لا أُريدك أن تتجمّلي و لا أن تتعطّري "مَعلمتي" ، كَفاني حُسنك الأصلي الزاهي ، فما كان فيك يكفي ليسُّر فؤادي، يَكفي شموخُك العالي فقد علا شموخَ الجَبل المُتواري خَلفك المُتغزل بك ولكنك لم تُبالي ، يكفي كبرياؤك هو ما كان يمنعك معه الحديث ، فلم يسمعْ منك صوتا قطّ سوى صدى صوته المُرتدّ على ظَهرك ،...يكفي اعتزازك بنفسك فهو ما كان يَقتلني ... غير آبه بلباسك الجديد ولا بِالحُلل فإنها لا تُغريني ،أُريدك كما كنتُ أنظُر إليك وأنا مازلت صغيرا في ذاك الزمن الغابر الجميل ، عندما كُنت أزور أبي في عمله فأختلس هنيهاتٍ لأراكِ ، كلّما اقتربْتُ منكِ زاد النّسيم هُبوبا لِتزداد أشواقي ، فأَسمَعُكِ تهْمسين للبحر:ها قد جاء ثانيةً ذاك الفَتى الأَسمر ،نعم ، رَحل أبي الغالي إلى دار البقاء، لكنّك لم تَرحلي ... لمّا أصبحتُ يافعا بَقيت على العهد و لم أنْقُضه ، كُنت بعدما أنهي الدراسة آتيك رفقة صديقي، لأقف بجانبك خجولا مُتذللا ، أتجاذب معه أطراف الحديث بصوت عال لعلّك تسمعين أحزاني و آلامي ، و عيناي البريئتين لم تنجذبا إلاّ إليك، رغم أنّ ليس من حقي سوى نظرة واحدة إليكِ . رحل صديقي الغالي إلى دار الغُربة لكنّك لم ترحلي ... قالوا عنك غريبةً أجنبيّة و لستِ بأمازيغية ، فلِما أهواكِ ؟ قلت لا يَهمّ ، فلن تكون سوى أندلسيّة جمع بيننا التاريخ بمُرّه و حُلوه ،كما أني لست من هُواة الحروب و المِحن ، ألَمْ يَكن ابن حزمِ و ابن رشدِ من أبناء هذا و ذاك الوطن ...لا تكترثي ، فحتى إن لم تسْلَمي فالشّرع لم يحرّم القِران من كتابيّةٍ أبيةٍ مثلكِ ... لكن شاء القدر أن أبني عشّا مع غيرك ،لأعيش بعيدا عنك أمدا ،لتَضمّني الغُربة إلى صدرها الضيّق، فكدت أختنقُ من فرطِ الفراق عنك ، لكنك ظَلَلت حاضرة في خيالي و مُخيلتي و كنتِ ظلّي الذي لا يُفارقني ... لمّا عُدت إلى وطني زُرتك للتوّ لتبتسمي ،حَكيت لك كلّ قصتي ولم تغضبِي ، فقد تعلمتِ الصّبر من لطمات أمواج البحر ومن وُعود سِياسِيينا الزّائفة . صحيح أنّي في الغُربة كنت خائفا على نفسي ، فما إن أثبتُّ أوتاد خيمتي في وطني أصبحت أخاف عليك لا على نفسي ، حقا سوف لن تسمعي منّي ما كنت أُناديك به حينَها هَمسا، لكنَك ستبقين مثل أُختي طول العمر، أدعو لكِ متى خَفَتَ صوت الدّعاء لك و متى كُفّت أيادٍ عن التضّرع لك ، فقط لا أُريدك أن تتجمّلي و لا تتعطّري "مَعلمتي" فيَكفي ما كان فيكِ من حُسن زاه...