يظلُّ مرضُ السرطان أخطر مرض العصر الحاضر، وكذلك كان في العصور الغابرة، إلا أنَّ الحَديثَ عنه صارَ اليومَ بالصَّوْت والصورة، وصارَ يشكو منه الناسُ في كل مكانٍ في العالم، ويتعرض له الجميعُ، مهما اختلفت أعمارهم وجنْسُهم وجنسياتهم وطبقاتهم وأقدارهم، فكما يصيبُ الفقراءَ يصيبُ الأغنياءَ، بل ويصيب الملوك والأمراء أيضاً، ويصيبُ المساكين المغمورين مثلما يصيبُ الفنانين المشهورين. وقد سمعْنا أسبابَ الإصابة به من أفواه أطباء ومختصين، وذكروا منها التدخين والتلوث والأورام والجراثيم وطبيعة بعض المواد الغذائية المصنعة واختلال وظيفة الخلايا... غير أنَّ سكان الريف في شمال المغرب أضافوا إلى هذه الأسباب (الغازات السامة) التي استعملها المستعمرُ الإسباني في حرْبه مع المجاهدين أيام الاستعمار، وهذه الحربُ مرَّت عليها عقودٌ، والأرضُ تبدلت غير الأرض، والأنهار جرت بمياهٍ جديدةٍ، والهواء تغيَّر أكثر من مرة بتيارات وسُحُب وأمطار متجدَّدَةٍ، فهل يا تُرى ما زالت تلك الغازات باقيةً في الأرض والمياه والهواء؟.. وما زالت تصيبُ الناسَ في صحَّتهم ودمائهم؟ إنَّ هذا السؤال يُلِحُّ عليَّ كلما سمعْتُ متحدثين عن مرض السرطان يذْكرون هذه المسألة، بل ووجدْتُ أنَّ من يتخذون هذه المسألة أهمَّ نقطةٍ عند الحديث عن السرطان، وهم يتحدثون عنها بعصبية وتشنُّجٍ، وكأنهم يُحمِّلون إصابةَ الناس بمرض السرطان للمستعمر الذي رَحل منذ عقودٍ، أو للقائمين على حكم البلاد اليوم، ويطلبون منهم أن يُطهِّروا الريف من الغازات السامة، أو على الأقل أن يقدِّروا ابتلاء الريفيين بهذا القدَر، ويأخذوا بعيْن الاعتبار ثمنَ هذه التضحية! والمُشاهدُ أنَّ مرضَ السرطان منتشرٌ في كل بلدان العالم، بما فيها البلدان التي لم تشهد حروباً، ولم تعرف غازات أو تلوثاً. وأنَّ مناطقَ المغرب نفْسِه، وهي مختلفة، تعرفُ حالاتٍ كثيرةً لضحايا السرطان، لم يتعرض أصحابُها لغازات سامة من المستعمر. فلماذا يجري الحديثُ عن هذه الحادثة الغابرة من تاريخ الريف كلما جرى الحديثُ عن مرض السرطان؟