حصل لي شرف كبير أن أشاهد فيلم خميس 84 . لا أعتقد أنني شاهدته كما أشاهد باقي الافلام بل وأعترف أنني انتابني شعور تمنيت من خلاله أنني لم اشاهد هذا الفيلم . شاهدته وقد بعثر كل الاوراق في ذهني وأنا مازلت لاصقا على كرسي في غرفة مضلمة . لم أشكر بوزكو وهو جالس بجانبي ولم أشكر حماس المسؤول عن المؤثرات البصرية والصوتية في الفيلم والذي كان في نفس الغرفة يصطاد في أخطاء التركيب ويدون ملاحضاته . خميس 84 ليس بمفهوم السينما بل هو وأنا ألخصه عبارة من اللعنات والضربات القاسية التي أرهقت الريف وحطمته دون أن يصرخ الريفي أو يستنجد . فيلم خميس 84 هو وجع أزم الريف قبل 84 وبعده ... يمكن لي أن أقول أن فيلم خميس84 يؤرخ للعنة أصابت الريف ولم يخرج منها كما اللعنة هذه لم تخرج منه . أود أن ألتمس بمن سيشاهد هذا الفيلم أنه لا داعي أن ينتظر مشاهد القتل والمطاردة أثناء ذلك اليوم المشؤوم (خميس 84) فحتى تلك المشاهد أفرغت من محنواها وماتت بفعل الصدمات التي يسردها في قالب تراجيدي مقيت ... ما أنتج من أجله الفيلم في نظري ليس التعرض لاحداث خميس 84 وإلا سيكون المخرج قد أوقع نفسه في" كليشي " شاحب مازلنا نتذكر ملامحه نحن من عاش ذلك اليوم من قريب أو بعيد . سيناريو بلغة جرأة جريئة وقاتلة " نحن لا نقتل أحدا " جملة سقطت من فم شيماء علاوي كالرصاص ، جملة لخصت ما دونه ابن خلدون وشارل أندري جوليان وكابريال كامبس عنا نحن الجزء من ذلك الشعب الامازيغي الساكن شمال أفريقيا . " نحن لا نقتل أحدا" رصاصة تؤلمنا بل وتقتلنا جميعا سقطت من فم شيماء في ليلة لم تعرف إلا قتلنا ... قتلنا في أجسامنا ، قتلنا في أحلامنا وقتلنا في آمالنا . فالرصاص الذي نسمعه عبر الفيلم يلعلهع في شوارع الاحياء لم يضف في الحقيقة أي قيمة جمالية للفيلم مثلما أضافه الرصاص الذي صنعه كاتب السيناريو بكلماته . لغة السيناريو كانت ترسانة حربية حصدت وجودنا وتبقى ليلة خميس 84 عرس دموي سقطت فيها كرامتنا وعقتنا بل وأسقط بوزكو القناع عنا فتعرينا بذواتنا في تلك الليلة المشؤومة . سيناريو احتفض بحق كل من شارك في الفيلم وحتى لخظات الصمت احتفض لها بحقها لنستخلص أن السيناريو ما هو إلا صورة من صور الموت الذي عانقه الشعب الامازيغي والريفي منذ القدم . فالجرأة التي كتب بها بوزكو السينارية قد أوقعتنا في مأزق خطير حاصرته العقد النفسية من جهة وكبرياء شعب من جهة أخرى . فقد إنحنى الكبرياء أمام هذه الجرأة من جهة وسرحت العقد من جهة أخرى . قد أعتبر هذا نداء لفتح نقاش حول أشياء كثيرة عدا خميس 84 لانه ليس بوليد لحضة بقدر ما هو وليد تراكم قديم من المعانات والعقد النفسية !!! الجنس : لغة استمرار ، أم بطاقة موت . لا أحد ينكر مدى اهمية هذه الضاهرة السيكولوجية في ازدهار الامم أو انحطاطها ، وأعتقد أن تطرق كاتب السيناريو لهذه الضاهرة ليس من باب الصدفة . فقد لاحظت أن السيد بوزكو قد وضع هذه الظاهرة في مكانها المناسب ليحبك باقي التيمات والمواضيع حولها باتقان . ففي نظر بوزكو ومافهمته من خلال فيلمه فالجنس سلاح فتاك قد يغرق شعبا في العار أو قد يقذفه نحو القمة . الجنس توازن خطير لا يسمح لاي ارتباك أن يخلخل هذا التوازن... بمجرد وقوع خليل ما سوف يتغير وجه الحياة بأكمله . فحينما يفقد أحد الممثلين رجولته التي تميزه عن النساء سوف يبحث بكل الوسائل لتبرير ذلك بل ويتناول الرشاش محاولا قتل زوجته لانه يحس بنفسه من دونها بل وقد غيبته نهائيا من وجوده . خلل في هذه الضاهرة قد يغير وجه المحيط به بأكمله. كما سينهي ممثل حياته كون أن حياته فقدت صلتها بالحياة الكبرى التي نتقاسمها . فقد كان قد اختار أسماء لابناء سيولدون له بعد لكن طريقة تحقيق هذا الحلم قي اغتيلت فيه تلك الليلة وغيبته هو بدوره عن وجوده . مقبرة تاويمة وبلاتو خميس 84 توأمان في كل المواصفات . فبالرغم من كون خميس 84 حدث شمل مختلف مناطق الريف إلا ان مخرج الفيلم حصره في بقعة جيوغرافية لم تتعد بهو منزل ريفي عادي عدا بعض اللقطات التي صورها خارج هذا الاطار كايحاءات ومحاكات لتلك الليلة المشؤومة . هنا أتأكد أنا مرة أخرى أن الفيلم ليس للحديث عن خميس 84 بقدر ما هو موعد للحديث عما هو أعضم ، ليس للحديث عن الجثث المتناثرة في الازقة والشوارع بل للحديث عن الموت الممنهج المسطر من طرف جهات معلومة لاذلال شعب يرفض الضلم والطغيان . فقد حصر المخزن الجثث في قبر جماعي بتاويمة وحصر بوزكو معانات من بقى حيا بين أربعة جدار شاحبة . يبدو أن المخرج قد إختار هذا الفضاء الضيق جدا لكي يفرض عنا التركيز عن الاحداث بطريقة ميكروسكوبية إلى درجة أفرغ فيها الاجساد كلها من جمالها وأشكالها وترك لنا الارواح فقط ترفرف داخل ذلك الفضاء البئيس . أنا شخصيا ما رأيت ممثلا حيا داخل ذلك الفضاء . ما رأيت ضوء عاديا ولا " ماكياجا " ولا ملابس ولا حتى حركات توحي بأن ما تشاهده فيلم معين . قتل السيد بوزكو المكان واسكنه الاشباح !!! ناصر أكراف : يعدم في الفيلم ، تحس بي ولا تسمعه !!! فبالرغم من الاستعانة بناصر أيراف لانتاج موسيقى للفيلم ، وبالرغم من أنني أعتبر ناصر من أبرز الموسيقيين بالريف الكبير ودوره كان رائعا في مسلسل البيكرو كما نعلم جميعا إلى أن بوزكو قد اختار أن يعدمه في هذا الفيلم فقد تحس أن هناك ناصر يجوب الفيلم لكنك لا تسمعه فالفيلم كله معانات والمعانات نحسها ولا نسمعها . هكذا علق بوزكو روح ناصر أكراف مع باقي أرواح الممثلين في فضاء ذلك البلاطو اللعين . حماس وترسانة مؤثرات منحت للفيلم وجهه الحقيقي إخراج الكلمة إلى صورة قد يشترط منا كفاءات عالية وتجربة غنية لهذا لا أشك أن السيد المخرج كان يعلم مسبقا الا ستعانة بمن يهمهم الامر أمر لا مفر منه . هكذا نجده قد استعان بشخصية فذة تتمثل في المهندس حماس أحمد الذي ألبس للفيلم حلة رائعة مطروزة بخيوط رفيعة ربطت كل الصورة الجامدة والمتحركة . ختاما وكما قلت سابقا فالفيلم هذا قد بعثر الاوراق في ذهني وصعب عني تصنيفه ، كما صعب عني فهم جوانب كثير منه بالرغم من أنني أعرف كاتبه ومخرجه جيدا . فهذا النمط الجديد من التفكير والنظرة إلى الاشياء لم أعهدها مسبقا في المخرج بوزكو . إنني أعتبر هذا قفزة نوعية بالسينما الريفية إلى الامام أو أي مكان آخر عدا القفز إلى الوراء . مزيدا من الاجتهاد والانتاج وهذا نداء لكل المخرجين الريفيين والمنتجين والممثلين والمهتمين بالسينما الريفيية . من موقعي كإبن للريف الكبير ومن أجل الريف ألتمس من اهل السينما بالريف أن يلبسو مغرفا كما كنا نفعل أيام زمان ويذهبوا بكل لباقة وأدب ليجوبوا شوارع الريف وهم يرددون " غيتنا غيتنا يالله " س إج ن سيني إن شاء الله الريفيون هو الوحيدون في العالم الذي ينتجون السينما بحجم " أضيوس كارمن" لكنهم لا يملكون قاعة للسينيما !!! لك سيدنا قادار أ سيذي أريف !!!!