لعل حياة التشرد والضياع التي تعيشها إمرأة طاعنة في السّن، تسكن في العراء لسنوات طويلة بين أرجاء ساحة "التحرير" وسط مدينة الناظور، تختزن بالتأكيد تفاصيل حكاية قاسية تعذر علينا في جريدة "ناظورسيتي"، الوصول إلى اِستقاء ما من شأنه وضع اليد على رأس الخيط بغية معرفة بعض أجزائها، بسبب انعدام وجود مصدر راوي قد يضمرُ مضمون القصة بأكملها، في حين أن كل الإفادات التي وردتنا بخصوصها، لا تنسج خيوط روايةٍ، بقدر ما تزيد الحكاية حيرةً وغموضا. والواقع أن مجمل ما حاولت جريدتنا الوصول إليه، لا يتعدى كونه معطيات تتعلق بواقع الحياة اليومية لهذه المرأة المتشردة، ما بعد مرحلة اِتخاذها الشارع مسكناً تأوي إليه، بعدما تقطعت بها السبّل، وهو ما يتسنى التعرف عليه بسهولة وبدون أدنى عناء، بمجرد التطلّع إلى تقاسيم وجهها التي اِكتسبت مع مرّ الوقت، بفعل عوامل حياة التيه والضياع والبؤس الموغلة في المأساة، شحوباً وضموراً باديين تكشف بجلاء وبصورة أوضح، عن ألف همٍّ وسرٍّ لم يُرْوَ بعد بلغة صائتة! وملخص ما قيل لنا خلال قيامنا بجولة ميدانية إلى عين المكان، أن المرأة عانقت حياة الشارع منذ ما يربو عن أربع سنوات، وكلّ عتادها رُزمة أسمالٍ رثّة تكاد لا تفارقها، متأبطةً خرقة مهترئة وممزقة تستعملها كغطاءٍ بالكاد يقيها قرّ فصل الشتاء، عساه يبعث في أوصال جسدها المنهك دفئا، أما المأكل والمشرب فإنها تنتظر مَن يجود عليها مِن ذوي الذائقة الأريحية، وهم في الغالب أصحاب المحلات التجارية والمطاعم المجاورة المتاخمة للساحة آنفة الذكر. وقيل أيضا بشأن المرأة التي يبدو أن لا أحد يسأل عنها من أفراد أسرتها إذا ما وُجدوا، أنّها ومنذ حلولها على المكان والاستقرار به، تكاد لم تبارحه إلا لماماً، وحتى إذا ما حصل وغادرته للحظات معدودة، فإنها سرعان ما تعود إلى إحدى زواياه لكي ترتكن هناك، أمّا حركة تنقلها فلا تمتد قطّ إلى خارج دائرة محيط عين المكان، متنقلة من زاوية إلى أخرى وفق ما تمليه أحوال الطقس!، وهي على هذه الحال منذ أمدٍ بعيد.. وتساءَل كل الذين تحدثت إليهم جريدتنا، حول دور المؤسسات الاجتماعية المعنية برعاية العجائز والمسنين، وعمّا إذا تناهى إلى علمها قصة هذه المسّنة التي ما عادت تقوى على العيش في الشارع خلال فصول السنة كلّها، بسبب سوء عجزها البدني وتدهور حالتها الصحية، مما بات لزاماً على الجهات المعنية والجمعيات ودرو الرعاية، التفكير في إيجاد مأوى لها، من أجل اِنتشالها من براثن حياة التشرد، والتنعم بحياة أخرى ربما شاءت أقدار السماء ألا تصوغها على صفحة الأرض بعد.