فاضت عيناي بالدمع وأنا اتأمل سنة الله في خلقه في هذه الأيام الخداعات ، وأحسست بأن عقارب الساعة تسارعت في الآونة الأخيرة بشكل عجيب ، وتغير في ظرف شهر واحد ما لم يتغير منذ عشرات السنوات ، تحققت الكثير من الأشياء التي كانت - الى عهد قريب - في عداد المستحيلات ، وظهرت للعيان مجموعة من الحقائق التي كانت في طي الكتمان .. لقد حملت الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 2011 الكثير من المفاجاءات ، واستجدت فيها الكثير من الأحداث على مستويات عدة في العالم أجمع ، وأبرز ما سجله التاريخ بمداد من العز والفخر للأجيال القادمة هو هذا الحصاد الديموقراطي لهذه الثورات المباركة التي شهدها العالم العربي مؤخرا لتعلن للعالم أن الشعوب التي اضطهدت لعقود ، حتى ظن من استأسد عليها أنها ماتت ، استيقظت من سباتها العميق وانبعثت ، كطائر الفينيق ، من جديد لتصرخ في وجه الظلم والطغيان بصوت عال ، وتقف في وجه الفساد والاستكبار وقفة من لا يخشى الموت .. وبعد هذه الأحداث التي قلبت جميع الموازين ، وخلطت الكثير من الأوراق ، و غيرت الكثير من الأشياء التي كانت من المسلمات ، وحولت الكثير من المطلقات الى أمورنسبية ، لسنا ندري ما تخفيه الأيام المتبقية من هذه السنة الاستثنائية التي ثارت بدورها على السنوات الخوالي لتعلن للتاريخ بأن ربيع الديموقراطية لا يأتي الا بعد ذهاب خريف الديكتاتورية وسقوط أوراقه اليابسة . احترق البوعزيزي ، وثار الشارع التونسي ، وسقط شين الهاربين بن علي ، ثم امتلأت ساحة التحرير المصرية عن اخرها بالشباب و الشياب وامتلأالجو بالشعارات و الهتافات ، فسقط اللامبارك وزبانيته ، سقط هبل و تزلزلت معه كل الاصنام ... ثم اعلنت الشعوب التواقة للحرية أن زمن الاسترقاق و الخوف و القهر قد ولى ، فاما الحرية أو الموت .. اما نكون أو لا نكون .. فتلقف الشعب المغربي الرسالة و فهمها جيدا ، لكنه اختار أن يتفاعل مع ما يجري حوله بطريقته الخاصة ، وأتقن شبابه عزف سيمفونية التغيير بطريقة سلمية حضارية فاجئت صانعي اسطورة " الاستثناء المغربي " وخلطت أوراق البراغماتيين الذين تعودوا على الاصطياد في الماء العكر ، خرج شباب 20 فبراير الى الشوارع المغربية مطالبين بالتغيير و اسقاط الفساد و القضاء على رموزه ، ففهم من يهمه الأمر الرسالة جيدا ، فبادر الملك الشاب ليقول للشباب رسالتكم وصلت في الوقت المناسب ، و جوابه أتى بعد 20 يوما فقط من خروج شباب 20 فبراير ليحمل وعودا جدية بالتغيير الذي طالب به الشباب ، لكن الطريق لا يزال طويلا لاسقاط الفساد الذي يعشش في كل الادارات ، و القضاء على رموزه الذين يتربعون على كل المؤسسات . نعم ، جاء الخطاب الملكي الذي وصف بالتاريخي ، وظهرت النية الحسنة للمؤسسة الملكية ، لكن أحزابنا الشائخة كعادتها سارعت الى ترديد مضامين الخطاب دون أن تفهم منه شيئا ودون أن تقوم بأي مجهود يذكر في درب الاصلاح ، وبعد الخطاب الملكي جاء العفو الملكي ، و بعد العفو الملكي سيأتي الدستور الملكي ، وبعد الدستور الملكي ستخرج أحزابنا التي تعتقد أنها ملكية أكثر من الملك لتركب على الأحداث و تستعد لاستغلال ما حققه الملك و الشعب في انتخاباتها غير النزيهة وتدعي بأن شباب 20 فبراير شباب غير ملكي ، وتزعم بأن " الخطاب التاريخي "، و " الدستور التاريخي " أيضا جاء نتيجة " نضالاتها التاريخية " ، وذلك دون أن تقوم بأي " فعل تاريخي " ولا حول و لا قوة الا بالله . قلت في البداية عيني فاضتا بالدموع وأنا أتأمل سنة الله في خلقه في هذه الأيام الخداعات ، خصوصا بعد الافراج عن الكثير من المناضلين الشرفاء الذين قضوا أياما عصيبة وراء القضبان ظلما و عدوانا في مغربنا الحبيب الذي نخرت فيه آلة الفساد مؤسسة القضاء و العدالة ، حتى صارت الأحكام خاضعة لسياسة الأوامر الظالمة و الولاءات الضيقة غير محتكمة الى الضمير الحي و لا الى القوانين الجاري بها العمل (...) . أفرج عن الشيخ الفيزازي بعد ثماني سنوات من السجن شيبت لحيته السوداء ، و أفرج عن المعتقلين الستة بعد ملف بلعيرج المفبرك و الذي كنا من أول المشككين في طريقة تدبيره ، و أفرج عن الأخ شكيب الذي أدى ضريبة فضح الفساد و أباطرة المخدرات في الريف ، و أفرج عن الكثير من المظلومين ، لكننا نؤمن بأن غياهب السجون لا زالت تواري الكثير من الشرفاء الذين سجنوا ظلما وعدوانا ، ودعاؤهم نسمعه كل ليلة يصعد الى السماء يشكو ظلم العباد ، و " دعاء المظلوم ليس بينه و بين الله حجاب " فأحذروا يا من ينفذ أوامر الجلاد من غضب الواحد القهار .. " وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ " ، وليس مصر ببعيدة عنا ، و ليس من الصدفة أن يسجن اليوم أبناء مبارك في سجن طرة الذي سجن فيه عبد الحميد كشك رحمه الله و كثير من المستضعفين بالأمس ، " وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ" .. كانت لحظة خروج الأخ المناضل شكيب الخياري من السجن من أشد اللحظات التي أثرت في ، خصوصا بعد استرجاع شريط الذكريات الذي يختزل الكثير من المواقف التي جمعتنا بالأخ شكيب الصحفي و الحقوقي المشاكس ، و لكن الذي أثر في نفسي أكثر هو وجود بعض المرتزقة الذين كانوا بالأمس القريب من الذين يشككون في مصداقية نضالات شكيب أمام بوابة السجن المدني بالناظور يستقبلون الأخ المفرج عنه بالأحضان و القبلات . ومن هذا المنبر الحر أذكر أخي الخياري بأن الذئب سيبقى ذئبا حتى وان غير جلده ، و الأسد سيبقى أسدا حتى و ان بقي وحده ، فأحذر يا أخي من اللئام فان اللئيم لا يترك التمرد . وصدق المتنبي اذ يقول : وما قتل الأحرار كالعفو عنهمُ *** ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا إذا أنت أكرمت الكريم ملكته *** وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا مرحبا بك أخي شكيب و مرحبا بكل الأحرار الذين أطلق سراحهم ، ومرحبا بكل من يحب هذه البلاد و أهل هذه الديار ، نحن جد مسرورين بخروجكم من السجن كما سررنا بعودة المغتربين الى بلادهم من أجل المساهمة في بناء الصرح الديموقراطي الذي ينتظر أن نساهم فيه جميعا كل من جهته و من موقع مسئوليته . لكن هذا الصرح لن يكتمل أبدا ما لم يطلق صراح كل العلماء و المفكرين و السياسيين و الحقوقيين و الشرفاء المظلومين على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم . فهل سنعتبر ونعمل على ذلك منذ اليوم أم سنمضي في نفس الأخطاء التي وقعنا فيها بالأمس حتى نستيقظ من جديد على انتهاكات أخرى لحقوق الانسان ربما ستكون أشد من سابقاتها لا قدر الله ..؟؟؟ - [email protected]