات التي تشكل عالم الرواية ، وتشارك بفعالية في تطور الأحداث في نفس الآن. وتمارس السرد بضمير المتكلم ، مع المزاوجة بينه وبين ضمير المخاطب في الرسائل المتبادلة بينها وبين يوسف . متنقلة بحرية في متخيلها السردي بين زمن الحاضروزمن الماضي ومتجاوزة الحدود الفاصلة بينهما .
وتركيب «طريق الغرام « الذي اختارته الكاتبة عنوانا لهذه الرواية لا ينبغي أن يقرأ في دلالته السطحية المباشرة بل يجب أن يقرأ في دلالاته العميقة وأبعاده الرمزية الوجودية و الحضارية بمراعاة الأبعاد الكبرى للرواية ككل ، فهو لا يدل على طريق ذات فردية بقدر ما يرمزلطريق وصراعات الإنسان العربي المعاصر ، رجلا و امرأة ، في مواجهة قيم الجمود والتقليد والخنوع في هذا الزمن المليء بالمتناقضات و الآلام و الصدمات والمآسي والعوائق ..خاصة وأن لفظة « الغرام « لاتعني في اللغة : «الحب والعشق « فحسب وإنما تعني أيضا « اللازم من العذاب والشرالدائم والبلاء...» (3)
والقراءة التي أقدمها تستهدف الكشف عن تجليات بعدين في هذه الرواية : البعد الفكري الحداثي ، والبعد الفني الشعري . ويمكن لقراءات أخرى أن تكشف عن عما فيها من أبعاد أخرى مثل البعد النفسي  والإجتماعي والبعد الثقافي ، أو تتوسع في دراسة بنيتها الفنية والدلالية ، وخاصة ما يتعلق بالبناء السردي وتداخل الأزمة و أبعاد الشخصيات والفضاءات.
تجليات الوعي الحداثي
أقصد بالوعي الحداثي المواقف والأفكار، التصورات و المتخيلات ، التي ترتبط بروح العصرالحديث و تنبني على قيم التحول و الحرية و التسامح وأصول الديموقراطية و العقلانية في النظر إلى الإنسان و المجتمع و المرأة و التاريخ و التراث ، في مقابل المواقف التقليدية المحافظة على قيم الثبات و التقليد و الخرافة و التعصب التي تهيمن على فئات عريضة من المجتمع العربي الذي يتعرض اليوم لصدمات حداثية متعددة و» يشهد اهتزازات و تحولات في كل مستويات نسقه الإجتماعي ، إما في اتجاه التكيف مع الحداثة أو في اتجاه رفضها مطلقة . في هذا المجتمع صراع عسيربين مقومات التقليد و مقومات الحداثة، وهذا الصراع ليس اختياريا أو إراديا بل هو مخاض موضوعي ناتج عن مظاهر تقدم الحداثة التي تتحول إلى تيار كاسح يغزو كل الآفاق و الفضاءات بمختلف الوسائل و الآليات . كما أنه صراع مفتوح لأنه يقحم هذا المجتمع في مخاض من التحول الطويل المدى»(4) .
وتتجلى مظاهر الوعي الحداثي في الرواية من خلال بنائها الفني و الدلالي العام ، ومن خلال صيرورة أحداثها ومواقف وسلوكات مجموعة من شخصياتها التي واجهت إكراهات وضغوطات المجتمع التقليدي وما يسوده من قيم المحافظة والذكورية والفكر الخرافي و السحري . على أن هذا الوعي لم يتم تقديمه بطريقة تقريرية مباشرة في فصول الرواية ، وإنما تم تجسيده بطريقة غيرمباشرة من خلال عوالم ومتخيلات سردية متشابكة المكونات والفضاءات والشخصيات ، تضافر الخيال والتجربة والتناص وتقنيات السرد والكتابة على تشكيلها .
إنها رواية كتبت و بنيت إنطلاقا من إدراك واع لتحولات العصر ومستجداته ، ولما تعانيه مجتمعاتنا من تخلف و تناقضات وصراعات على كثير من الواجهات و المستويات . ولذلك تتخللها رؤية ثائرة على القيم الرثة التي ما تزال تهيمن في كثير من الأوساط الإجتماعية و الثقافية في العالم العربي . وهي من النصوص التي تقوم على بنية التقابل الثنائي الضدي ، وعلى الصراع بين عالمين مختلفين متباينين ، و تتفاعل فيها نوعان من الشخصيات : شخصيات ثابتة تؤكد سكونية الواقع وثبات الحدود التي تسيجه .
وشخصيات متحركة تخترق هذه الحدود ...من خلال ديناميتها التي تخترق المحظور و تفجر البنية الساكنة. (5)
وقد توسلت الكاتبة بهذا النوع من البناء لتجسيد رؤيتها الحداثية من خلال بنية الصراع و التضاد بين تصورين للحياة أو رؤيتين للعالم هما :
{ أود أن أعرف تأثير ثقافتك الجزائرية المرتبطة جدا بفرنسا. ما هو تاُثيربلد نشأتك، أصلك في اختيار رواياتك للتيمة التي تطرح، بوجه الخصوص، المواجهة بين الشرق والغرب؟
وُلدت في الجزائر، في الصحراء الجزائرية. اسمي محمد مولسهول. وُلد هذا الاسم سنة 1942. وهو اسم أول شيوخ الصحراء، وأنا سليل شجرة الأسياد التي اختارت دائما من بين شيوخها الحكماء، الشعراء والعلماء. على مدى ستة قرون، لم تعرف الصحراء أية حرب: كنا نمثل سويسرا إفريقيا، ثم حل الفرنسيون ببلادنا من غير بطاقة دعوة. لقد شوشوا علينا. سنة 1830، احتلوا الجزائر العاصمة، ثم انطلقوا في غزو البلاد كلها. إلا أن مقاومة قبيلتي تصدت لهم. لقد قتلناهم فعلا. كان جدي آخر شيوخ الصحراء. لقد فصلوه، عزلوه عن الحكم؛ عاش بعدها البؤس الأكثر قسوة. لذلك، فإن الغرب قد أربك معاييري إلى حد ما. لم نتمكن منذ ذلك الوقت من استرجاع وجهتنا الصحيحة. التحق والدي بجيش التحرير الوطني سنة 1956 وأصبح ضابطا في جيش الأدغال. استرجعت الجزائر استقلالها سنة 1962، وسنة 1964 منحت والدي هدية، حاضرا: كنتُ الهدية.
في التاسعة من عمري ألحقوني بمدرسة عسكرية. قضيت حياتي كلها في ذلك العالم. و بموازاة تكويني العسكري، لم أفتقد أبدا ميولاتي ككاتب: ولدتُ لأجل الكتابة، إلا أني كنت طفلا خضوعا ككل الجزائريين، لنا تقدير ديني لآبائنا. اختار لي أبي مهنة عسكرية، ولم يكن من حقي أن أقول له لا. كبرت داخل ثكنة على البحر الأبيض المتوسط؛ كانت قلعة رهيبة، مرعبة. كانت الأشباح تزورنا ? يبدو ? ليلا، كانت الأروقة تطلق صفيرا طوال الليل، وكانت الأبواب تصفق؛ كنا نسمع بكاء داخل المراحيض: كنا نسمع أطفالا يبكون. كبرت، إذن، في هذا العالم المرعب، وكانت وسيلتي الوحيدة للإفلات هي القراءة. كل كتاب أفتحه كان، بالنسبة لي، فتحة أشقها في جدارالقلعة وأخرج لاكتشاف حب المناظر الاحتفالية، سافرت إلى روسيا وإلى أعماق البرازيل. سافرت كذلك إلى إيطاليا واكتشفت، في النهاية، أن العالم رائع وأن الناس لم يكونوا كلهم يرتدون الزي العسكري. كان هناك شعراء ، مبدعو ألعاب سحرية ومخرجو أفلام جميلة. سعيت، إذن، إلى اكتساح العالم الذي سُلب مني، وشرعت أنا أيضا في الكتابة. في الحادية عشرة من عمري، كتبت « محمد الصغير» وهي قرصنة ل « لو بوتي بوسي». سعيت بعد ذلك إلى أن أكون في مستوى الكتاب الذين هدهدوني، وحاولت أن أشبههم، وأنا اليوم تركيب كل ما قرأته. وبما أنني كنت في ذلك العالم السجني أو في أعماق الصحراء، كان يكفيني أن أفتح كتابا لكي أتكلم مع العالم كله. وخلال تلك الأيام، أدركت أن بإمكان الكاتب أن يتحدث إلى العالم كله وأن بإمكانه أن يمنح الرفاهية لأي كان وفي أي مكان كان. يقال بأن أفضل صديق للإنسان هو الحصان، الكلب أو البندقية؛ أما أنا، فأرى أن أفضل صديق للإنسان هو الكتاب.
{ لدي فكرتين: أولا الاسم. قلت لنفسي، طيب ها هي امرأة تكتب، هذا رائع ! كنت أعرف أن النساء، على مر التاريخ، هن اللواتي كان عليهن إيجاد اسم مستعار مذكر للتمكن من النشر. لماذا كان على رجل أن يختار اسم امرأة كاسم مستعار؟
انطلقت في الكتابة باسمي الحقيقي. نشرت في الجزائر وفرنسا ستة كتب وبدأت أحقق صيتا، لكن الجيش لم يرغب في أن يظهر اسمي في الصحافة. كنت نموذجا سيئا للجنود. سنة 1988 حصلت على جائزة صغيرة في فرنسا: كانت القطرة التي أفاضت الكأس. فرضوا علي إذن لجنة للرقابة: كانت اللجنة تتشكل من جنود معظمهم لم يقرأ ولو كتابا واحدا طيلة حياته. كان الأمر قاسيا بالنسبة لي: لم يكن بإمكاني قبول ذلك. توقفت إذن عن الكتابة. كنت آنذاك بتمنراصت، في أعماق الصحراء الجزائرية؛ كنت متزوجا ولم يكن لي أبناء بعد.
لم تكن بتمنراصت أوبيرا، ولا سينما ولا ملعب: لم يكن بها أي شيء. سألتني زوجتي: « لماذا لا تختار اسما مستعارا إذا كنت تفكر في مواصلة الكتابة فعلا؟ «. ليس للاسم المستعار في الجزائر أية أهمية، لأن بإمكان الجيش استدعاء الناشر والاطلاع على العقد لمعرفة مُوقعه. عندها قالت لي زوجتي: « سأوقع العقود بدلك».
« لقد منحتني اسمك مدى الحياة؛ وأنا أمنحك اسمي لأجل النجاح». زوجتي سيدة براغماتية، لا تعرف شيئا في الشعر، بل لا تحب أن ننظم فيها شعرا. الدليل على ذلك أنني أخصص لها كل القصائد التي أكتبها. إني أغنيها، أقرظها، أدللها ؛ وهي بصدد إعداد العشاء في مطبخها، أدخل بحزمة أوراقي. أشرع في إنشاد شعري لها. تستمع إلي للحظات ثم تقول: «متى سنلتحق بالمائدة؟»
حين كنت صغيرا، كنت أعتقد أنني ملعون. لم أكن أفهم لماذا أعيش بين يتامى ولي قبيلة تحيط بي. لم أكن أفهم لماذا ينبغي أن أكون جنديا وقد وُلدت لأجل الكتابة. لم أكن محظوظا مع الفتيات: غالبا ما كنت ضحية خياناتهن. لذلك كنت أعتقد أنني ملعون.
خلال الحرب الإرهابية التي شهدتها الجزائر، كنت جنديا، ضابطا؛ انخرطت في تلك الحرب مدة ثمان سنوات. كانت زوجتي تراني أخرج كل صباح، ولم تكن متأكدة من عودتي ليلا. الطائرة المروحية الوحيدة التي كان مسموحا لها بالتحليق في سماء وهران، هي مروحيتي. كان بالإمكان أن يأخذوني وأنا أتناول الغذاء بين أبنائي، لأجد نفسي في ساحة بها أموات، أناس قتلوا. كلما كانت زوجتي تراني وأنا أخرج، تكون متأكدة أنها تراني للمرة الأخيرة، إلا أنها لم تستسلم أبدا.
عشت فترات صعبة حين حللت بفرنسا كذلك، لأنني كنت معروفا في العالم قبل وصولي إليها؛ وصلت فاكتشف الناس رجلا خلف اسم مستعار مؤنث، والأنكى أن الرجل كان جنديا.
يعتقد بعض المثقفين أنه يتعذر على جندي أن يكون كاتبا، لذلك اعتبروني أيا كان. كنت بالنسبة لهم جاسوسا، رجلا يخدم النظام الجزائري. اعتبروني مقرصنا لم يكن هو مؤلف كتبي، وكادوا يقنعونني بذلك في وقت من الأوقات. لقد عشت البشاعة المصفاة والنذالة الأكثر فعالية: لم أتعرف على نفسي في هذا العالم. أنا قروي ولد في الصحراء، ونحن نرى أن على الإنسان أن يجسد استقامته. إذا لم تكن له شجاعة قناعاته، فهو لا يستحق أي شيء، لا يستحق الاحترام.
قررت مغادرة فرنسا والعودة إلى الجزائر. كانت زوجتي موافقة على ذلك؛ قررت ذلك لأجلها هي: لم أكن أسمح لنفسي برؤيتها حزينة بسببي. سجلت الأطفال إذن في المدرسة الجزائرية: سافرت إلى باريس لتوديع ناشري الذين دعموني كثيرا، لكن الأمر لم يكن يرجع لهم. كنت عند ناشري ? في انتظار ساعة التوجه إلى محطة القطار -، تناولت حزمة أوراق وشرعت في الكتابة، وواصلت وأنا في الطريق من مكتب الناشر إلى محطة القطار. واصلت الكتابة في البيت. بعد مرور شهرين، كنت أنهيت « الاغتيال «. حدث ذلك كما لو أن الأدب لم يسمح لي بالعودة، أدركت أن الكاتب ينبغي أن يكون جنديا جيدا وأن لا يفر من ساحة المعركة. بقيت حيث كنت وأقنعت كل أعدائي. وأنا محظوظ اليوم لأن أعمالي تترجم في العالم بإسره: إضافة إلى عيني زوجتي، أنهل قوتي من عيون قرائي.
اكتشفت أمرا أساسيا: ليست وسائل الإعلام، ليست الأوساط الثقافية، هي التي تصنع الكاتب؛ إن القارئ هو الذي يصنعه، ونحن من دون القراء حروف ميتة. إذا كنت قد تجاوزت العوائق السابقة، فلأن ورائي آلاف القراء وهم الذين أوصلوني إلى فيرون.
{ إنك محظوظ ! شدني عنوان « المعادلة الإفريقية «؛ دفعني إلى أن أفكر طويلا. يمكن القول بأن الكلمتين متناقضتين: معادلة / إفريقية. تدفعني المعادلة إلى التفكير في عالم الرياضيات... هل يمكن أن توضح لنا كيف اخترت هذا العنوان؟
الأمر بسيط للغاية: وسنبقى في عالم الرياضيات والمعادلة: المعادلة هي البحث عن مجهول، وإفريقيا مجهول كبير بالنسبة للعالم كله. وقد حاولت أن أُجعلها معروفة أكثر. ما الذي نعرفه عن إفريقيا، إذا ما استثنينا الوصلات الإشهارية، الفلاشات التلفزية، الصومال بأمواج منفييه، بحروبه، بأوبأته، بأمراضه، بمجاعته؟ ذلك كل ما نراه من إفريقيا.
لقد أبعدت قليلا هذه الواجهة المرعبة. ساءلت إفريقيا حول ما لديها من أمور أساسية لأنني كنت بتلك البلدان. أعرف النيجر، مالي، التشاد، موريتانيا، وقد التقيت في هذه البلدان، حيث البؤس شرط يومي، أناسا رائعين. إنهم فقراء إلا أن سخاءهم استثنائي: أناس ودودون، متواضعون، عفويون. بإمكانك أن تزور أية قرية إفريقية، وسيتقبلونك كما لو كنت المسيح: لن يكون مطلوبا منك أن تطرق الباب، سيفتح في وجهك من تلقاء نفسه. سيتقاسمون معك الطعام القليل المتوفر لديهم: يتقاسمون معك ثمرهم وأرائكهم لتشعر أنك بين أهلك، وهذه هي الإنسانية بالنسبة لي - لا علاقة للإنسانية بالتيكنولوجيا، بما يشبه الحداثة أو العولمة. أرى أن الإنسانية تعيد للكائن البشري كامل حيائه، كامل قواه باحترامه للإنسان. أؤكد لكم أنني التقيت راع بمالي أعطاني درسا قويا في القول المأثور وفي الفصاحة. كان الراعي مع عنزاته، تائها في الصحراء وقد أرعبه حضوري لأنني كنت أشوش على عالمه، أخذنا نتكلم وكنت أغار من سلاسة لغته ووضوح أفكاره. لكن، للأسف، فالمثل العليا، هي التي تحكم حيواتنا اليوم. لقد سبق لي أن عشت أمرا طريفا: كنت في طائرة تقلني إلى النرويج. كانت ناشرة أعمالي مصرة على حضوري، لأن وسائل الإعلام كانت تطلب مقابلتي. كنت في الطائرة، فقدموا لنا أهم جريدة في النرويج. لم يكن لدي ما أقرأه، شرعت في تصفحها فوصلت صفحة مزدوجة بها صورة لي: أسعدني ذلك فالتفت إلى جاري في المقعد، وكان يقرأ الجريدة نفسها، كنت أعتقد أنه سيكون سعيدا هو الآخر حين يكتشفني. أخذ الوقت الكافي للقراءة: إنه يرى وجها لا يقول له شيئا ثم يقلب الصفحة دون أن يكون له ما يقوله. إنني بصدد مقاومة هذه الاختزالات وإثبات أن الموهبة إنسانية. الموهبة ليست ملكا لا لأوروبا ولا لإفريقيا ولا لآسيا: الموهبة ملك للإنسانية. ذلك صعب، إلا أنني أطمح إلى تحقيقه يوما ما.
{ لكل واحدة من شخصياتك حكايتها الخاصة بها؛ وتدخل كلها ضمن حكاية أكبر. هناك لقاءات وصراعات وهناك ثنائيات هي أيضا جزء من الحياة: الصديق / العدو، الخير / الشر، الثري / الفقير... المتحضر / المتوحش...
وتلزمني طريقة التجاوز هاته بإعادة صياغة سؤالي. كنت أود أن أطلب منك أن تحدثنا عن هذه الشخصيات. كلمة موجزة لمساعدتك على التعمق: تتوقف كل واحدة منها على الأخرى؛ لا توجد حقيقة. والبطل هو كورت الذي يبدو أنه يجسد مساوئ الإنسان عموما والغرب على نحو ما. مع ذلك، وكما قالت خضرا: يتمكن من إتمام مسار، بحثا عن ذاته. لكن ليس كورت وحده، هناك أيضا هانز وبرينو، الفرنسي،، باسم شخصي إيطالي. هناك إفريقيا؛ هناك أوربا إلا أنهما بعيدتين الواحدة عن الأخرى. هناك شخصان آخران، بوجه خاص، أحببتهما وكرهتهما في الوقت نفسه: جوما وبلاكمون...؟ ثم كاولو... اسمه كاولو، لكنه يريد اسما مستعارا وسيختار شيئا خاصا أخفيه عليك وسيدهشك كثيرا.
{ هل يمكنك أن تحدثنا عن هذه الشخصيات؟
بدء، الرواية هي رواية سوء التفاهم. فالحقد ينجم بوجه خاص عن عدم المعرفة، وأنا أفضل الجهل عن عدم المعرفة. حين نجهل، فنحن لا نعرف،أما حين ننكر، فنحن نعتقد أنا نعرف. وفي هذا الكتاب الذي ألفته، هناك قول إفريقي مأثور: من لا يعرف أنه لا يعرف كارثة، ولا أحد في النهاية لا يعرف أنه لا يعرف لأن لجوبا أيضا نمط مثالي تجاه الغربيين: إنهم يكرهونه لأنه لا يستطيع فهمهم. وككورت لا يحب الأفارقة لأنه لا يعرف عنهم أي شيء، فأول لقاء له بالأفارقة كان لقاء عنيفا: كان هو نفسه ضحية عنف بشع. فقدَ زوجته وكان يعتقد، وهو يذهب إلى إفريقيا، أنه يمنح نفسه سفرا مشفيا. كاولو هو الآخر لا يفهم. لكن القضية ليست كونه لا يعرف الغرب أو إفريقيا: إنه يحمل المشكلة فيه: لا يعرف من هو. وحول هؤلاء الناس أناس يعرفون من هم، إلا أنهم لا يدركون الشر الذي يصدر عنهم. نحن في القرن الإفريقي حيث تحولت الحياة إلى مغامرة تقريبا. تحولت الحياة إلى رحلة في عالم خطير، حيث لم يعد هناك معنى لحذلقة الحياة ، حيث نحاول البقاء بكل الوسائل ونصبح بشعين لأننا لا نتوفر على حجة دامغة. لقد حاولت إذن تجميع كل هذا في كتاب لكي أوضح عجزالناس على بلوغ النضج. لقد حاولت لكني لا أعرف إذا كنت أفلحت أم لا. على راديو « فاهرنت « كنا نسمع الصيغة التالية في معظم الاوقات « ليست الثروة ما نملكه، بل ما نمنحه للآخرينن «. مهما بلغت ثروتنا، وإذا عجزنا عن التقاسم، فذلك يعني أننا فقراء. لقد حاولت دائما أن أتقاسم لكي أكون ثريا، وإذا كنت اليوم أشعر بأنني ثري، فذلك راجع بكل ببساطة إلى كون آخرين تقاسموا معي. أرى أن الإنسان يظل، بعد مرور آلاف السنين، .ساكن كهوف حديث. لقد حققنا تطورا استثنائيا في العلم، بلغنا الاتقان التيكنولوجي، نقاوم السرطان والملاريا أيضا، ومع ذلك فنحن نصنع، بشكل مواز، طائرات بإمكانها تدمير أمة خلال جزء من الثانية.
آه، أن نفهم الإنسان ! بينما الحياة مجرد نفثة. ما أقوله لأبنائي، لأصدقائي: لا تمثل الحياة شيئا على الإطلاق. وعلينا نحن أن نصنع منها شيئا ذا قيمة. أعتقد أن أحسن الناس، أولئك الذين يتجهون نحو الآخرين بأفكار سعيدة. حاولنا، لفترة طويلة، أن يسيطر بعضنا عن البعض الآخر. إلى ماذا أفضى بنا كل ذلك؟ وهذه الحروب كلها، بماذا أفادتنا؟ يقال بأننا خرجنا من كابوس كي لا نعيشه ثانية. لكن بمجرد أن يحل السلام، نشرع في الإعداد للحرب. إننا كما لو كان كل جيل منا يطالب بنصيبه من المآسي. شخصيا، لا أستطيع فهم ذلك. ما يجعلني أدير له ظهري وأحاول أن تكون لي فائدة ما، لأن الميول الأول للإنسان، بحكم تعريف الطبيعة وقانونها، هو أن تكون له فائدة ما. إننا نتحدث عن سمو الأعراق، في حين أنه لا يوجد سوى عرق واحد، في حين أن العالم لم تحكمه سوى علاقات القوة. أتطلع إلى أن تحكمه، في يوم من الأيام، علاقات التفوق. إلا أن ذلك لن يحدث بين عشية وضحاها: علينا أن نواصل الأمل. هل أجبت على سؤالك؟
التصور المحافظ الذي تمثله وتجسده مواقف و أفكاروسلوكات كثير من شخصيات الرواية وخاصة الأب و الأم ، الجدة والجد ، العمة وخالة الأم....
والتصور الحداثي الذي تمثله مواقف فوزية ويوسف ورشيدة إزاء كثير من القضايا الإجتماعية والنفسية والثقافية و الحضارية ، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، وبخاصة القضايا المتعلقة بحريةالمرأة والزواج و الطلاق وبالحب و الجنس والشذوذ الجنسي والجسد والإغتراب والدين والإرهاب ..وبقيود وإكراهات المجتمع التقليدي المحافظ عامة . مواقف تتسم بالإنفتاح و التحرر والدفاع عن قيم الحرية والمساواة والتسامح في مواجهة قيم الإستبداد والنفاق والتعصب والأخلاق الزائفة . ف» الذين عاشوا قيودا صارمة من الرقابة والخضوع للنواهي و المحظورات ، هم أكثر الناس تذوقا للحرية واستفادة منها ..» (ص: 21 من الرواية).
ومن أهم المواقف الحداثية التي انطوت عليها الرواية:
الثورة على القيم التقليدية الجامدة في المجتمع والدعوة لتجاوزها إلى قيم التحرر و العقلانية ، والإيمان بحقوق المرأة في الحرية والمساواة والوعي الحضاري و انتقاد مظاهر القهروالتمييز والعبودية التي تمارس عليها . الكشف عن رواسب الفكر الخرافي و السحري في المجتمع المغربي وانتقادها : « سيقلن لأمي بوسعك يا لالة كلثوم أن تفكري جديا في حياة ابنتك الخائبة ، ولا تتركينها هكذا . الذهاب إلى فقيه أو شوافة أمر واجب(... ) . أمي لا شأن لها بالسحر ، مثلما لا شأن لها بأمور أخرى في الحياة ، فأبي المتنور بطريقته الخاصة كان قد حذرها من زمان ..من الذهاب إلى الأضرحة و الشوافات..» (ص : 42)
الدعوة إلى المواجهة و المغامرة وتحقيق الذات والتحرر من عقد الخوف والخنوع والإستسلام : « أستطيع أن أواجه الكل بمن فيهم جدتي بكل شيء أستطيع فعله في مراكش ...» ، « ...هناك من قلصوا دوري وحددوه في استهلاكات عابرة وحضور بلا طعم ، فهل أظل مستمرة في الإخلاص لهذه الأوهام الكبيرة ، دون البحث عن نفسي وعن تجاربي في هذا الزمن العجيب...» (ص : 98 و179)
إثارة إشكالية الجسد والوعي الجنسي في أبعادها النفسية و الإجتماعية والثقافية من خلال تجربة فوز في وعيها بطبيعة الجسد وتحولاته ومتطلباته وعلاقته بالآخر(سمير/ يوسف ) ، و في ارتباطه بالحرية و الحب والعقل وضوابط المجتمع . وأيضا من خلال تجارب و حالات شخصيات نسائية أخرى ثانوية أو عابرة في الرواية .
إدانة الإرهاب و التعصب و التطرف من أي جهة كان أو كيفما كان مصدره : « جل المواقع أدانت قتل المدنيين . رأت أن لغة العنف مرفوضة ... أدين قتل الأبرياء في فلسطين والعراق وسربرنيتشا ولندن ومدريد ونيويورك...» (ص: 79) .
إدانة التمييز العنصري في الغرب : « كنت أعرف أن كل العرب هناك معنيون بما جرى ، وأنهم في قلب الإتهام ، بل مستهدفون بكل ما سيحدث من ردود أفعال ، بدءا من تلك النظرة الحذرة ، والمواقف الأكثرإغراقا في العنصرية و الأحقاد...» (ص :78)
وربيعة ريحان تستأنف في هذه الرواية تجربتها السردية من خلال توسيع و تعميق الرؤية الإجتماعية والحضارية التي ميزت مجموعاتها القصصية السابقة، في تمثل قضايا المجتمع و المرأة ، بنصوص ذات بناءات جمالية ورمزية مشرعة على دلالات وآفاق تشيع فيها روح متلظية متشظية بحمأة الواقع ، روح حالمة متطلعة نحوعالم آخر أكثر حرية ورحابة وجمالا ، بلغة سردية تتسم بالجرأة و الحميمية الوجدانية ، وصور و متخيلات تعبر عن مأساة التراوح بين الألم والفرح ، و اليأس و الأمل ، مجسدة بحث المرأة المغربية و العربية المعاصرة عن عالم آخر جديد لحياتها .
ومن أبرزالتيمات المهيمنة على الرواية ، في ارتباط بوضعية المرأة في المجتمع التقليدي ، تيمة أو إشكالية الجسد كما أشرت آنفا في خفائه و تجليه ، في كبته وتحريره ، في نرجسيته و انفتاحه ، في مظهره الذكوري و الأنثوي ، وفي نزوعه الشيطاني حسب التصور المحافظ... والكاتبة هنا لا تحصر الجسد في مفهومه السطحي الغريزي أو المادي و إنما تسعى لبلورة رؤية حضارية تجمع بين الجسد والحب و العقل في إطار علاقة جدلية تكاملية مع الآخر في بحثه عن عمقه الإنساني وهويته المستلبة .
فالكاتبة تؤكد على اعتبار الجسد موضوعا حضاريا و اجتماعيا ملحا لا يمكن تجاهله في المجتمع التقليدي الذي منع أو حرم الحديث عن هوية الجسد وحريته، فالفرد في هذا المجتمع لا يملك حرية جسده و إنما تقنن هذه الحرية مجموعة من القوانين و الأعراف ، وأصبح موضوع الجسد يهم التقاليد الإجتماعية أكثر مما يهم الفرد .
أما الوعي الحداثي فقد أعاد اكتشاف جسد الإنسان ، و اكتشف خلال ذلك ما يعانيه من غربة و استلاب وفقدان لهويته الإنسانية ، وخاصة المرأة التي تخضع لعقلية الحريم والتي تتعرض للعنف وجرائم الإغتصاب القسري أو المغلف بشرعية أو مشروعية مزيفة مبنية على علاقة غير متكافئة ، يكون فيها الطرف الذكوري هو المهيمن و المستغل. لذا يصبح البحث عن معنى للجسد في هذه الرواية ، من خلال ما تحكيه فوز عن تجربتها وتجارب نساء أخريات ، بحثا عن معنى شمولي للإنسان والحياة و الوجود (6) ، وليس مجرد بحث عن حرية غريزية جزئية أو عابرة كما قد تتصور بعض الأذهان المحافظة .
و ينخرط هذا التصورالمنبثق عن الرؤية المميزة للرواية في صميم البحث الحداثي عن شخصية جديدة للإنسان العربي ، تتسم بالحرية و الإستقلال والوعي بحقوقه الإجتماعية و الإنسانية و الحضارية في ارتباط بروح العصروقيمه، و في أفق التحرر مما يمارس عليه من قهر و وصاية و استلاب . وهذا من صميم وظائف الرواية و الأدب عامة في مجال التأثير على العقول و تغيير الذهنيات . فالأدب كما يقول تودوروف « يجعلنا أفضل فهما للعالم ويعيننا على أن نحيا ... لكونه ، قبل كل شيء ، تقنية لعلاجات الروح. غير أنه ، وهو كشف للعالم ، يستطيع أيضا ، في نفس المسار، أن يحول كل واحد منا من الداخل (...) .الأدب ، مثلما الفلسفة ، مثلما العلوم الإنسانية ، هو فكر ومعرفة للعالم النفسي و الإجتماعي الذي نسكنه . و الواقع الذي يطمح الأدب إلى فهمه هو بكل بساطة التجربة الإنسانية . لذا يمكن القول إن دانتي أو سرفنتيس يعلماننا عن الوضع البشري مثلما يعلمنا أكبر علماء الإجتماع و علماء النفس...» (7) .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.