وقع بصري، هذا الصباح، على خبرٍ كأنه إعلانٌ، أنَّ سلطات المدينة بادرت إلى شنٍّ حمْلَةٍ على مظاهر الفوضى في المدينة، وأنها خرجت إلى الشوارع والأرصفة بمُعدَّاتها الثقيلة، كي تكْنِسَ أسباب الفوضى، وصور استغلال المِلْك العامِّ...! وهي ليست أول مرة تقومُ بحملة التطهير هذه، فقد قامت قبْلاً، وأجزمُ أنها ستقومُ بها بعْداً؛ لأنها حملاتٌ عابرةٌ.. كاذبةٌ.. خاطفةٌ خطْفاً، غير زاجرَةٍ جزْراً... فما هو إلا نصف نهارٍ، وتعودُ ريمة وأبناءُ ريمة إلى عاداتهم القديمة، وتغرقُ المدينةُ في فوضاها الأليمةِ. ذلك أن ما ينقصُ الحملة هو الإخلاص.. وما ينقصُ الشعبَ هو حبُّ النظام والجمال.. وما ينقصُ المسؤولين والمواطنين معاً هو الإرادة المشتركة، والرغبة في التعاون، ومبدأ المصلحة العامة فوق المصلحة الشخصية وشراء الذِّمم والرشوة. لا خلاص من هذه الفوضى العارمة، المنتشرة، المستمرة، إلا الأخلاق، وإلا كلمة واحدة، هي (التعاون) بين جميع الأطراف، يقول ربنا الكريم: (وتعاونوا على البر والتقوى)، فإذا استحضر المواطنون هذا المعنى في شعورهم وسلوكهم، لعرفوا كيف يَحُدّون من هذه الفوضى، وكيف يواجهون مُسبِّبيها، وكيف بمُثابرتهم وإصرارهم وصبرهم سوف يقْضون على الفساد والمفسدين، ولا فرق في ذلك بين العامة والخاصة، وبين أصحاب المحلات التجارية وبين الباعة المتجولين، وقد نعذُرُ الباعة المتجولين، ولا نعذر أصحاب المقاهي والمطاعم والوكالات التجارية. التعاون بين الكبار والصغار.. بين الأغنياء والفقراء.. بين الأفراد والجماعات.. بين الناس جميعاً... من أجل القضاء على الفوضى والبشاعة والقُبْح... أما شنُّ حملةٍ عابرةٍ، تُقْضى فيها مصالحٌ من ورائها، ويستفيدُ منها كبارُ القوم، وعليَّةُ الموظفين، فإنها تأكيدٌ على الفساد وليس على محاربة الفسادِ، لأنَّ الرغبةَ الحقيقيةَ في القضاء على الفساد تتمُّ عن طريق تنفيذ موادِّ القانون، وأظهَرُها فرْض الغرامات المالية، وجَرْجرةُ المتسببين في الفوضى إلى أقسام الشرطة ومنصَّةِ القضاء، وإغلاق محلاتهم لبضعة أيامٍ، وليس بمصادرةِ صُندوقٍ أو ثلاجة أو كراسي، أو خطف كومةٍ من الأثواب أو الأحذية. وإنَّ هذا الإجراءَ يجبُ أن يشْملَ حتى بعض أصحاب السيارات التي يرْكنونها دائماً فوق الأرصفة، فإنَّ في هذه المدينة عائلاتِ أبناؤها من الذين طغَوْا في البلاد، ويشعرون أنهم يملكون الأرض والسماء، فقط لأنهم يملكون المالَ الكثيرَ، ويظنون أنَّ في إمكانهم أن يشتروا حتى رجال القانون، أما القانون فنحن نعلم أنه حمارٌ مع هؤلاء الحمير! إنَّ الحملةَ مظهرٌ من مظاهر عبث السلطة، وهو يُضافُ إلى عبث الشعب، وما لم يقم تعاونٌ بين الجميع.. وما لم تكن ثمة إرادة مشتركةٌ بين الكلِّ، فإنها مجرد حملة عابرة، وتعود ريمة وأبناء ريمة إلى عاداتهم القديمة...!!