لا ننكرُ أن السيدَ باشا المدينة، يخرجُ من حينٍ إلى حينٍ، برفقة قواته المساعدة، ويجرِّدُ (حملةً) على الباعة المتجولين، و(الفرَّاشة)، وأصحاب الدكاكين الذين يحتلون الأرصفة ببضاعتهم. ساعات.. أو يوم أو يومان... وتنتهي (الحمْلَةُ)، وتعودُ حليمة وحليم، والذين تعرضوا للحملةِ، إلى عادتهم القديمةِ، ويعودُ السيد الباشا إلى مكتبِه، (وكأنك يا بوزيد ما غزيتْ)! وما هكذا تورَدُ الإبلُ يا زيد، ويا سعد، ويا باشا... فنحن، لسنا في العصر الجاهليِّ، ولسنا في عصر المماليك، فنجرِّدُ حملةً هنا وهناك كيْ نفرض النظامَ، وإنما نحن في عصر القوانين، والقوانين تُفْرضُ بالمساطر والمحاضر والعقوبات والغرامات؛ فإذا كان الباشا صادقاً في تطبيق القانون، وإقامةِ النظام، والقضاء على الفوضى في شوارع المدينة، فإنَّ ذلك لا يحتاجُ إلى (حملةٍ)، ولا إلى قوات مساعدة، ولا إلى شاحنةٍ تصادرُ صندوقاً من هنا وكيساً من هناك، وإنما تحتاجُ إلى وقفةٍ واثقةٍ عند المخالفين، وتقديم رجال السلطة بهدوء، وإخبار أصحاب الفوضى بخروجهم عن القانون، وإنجاز محضرٍ وتوقيعٍ وإحالةٍ إلى القضاء وتوقيع عقوبةٍ صارمةٍ بعد ذلك، فإنَّ أكثرَ ما يوجعُ التجارَ هو دفع الغرامة المالية، وحبذا أن تكون غرامةً ثقيلةً، بهذا الإجراء وحده سوف يستتبُ النظامُ، ولن تعود حليمة إلى عادتها القديمة! أمَّا ما يقومُ به الباشا من حملاتٍ من حينٍ إلى حينٍ، فهو مجردُ شكلٍ آخر من أشكال الفوضى!