أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية بين المغرب والاتحاد الأوروبي    ابتداء من غد الثلاثاء.. أطباء القطاع العام يضربون ل3 أيام    حقي بالقانون.. شنو هي جريمة الاتجار بالبشر؟ أنواعها والعقوبات المترتبة عنها؟ (فيديو)    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    ذكر وأنثى فقط.. ترامب يتعهد بوقف جنون التحول الجنسي    الإيليزي يستعد للإعلان عن الحكومة الجديدة    الكرملين ينفي صحة تقارير إعلامية تركية عن حياة الأسد وزوجته بموسكو    الشرع يتعهد حل الفصائل المسلحة وإنشاء جيش سوري موحد    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي        شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    الحلم الأوروبي يدفع شبابا للمخاطرة بحياتهم..    أسرة المدرسة العليا للتربية والتكوين بجامعة ابن طفيل تستنكر "المس بالأعراض" الذي يتعرض له بعض أطر المؤسسة    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    تصعيد خطير.. تقارير عن توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    من يحمي ادريس الراضي من محاكمته؟        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    "إسرائيليون" حضروا مؤتمر الأممية الاشتراكية في الرباط.. هل حلت بالمغرب عائلات أسرى الحرب أيضا؟    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير        تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق: طريق الحشيش السرية عبر جبال الريف “الجزء الثاني”
نشر في أريفينو يوم 01 - 11 - 2009


مجلة نيشان
سنسلك الآن الطريق التي تمر بمحاذاة منطقة مقريصات المحسوبة ترابيا على إقليم وزان . أخبرني ( د ) بأننا سنسرع في خطانا ، لأن أولى ساعات الصباح يجب أن تجدنا في غابة تدعى ” الغابة المحروكة ” .
الساعة تدنو من الواحدة صباحا ولازلنا على نفس إيقاع المشي السريع وسط تضاريس صعبة . كيلوميترات تتلو أخرى وبدا الملل والتعب يتسلل إلى النفوس . جاءت البشارة أخيرا ، ” أصبحنا قريبين من الغابة المحروكة تما غادي نرتاحو على خاطرنا ” . هكذا خطب فينا ” زعيمنا ” . استمررنا في المسير حتى لم تعد رجلاي تقوى على حملي ، ولكم أن تفكروا كيف سيكون عليه الوضع بالنسبة لشخص يحمل 50 كيلوكرام . وصلنا أخيرا ل ” الغابة المحروكة ” ولم تكن محروكة كما تصورت ، لكن سكان المنطقة أطلقوا عليها هذا الاسم لأنها كانت مسرحا لحريق شب بها قبل ست سنوات . قرب هذه الغابة يوجد دوار يدعى ” تملا ” . ( د ) يعرف بعض الأشخاص من هذا الدوار ، لكن الوقت ليس مناسب ليطلب منهم أي شيء . تناولنا ماحملناه معنا من خبز وزيتون . ماكدبوش اللي كالو تمارة كتوكل . أتينا على الأخضر واليابس . استعمل كل حمال حمولته كوسادة وخلد الجميع للراحة. كانت الساعة وقتها تدنو من الخامسة والنصف صباحا ، والجميع كان في قمة الإنهاك لكن ذلك لم يمنعهم من أن يبقوا يقظين تحسبا لأي طارئ . هكذا وزعوا أدوار النوم فيما بينهم ، على أساس أن يستأنفوا المسير بمجرد طلوع الشمس . كان الكل مستسلما لنومه حين شرع ( د ) في إيقاظنا بشكل فج بحال يلا مكاجيين فالعسكر . كان القيام من النوم في ذلك الوقت أشبه بعقوبة ، خاصة أن ظلال الأشجار وزقزقة العصافير أضفت على المكان نكهة خاصة ، ولكن آش دير ؟ حين تأكد ( د ) من قيامنا طلب منا أن نستعد للرحيل ، فيما توجه هو إلى داخل الدوار . ” عند من مشا ” أسأل أحد الحمالة . ” فالغالب غادي يجيب لينا الفطور ” ، يرد هذا الأخير . لم يمر كثير من الوقت ليعود ( د) خاوي الوفاض . حمل كيس الكيف فوق ظهره وحقيبة الحشيش التي لم تكن تفارقه وطلب منا أن نتبعه إلى داخل الدوار ، وقبل أن أستفسره عن وجهتنا قال لي : ” غادي نمشيو عند واحد السيد نفطرو عندو . لقد أصر على أن نتناول عنده وجبة الفطور ونرتاح قليلا ” . هاد جبالة بصح والله يلا ضريفين ، بلحق غير مع الحمالة . استقبلنا صاحب المنزل بما يليق من حفاوة ، ووضع الحمالة مالديهم داخل غرفة الاستقبال . طبعا ماكاينش الثقة . حسب ماعلمته لاحقا من ( د ) فإن صاحب المنزل كان هو الآخر يتعاطى لزراعة الكيف ، شأنه شأن جميع سكان المنطقة ، قبل أن تحل بهم لعنة المخزن وتجرف محاصيلهم ، ومازال يحافظ على علاقة ود مع عدد من الحمالة والبزناسة من داخل المغرب . ماتعرف الوقت أشنو تجيب ، ربما تعود الأمور إلى سابق عهدها . هذا هو أحسن من يطبق مثل ” اللي بغا الكراب يصحبو في الليالي ” . تناولنا وجبة فطور شهية ، وودعنا صاحب المنزل دون أن ينسى الدعاء لنا هو أيضا بأن لايعترض سبيلنا أولاد الحرام .
وداعا جبالة ، مرحبا بالمشاكل
مضيفنا الأخير منحنا بعض الخبز والزيتون وبيضا مسلوقا . أثناء مسيرنا كنت أكثر أفراد المجموعة إقبالا على شرب الماء . طلب ( د ) أن نقتصد في أكلنا وشربنا فهذا الكرم الحاتمي لن نجد له مثيلا في القادم من الطريق . صافي وصلات الرسالة . ( د ) كان يعي جيدا مايقول ، فعند حدود دوار ” تملا ” نكون قد ودعنا المناطق المحسوبة على الجبل ودخلنا إلى المناطق المنتمية إلى الغرب . هذه الدواوير بالذات تشكل مصدر قلق للعديد من الحمالة ، حيث يتحالف سكان الدواوير مع السلطة والدرك وزيد عليهم حتى القطاطعية من اجل الإيقاع بحمالة الكيف والحشيش . أحسست بذلك من خلال تصرفات مرافقي الحمالة . حيث كان أي صوت يصدر من بعيد يقابله الحمالة بتوتر شديد . استمررنا في المسير لمسافات طويلة وبحذر شديد للغاية . ( د ) يعرف تفاصيل المنطقة جيدا ، حيث كان يتوقف في أماكن محددة من اجل أخذ قسط من الراحة واستطلاع أمر الطريق قبل مواصلة المسير . سرنا كثيرا إلى أن بدأت الشمس تدنو من المغيب ، وكنا حريصين على أن لانمر بالقرب من أي دوار . ” يلا شافنا أي واحد من السكان هاد دواور يقدر يعلم القايد والجضارمية ويتبعونا ” ، يعلق ( د ) لكن الأسوأ هو أن تعترض طريقنا إحدى العصابات المتخصصة في سلب الحمالة سلعهم . كانت إحدى فترات الراحة التي أخذناها في الخلاء فرصة مناسبة ليطلعني ( د) على قصص ومغامرات خاض فيها صراعا مع المخزن وقطاع الطرق على حد سواء . أغلب شباب هذه الدواوير بمنطقة الغرب لايتوفرون على مدخول قار ويعتمدون فقط على ماتجود به عليهم الزراعية المعاشية . ولأن ذلك لايسد جميع احتياجاته ، فقد فقد قرروا تشكيل ميليشيات تعترض سبيل الحمالة بعد أن أدركوا أن دواويرهم أصبحت تشكل ممرا لحمالة الكيف والحشيش . يحكي (د ) أن كثيرا من زملائه يحملون إلى اليوم آثار بعض المواجهات مع أفراد هذه العصابات . ” ها اللي مضروب بزرواطة لراسو . هالي لحمو كلو مثقب بجنوي . يستحيل أن تجد اليوم حمالا مافيه إمارة ” . ” وانت مافيك والو ؟ ” ، أسأل ( د ) الذي رد بأن كشف عن جرح غائر يمتد من أسفل جنبه الأيسر إلى منتصف ظهره .
يحكي ( د) بأن هذا الجرح تسبب فيه هجوم إحدى العصابات حين كان رفقة مجموعة من الحمالة . ” كانو بزاف أو غلبو علينا كانو مسلحين كترمنا . غفلني واحد فيهم وما حسيتش كيفاش جاتني الضربة ، حتى شفت الدم كيسيل مني ” ، يتذكر ( د ) ماوقع له قبل حوالي عامين وأضاف : ” الحمية كتغلب السبع كيف كيكولو . سمحنا ليهم في الكيف اللي ثقيل وفلتنا ببعض الكيلوات ديال الحشيش ” .
واش ماعمر طاحت الروح في مواجهات من هذا النوع ؟ ” لحسن الحظ لم تقع أمامي أي حالة وفاة ، لكن صديقا لي أخبرني ذات يوم بأن أحد الحمالة الذي يشتغل لفائدة بزناس آخر لقي حتفه في إحدى هذه المواجهات متأثرا بجراحه ” ، يجيب ( د ) . بدا محدثي متأثرا لهذه الواقعة وهو يستطرد قائلا : ” كان يمكن ليه يعيش لو كانو داوه لطبيب ، لكن صحابو الحمالة فضلوا حمله إلى منزله وتلقي العلاج هناك بدعوى أنه أنه من ذوي السوابق العدلية وأن من شان تلقيه للعلاج في المستشفى أن يثير إنتباه رجال الأمن ومن ثم إلقاء القبض عليه ” . حاولت تلطيف الأجواء بأن مازحته قائلا : ” شفتك ماهز معاك لاسيف لا زرواطة . واش معول علي ندافع عليك ؟ ” . نجحت في انتزاع البسمة من شفتيه ليرد قائلا : ” كون نعولو عليك يهزنا الما ” . ماتخافش السلاح ديما كاين ” . ثم أظهر لي سكينا متوسط الحجم ، وحين انتبه إلى عدم اقتناعي بما يحمله ، ابتسم مجددا وكشف عن سلاحه الخفي الذي كان عبارة عن قارورتين من الكروموجين : ” إلي رشيتو بيها كيطيح قدامي فالحال ، أو كنصدق أنا لي مكريسيه ” . ” واش سبق ليك جربتيها ؟ ” ، أسأل (د) الذي بدا منتشيا بما يحمله . ” طبعا استعملتها ” ، يرد مؤكدا : ” هادا غير شهرين تلاقات لينا عصابة فطريق فدوار الرميلات اللي غادي ندوزو حداه دابا ، كنا خمسة بينا وكل واحد فينا كانو عندو جوج من هادو . والله حتى طيحناهم بحال الدبان وهربنا ” . كان سعيدا بهذا الإنتصار الذي حققه . أما بالنسبة لي فقد عرفت أنني مقبل على المرحلة الأسوأ ، فلا زالت الجملة التي قال فيها ” دوار الرميلات الي غادي ندوزو من حداه دابا ” تتردد في أذني . شعر ( د ) بتخوفي فبادرني قائلا : ماتخافش أنا غادي ناخد وحدة وانت غادي نعطيك وحدة باش تدافع بيها على راسك ” . وزاد قائلا : ” ليست السيوف أو العصي أو حتى الكريموجين وحدها وسائل دفاع الحمالة عن أنفسهم ، فبعض الحمالة لجؤوا إلى إستعمال الأسلحة النارية ” . آش كتكول أسي ، واش كتدوي على السلاح ديال بصح ؟ ” ” طبها السلاح ديال بصح ” ، يرد ( د ) مؤكدا : ” أثناء وجودي في دوار آخر يدعى الخزانة يقع قريبا من دوار تارية صادفت عند الفلاح ثلاثة حمالة كان إثنان منهمم يخفيان بين ملابسهما بندقيتين ، من نوع الخماسية ، هما في الغالب مخصصتان للصيد لكن هؤلاء يستعملانهما للدفاع عن أنفسهما ” . إيوا لاباس ، كلنا ياك مادوي على الكلاشينكوف ولفرادا بحال داك شي ديال كولومبيا .
ليس شبان الدواوير وحدهم من يشكلون خطرا على الحمالة ، فالصراعات بين البزناسة الكبار حول مناطق النفوذ غالبا مايكون الحمالة هم حطبها . كيفاش ؟ ” إذا بلغ الصراع أشده بين تاجرين للحشيش في منطقة واحدة ، فلا يكفيهما محاولة كل فرد منها الزج بالآخر في السجن من خلال الوشاية به ، فقد أصبح بعض البزناسة الكبار يلجؤون إلى اعتراض سبيل الحمالة المشتغلين لفائدة البزناس صاحب دعوتهم . وبالتالي سلبهم حمولتهم من الحشيش والكيف . هاد الشي علاش كتلقا كل بزناس عندو عصابة ديالو ” . يستفيض ( د) في الشرح . إيوا المخزن شنو كيديرو معاه ؟ مرافقي قال لي إن المخزن في منطقة الجبل كيكون مشري وبالتالي يمرون بسلام إلى حدود دخولهم إلى هذه الدواوير : ” في بعض المرات كنتفاصلو مع الجضارمية . يلا مطمعوش بزاف كنعطيوهم شي بركة ديال لفلوس أما يلا بغاو يطبقو القانون ، هاديك الساعة كنديرو معاهم القانون ديالنا ” . يقصد أن الحمالة قد يدخلون في مواجهات في مواجهات مع رجال الدرك إذ اقتضى الأمر . يحكي ( د) إحدى هذه الوقائع قائلا : في ‘إحدى المرات طاردتنا دورية للدرك ، آنذاك كانت الحملة ضد زراعة الكيف والحشيش على أشدها . صعدنا إلى قمة الجبل بعد أن كنا قريبين منهم . تسنينا باش يوصلو علينا ، ولكن بان بلي ماعندهومش مساكن الركابي . وهكذا مرت المطاردة بسلام . ليس في كل مرة تسلم الجرة ، ففي إحدى المطاردات تواجه الحمالة وجها لوجه مع دركيين نصبوا لهم كمينا : أعطيناهم ألف درهم أو كلنالهم خليونا نمشيو ، ولكن مابغاوش . حطينا الكيف أو لحشيش أو كيحساب ليهم استسلمنا لكن كل واحد منا خرج من جنابو سيف وكلنا ليهم يا إما تخليونا نمشيو ، يا إما نوليهم كلنا دم ” .
يستمر مرافقي في الحديث عن هذه الواقعة مؤكدا أن رجال الدرك سلموا بالأمر الواقع وتركوهم يرحلوا بسلام، واقعة طريفة عاشها ( د ) مع أحد رجال السلطة . ” في أحد الدواوير تعقبنا شيخ وحين كنا نرتاح تقدم نحونا وقدم نفسه بصفته المقدم وطلب منا بكل جرأة أن نتبعه إلى مقر القيادة لنسلم أنفسنا للقايد ” . إيوا أشنو درتو معاه ؟ ” حشمت منو أو عطيتو 50 درهم وكلت ليه هاك الوليد تقضا لوليداتك شي حاجة ، خدا لفلوس أو ورنا منين ندوزو ، وحتى هو دعا معانا باش ما يتعرضوش لينا أولاد لحرام ” ، يجيب ( د ) .
سرقنا الحديث وحان موعد الرحيل . بعد قليل سنمر بالقرب من دوار ” الرميلات ” حيث دأبت العصابات على إعتراض سبيل الحمالة . واش ناخذ لكريموجين نديرها عندي ولا بلاش ؟ فوضت أمري إلى الله وواصلت المسير . دابا عاد عرفت الوليد علاش كان كيدعي معايا وكيكول ليا الله يخرج سربيسك على خير .
على سلامتنا
أصبحنا على مقربة من دوار ” الرميلات ” الذي لا يبعد عن مدينة صغيرة تدعى ” حد كورت ” إلا بنحو كيلومترين . كانت أعصاب الجميع مشدودة عن آخرها . حين بدأت خيوط المساء تلتهم قسطا من يوم مشمس طاردتنا فيه أشعة الشمس لتعمق من معاناتنا.خلال طول الطريق كنت أردد مع نفسي : ” هنا غادي يتلاقاونا ” . لم أكن وحدي من كانت تسكنه هذه الوساوس ، أحد الحمالة شدها فيقلبو حتى صبر وأخيرا قالها : ” اللهم ملقاك مع المخزن ولا مع القطاطعية ” . الله يستر منهم بجوج . لم تعد تفصلنا عن آخر نقطة لوصول إلا ساعات قليلة . ركب ( د ) رقما هاتفيا وأجرى اتصالا كان واضحا انه مع البزناس صاحب السلعة . أطلعه على مكان وجود المجموعة . إنتهى الاتصال و ( د ) يردد لأكثر من مرة : ” عنداك يخلينا كنستناو بحال هاديك المرة ” . فضلنا البقاء مختبئين في أحد الأماكن البعيدة عن الدوار في إنتظار حلول الظلام . ” آسيدي اللي خلاتك خليها ” ، هكذا أقنع أحد الحمالين ( د ) بجدوى الإنتظار . عاد ( د ) وركب نفس الرقم وأخبره بأن المجموعة ستنتظر حلول الظلام ثم تنطلق مجددا . إستغل الجميع فرصة نزول الظلام وأخذنا قسطا من الراحة ، وفي واقع الأمر لم نكن جد مرتاحين ، فكان كل فرد فينا مسكونا بوساوس المخزن والقطاطعية . الخوف كاين والجوع حتى هو . تناولنا ماتبقى من خبز وزيتون كنا حملناه معنا من دوار ” تملا ” . مجرد صوت أو حركة بسيطة كان يستنفر حواس الجميع . وأدركت من ردة أفعالهم صعوبة الوضع الذي نوجد فيه . كلما بدا الظلام يزحف تدريجيا ، كلما تضاعف أملنا في النجاة . حلت الساعة الصفر ، التفت إلينا ( د ) وطلب منا الاستعداد للمغادرة . بدأنا المسير بخطوات ثقيلة قبل أن يتحول الأمر إلى ركض . فالحمالة يدركون أن قضاء مزيد من الوقت في هذه المنطقة يعني تعرضهم للخطر . بقينا على هذه الحال مدة من الزمن ، جري وتوقف واختباء بين الأشجار وحقول القصب . في كل مرة كان يتكلف أحد الحمالة الثلاثة بالخروج مستغنيا عن حمولته لإستطلاع الوضع ثم العودة الينا من أجل إطلاعنا عن حالة الطريق . بقينا على هذا الحال أكثر من 6 ساعات . لم أعلم أننا وصلنا إلى المحطة الأخيرة إلا حين أجرى ( د) مكالمة هاتفية مع البزناس ليخبره بأنهم أصبحوا قريبين جدا من المكان .
سألته عن مكان وجودنا فرد بأننا نوجد بالمحاذاة من واد سبو وبالضبط قرب قرية تدعى ” سوق الجمعة ” أخبرني بأن قاربا سينتظرهم من اجل نقل شحنة الكيف والحشيش إلى مكان تخزن فيه داخل هذه القرية ، حيث من هناك يسهل إدخال هذه المخدرات إلى داخل المدن المغربية أو الاقتصار على ترويجها في منطقة الغرب . كان يعني ذلك إيذانا بنهاية رحلتي مع الحمالة . تدبرت نفسي لأصل إلى أقرب مدينة هي سيدي قاسم . كنت منهمكا من شدة التعب والجوع ، لكن تعبي لن يوازي قطعا الحالة التي كان عليها الحمالة ، هم الذين أمضوا يومين مشيا على الأقدام وهم يحملون فوق ظهورهم 50 كيلوكراما من الكيف . فعلا تعب كلها الحياة إنتهى .
بروفيل . غير آجي وكون حمال ؟
هل يكفي أن تتوفر على بينة جسمانية قوية أو تملك عضلات مفتولة لكي تشتغل حمالأ ؟ قطعا لا ، هناك الأهم من ذلك . ويوضحه ( د ) قائلا : ” هذا النوع من الأعمال يتطلب من ممارسيه التوفر على الرجولة والشجاعة وكذلك الثقة ” . ( د ) يشدد كثيرا على عنصر الثقة على إعتبار أن بعض الأفراد اشتغلوا حمالين لفترة وبعد أن كسبوا ثقة البزناس استولوا على بضاعته وتصرفوا فيها لفائدتهم . ” بحال هادو كيتعرفو بالزربة ، وحين يقعون في قبضة البزناس الذي سلبوه بضاعته يؤدون الثمن مضاعفا ” .
اغلب الممارسين لمهنة حمال هم من ذوي السوابق العدلية أو ممن إرتكبوا جرائم وصدرت في حقهم أحكام غيابة طويلة وبالتالي أجبروا على العيش بعيدا عن أنظار العدالة . ليس ذلك فقط ، فغالبية هؤلاء يتحركون بأسماء مستعارة ولا يكشفون عن هويتهم الحقيقية . كيف تتعرف على حمال دون أن تصادفه بحمولته أو يقر لك بذلك . الأمر في غاية البساطة إذا ماعاينت وجود آثار خطين متوازيين في كتفي أي شخص ، فاعلم أن الأمر يتعلق بحمال .
فنتيجة لثقل الحمولة التي يحملها الحمالة والسفر بها طويلا فإن ذلك يترتب عنه ظهور خطين فوق الكتفين .
نقل الحشيش . من الحمارة للطيارة
ليس الحمالة وحدهم من يشكلون الوسيلة الوحيدة لنقل أي شحنة من المخدرات وإيصالها إلى أي مكان. بعض البزناسة يلجؤون إلى إستعمال الدواب في هذا الأمر وخاصة البغال المعروفة بقوة تحملها ، فيما يختار بزناسة آخرون المغامرة أكثر ونقل الكيف والمخدرات بواسطة السيارات . ” في هذه الحالة إما يكون البزناس شاري الطريق أو أنه كيغامر وكيحاول يختار الطريق اللي مايصادفوش فيها المخزن ” .
يشرح ( د ) موضحا . ولأن تجارة المخدرات تدر على أصحابها مبالغ مالية طائلة فقد أصبح كبار أباطرة المخدرات يعتمدون في نقل شحناتهم على الطائرات الصغيرة . وهي طريقة قلما تنكشف إلا في حالة وقوع عطب ميكانيكي. كما حدث قبل شهر حين سقطت طائرة في ضواحي مولاي بوسلهام ، حيث لجأ ربان الطائرة الذي يحمل الجنسية الأمريكية إلى إحراق حمولة الحشيش التي كان ينقلها ، لكنه لم يستطع الفرار لأن سكان المنطقة طاردوه وألقوا القبض عليه وقدموه إلى الدرك الملكي مقيدا . ماشي راك في المغرب كلشي كيخدم .
أسعار . الحشيش والكيف كلها وثمنو
حين رافقت الحمالة خلال هذين اليومين ، ووقفت على حجم المجهود الذي بذلوه من أجل الوصول بشحنة الكيف إلى صاحبها . كان سؤال واحد يتردد داخل رأسي ، شحال كتسوى هاد تمارة كاملة ؟ ربما يكون الجواب صادما للبعض وربما منطقي للبعض الآخر .
بالنسبة لشحنة الكيف التي تزن 50 كيلو كراما والتي كان يحملها كل فرد فإن المقابل المادي الذي سيتقاضاه حين وصول السلعة سالمة هو 2000 درهم لكل فرد . لايهم في هذه الحالة كم سيقضي الحمال من وقت ليصل الكيف إلى صاحبه ، المهم أن لايصل ناقصا ، إما في حالة العكس ، فلن يتردد البزناس في اقتطاع مايعادل قيمة الكمية الناقصة . هذا بالنسبة للكيف ، أما نقل شحنة من الحشيش فالأمر يختلف تماما ف ( د ) الذي كان يحمل 50 كيلوكرام من الكيف سيتقاضى عنها 2000 درهم لكنه سيتقاضى 1000 درهم مقابل نقله ل 5 كيلوكرامات من الحشيش فقط . الحاصول اللي طلبها يطلبها كبيرة وصافي .
أريفينو : جزيل الشكر للزميل مصطفى الوردي على النقل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.