هناك في الواقع من يعتقد أنني أكره السيد حوليش، لذلك قمت بشن حملة شعواء وحربا ضروسا استهدفت إسقاطه من كرسي القصر البلدي، وهذا مجرد كلام مقاهٍ، صادر في الغالب عن الذين تذهب ظنونهم دوما وأبدا مذاهب سيئة.. بل على العكس تماما، فللأمانة والتاريخ، لطالما رددتُ في مناسبة وبغير مناسبة، أن سليمان إنسانيا جدير بالاحترام والتقدير ويستحق كل الود، لكن هذا لا يمنعنا من الاعتراف علنا أنه مسيّر وسياسي فاشل جدا، وفشله كان بميزان الحقيقة فادحا وجليّا في الواقع، وأسباب فشله، راجعةٌ بالأساس إليه أولا وأخيرا، فضلا عن محيطه القاصر فكريا، المفتقر إلى التبصر والرؤى والترشيد السديد والتخطيط.. مشكلة صاحبنا حوليش، في تقديري، وحسبما يؤكده حتى معارفه المقربين منه، أنه لا يلجأ إلى ما يمليه عليه صوت العقل، والاحتكام إلى العقلاء من زملائه على الأقل، حتى بلغ الأمر بالرجل في لحظة فارقة، إلى أن انتابه الغرور، إلى درجة أن أصبح الجميع في نظره، لا يفقه في أبجديات السياسة ولا في قواعد التسيير ولا في مهمة التدبير، باستثنائه هو طبعا، وشلته الضيقة الملتفة حوله.. والواقع أن المشكلة الحقيقة لحوليش يا سادة، هي باختصار شديد، إيمانه وتصديقه بأن شلّة "المستفيدين من تراخيص العقار" على يديه، هُم أصدقاؤه الأوفياء والأقرب له، ووُكلاؤه الذين سيدافعون عنه أمام أول رجّة وسيحمونه عند السقوط في المنحدر مهما كان الثمن.. غير أن حوليش يعلم الآن علم اليقين بأنهم أول من تخلوا عنه عند المنعطف في أول اختبار!.. واسألوا حوليش عن هاتفه النقال الذي كان لا يكف عن الرنين، كيف أصبح اليوم لا يُسمع له حسّا بالمطلق، بعد أن هاجره رفاق الأمس.. وهو أبسط مثال. عزيزي سليمان، الحياة عبارة عن دروس، لكن دروسها بخلاف كل الدروس، إذ لا تعطى بالمجان، وإنما تستوجب دفع ضريبة ثقيلة، ثقيلة جدا قد تعصف بالحلم بل بالمصير أحيانا.. وسقوطك من كرسي القصر البلدي ما هو إلا إحدى هذه الدروس الصعبة.. و"دوام الحال من المحال" عنوانها الأبرز.. اليوم، إذا كنت ستحاول النهوض من السقطة، وتنبعث من الردماد كطائر الفينيق، لنفض الغبار عليك للسير مجددا قدما على درب "السياسة"، والوقوف على "ناصية الحلم لتُقاتل" على رأي الراحل درويش، فما عليك سوى أن تضرب مع نفسك موعدا للجلوس مع ذاتك وجلدها أيما جلد، أن ترى ذاتك في المرآة بدون حجاب، أن تعترف لنفسك بخطيئتك التي جرت عليك لعنة الجرجرة إلى ردهات المحاكم للامتثال والوقوف أمام القضاء بدل الوقوف في صف من منحوك ظهورهم للصعود وأكتفاهم للتسلق إلى الأعلى، أن تعترف اختصارا بأنك مُنيت بالفشل، والفشل ليس عيبا يا صاح، وإنما بمقدورك يقينا أن تجعله طاقة إيجابية وشحنة متوهجة للدفع بك دفعا إلى الأمام، إذا أنت صممت فعلا على الاهتداء إلى سبيل الرشاد.. وبعد ذلك بإمكانك العودة، بل العودة بقوة وبعنفوان لو تريد، لكن مختلف تماما عما كنته قبلا، أن تستعين بنخبة حقيقة تستطيع مدك بيد المساعدة لأجل توجيه دفة قيادة سفينة الجماعة... والأهم من ذلك أن تحجم وتوشح بوجهك عن "الشمايت" و"المرتزقة" وأن لا توليه شطر اللاهثين وراء مصالحهم الذاتية والفئوية، ومن تعرضت بسببهم للصدمة المفاجئة من جراء نفاقهم إثر السقطة المدوية.. وعموما، قد تطول النصائح يا صاح، مع أني لم أتوانى في إسدائها كثيرا وعلى المكشوف والصريح وجها لوجه، بلا خجل ولا تملق وبلا أستاذية.. هما جملتان سأختتم بهما رسالتي الأخيرة.. ليس كل شيء يُشترى بالمال وليس كل الذمم قابلة للمقايضة ب"وسخ الدنيا" على رأي المغاربة.. وأن "الشمايت" الحقيقيين هم من ألقوا بك إلى الهاوية بعد أن حفروا لك قبر الموت السياسي، سعيا وراء مصالحهم الشخصية والفئوية الضيقة، أو من أجل مصالحكم المشتركة، واليوم تواروا عن أنظارك عندما أدركوا أنك لم تعد تملك السلطة، سلطة التوقيع أعني بالتحديد.. لو كنت يا صاح، قد قدمت لهذه المدينة المنكوبة ولو نزرا قليلا، فقط النزر القليل من السخاء، من العطاء، من التضحية، من وقتك، من واجبك المنوط بك، لمسح الغبار على وجهها الشاحب، لكان الجميع حتما قد انبرى للدفاع عنك مثلما وثقوا الجميع بك أول وهلة، ولكن للأسف ليس كل ما يسطع ذهبا، ولعل في هذا الذي قد تمسيه بالخطأ "خذلانا" من الجميع ساكنةً ونخبة ومعارف، أبلغ رسالة، ويكفي بها دليلا... نهايته: صدقا ومن شغاف القلب أتمنى لك الخير، وللناظور كل الخير، الخير كله.. سلامي.