عندما تندلع حملة الخوذات، على سائقي الدراجات النارية، فالأهم هو أن يكون على رأس المواطن خوذة، حتى لو لم تكن له ورقة تأمين. فلا أحد يوقفه أصلا.. ما دام بخوذة. وعندما تنطلق حملة «لاسورانس»، في وقت معلوم من السنة، يصبح الأهم هو ورقة التأمين، حتى لو كان الرأس عاريا.. فالرؤوس لا تقاس بخوذاتها.. وتتعاقب الحملتان على امتداد الأعوام. ومع التطور والتقدم، وهما اسمان لحيين من الأحياء المهمشة، تتمدد لائحة الحملات. أكثرها ثقلا على النفس، الحملة على البناء العشوائي، ذاك الذي تم على امتداد أعوام على «عينك يا بن عدي»، حتى أثرى ممثلين عن السلاليات وكثيرا من الموقعين على التراخيص والمتغافلين عنها عن قصد، كما أثرى المراقبين ومراقبيهم ممن خلت تقاريرهم من أي تصرف معماري غير قانوني؛ قبل أن يتحول هذا البناء فجأة إلى خرق للقانون يتحتم إصلاحه اليوم وليس غدا. فيأتي الإصلاح على متن جرافات الهدم، دون مشاعر، ينفذ الأمر حتى لو كان الفصل شتاء. لا يهم كيف تبيت العائلات المصدومة بالهدم، وهي ترى «تحويشة» العمر وقد صارت ركاما.. أهون منها حملة الشيشة، كل النارجيلات المستوردة تحت بصر القوانين أو من وراء ظهرها، وبعد أن يستتب لها الأمر وتستقر في عدد من الفضاءات، المحترمة والأقل احتراما، تصبح «موتيفات» (جمع موتيف) تقتضي تطبيق قانون إلقاء القبض.. فيتم الزج بشباب في مخفر الأمن بتهمة تدخين الشيشة. لكن أطرفها تبقى حملات جمعيات التنمية المحلية، فلم يبق هناك مدشر منسي إلا وأصبحت له جمعيته التنموية. جمعية الرئيس، وهو في كثير من الحالات مرؤوس صغير، يحمل طابع الجمعية في جيبه. يشتغل في الانتخابات وفي الاستفتاء، ويلبي كل ما يطلبه السيد الوالي والسيد العامل والسيد الباشا والسيد رئيس الجماعة والسيد... في كل دواوير الأطلس جمعيات تنموية، ومع ذلك لا أثر فيها للتنمية، حتى إنه ليبدو كأن الغاية من الحملة هي صرف الاعتمادات المرصودة، أكثر من الاهتمام بالتنمية. ومن هذه الجمعيات واحدة حول «الهدر المدرسي»، يقودها معلم شبح، لم يستنشق غبار الطباشير منذ عقود، بينما الحوالة تواصل زيارتها الشهرية لحسابه البنكي. وحيث إن مداخيله المتعددة لا تكفيه، فهو لم يغفل «همزة» الاعتمادات المخصصة للتنمية البشرية؛ فهو بشر، ينمي مداخيله. ولتسمح لنا وله التنمية. حملة مراقبة الأسعار ترتبط عادة برمضان، وتسفر عن إغلاق بعض الدكاكين، دون أن تمنع التلاعب في أسعار المواد الغذائية على مدار العام. مثلها في ذلك مثل الحملة على المخدرات، فعلى امتداد السنوات تنطلق هذه الحملة وتنتهي دون أن تنجح في اقتلاع «البزناسة»، أو شقيقتها حملة «ماحيا» التي لم تمنع من استمرار نشاط «الكرابة» في كثير من الأزقة والمداشر. حملات الانتخابات تبقى ألطفها، فلا أحد يسأل حينها عن خوذة أو عن «لاسورانس»، ولا شيء يقلق راحة أصحاب الشيشة أو يضيق خناق «البزناس» و«الكراب»، بل وتنبت خلالها حومات في هوامش المدن ولا من يتحدث عن عشوائيات. فالمهم هو المشاركة.. والعادة أنه ما إن تنتهي هذه الحملات حتى تتخلص رؤوس سائقي الدراجات النارية من خوذاتها، وتعود الشيشة موضة حداثية وحرية فردية، ويستأنف «البزناس» و«الكراب» تزويد الزبناء ب«العلالي» في راس الدرب، في انتظار حملة جديدة. هناك وهنالك، تقام الحملة بسبب ظاهر، لتحقيق هدف محدد. وتنتهي بحساب شفاف، عن الغايات المحققة، وعن المداخيل والمصاريف. أما هنا... فالمهم هو المشاركة.. لا من يسأل عن جدوى الحملات أو حساباتها، رغم أن «الحساب صابون»، فكأننا نخاف على مصير مديرية قمع الغش، لو تضافرت الجهود لإسقاط الغش بالضربة القاضية..