رُبَّ ضارَّةٍ نافعةٌ! وخيْرٌ من هذه العبارة آيةُ اللهِ (216) من سورة البقرة: «وعسى أنْ تكرهوا شيئاً وهو خيْرٌ لكم وعسى أن تُحبُّوا شيئاً وهو شرٌّ لكم واللهُ يعلم وأنتم لا تعلمون». ومنذ حداثة سنّي ووعْيي، وأنا أؤمن بهذه الآية أشدَّ الإيمان؛ فلا أكره ما يصيبني من حوادث سيئة، ولا أفرحُ بما يأتيني من مكاسب حسنة، وأحمد اللهَ وأشكره في الضراء والسراء. وأعلمُ تمامَ العلْمِ أنَّ ما أصابني لمْ يكن ليخطئني، وما أخطأني لم يكن ليصيبني، وأنني في يدِ الله جل جلالُه، يكلؤني برحمته في الصواب والخطأ، ويجزيني على قدْر صبْري واحتسابي وتوكُّلي. وما جرى لي في هذا العالم الافتراضي ليس بأكبر مما أصابني ويصيبُني في العالم الحقيقي، فقد شهدت أموراً أشدَّ قسوة، وعشتُ حوادث مفزعَةً، ونكبتُ نكباتٍ أليمةً، ومع ذلك لمْ أجزعْ، ولمْ أخنعْ، ولم أقنطْ، ولم أيأس، وفي كلِّ صباحٍ أنفضُ عن جسدي الفِراشَ، وأنهضُ بروحٍ تسعى سعْيَها الواجبَ. وما يلزمُ عليَّ من عملٍ أعملُهُ، وما يجبُ عليَّ من واجبٍ أقومُ به، وما أؤمن به أُبْديه سواء في المحسوسات أو الأفكار. وقدْ تحُولُ حوائلُ بيني وبين المحسوسات، لكن الأفكار هي بناتي أنفقُ عليها منْ حُرِّ عقْلي، ومن خالص إيماني، ومن صدْقِ بوْحي، فأعرضها على الناس كما تعِنُّ لي، مكسوَّةً بأسلوبٍ حريصٍ على الفنِّ، وعاريةً من الزيف والتكلف. فإني لا أجدُ في نفسي حاجةً إلى أن أكتب ما لا أؤمن به، أو لا أشعر به شعوراً قويّاً، ولا أحد يضغطُ عليَّ، أو يفرض عليَّ أن أكتب كما يشاءُ، وإنما أكتبُ ما أشاءُ، وفي نفس الوقتِ أحرصُ على أنْ أعجبَ القارئ، وأنال رضاه، ويجدَ فيما أكتب فائدة ومتعةً. ولعلَّ طريقتي هذه لم تعجبْ بعضَ (الحاسدين)، وغاظهم أن يجدوا في كتاباتي فوائد هم يروْنَها مصائب، ومُتعاً يشعرونَ أنها سيئاتٌ، فعمدوا إلى أنْ يُعلنوا سُخْطهم عليَّ، ويرْموني بأقلامٍ من سجيل، ويرسلوا عليَّ طيراً أبابيل، وقد تزعَّمَهم فيلٌ ذو خرطومٍ طويلٍ، فدَكُّوا صفحتي في (الفيسبوك) دكَّاً، وجاءوا صفّاً صفّاً، وقالوا إني من الهالكين! بذلك أمرْتُهم أحْلامُهم، وكانت أضغاث أحلامٍ، فإني لم أهلكْ على أيديهم، ولم تمسسني حجارتهم بفتْقٍ، ولا طيورُهم بِذَرْقٍ، ولم يهْلِكْني فيلُهم بسَحْقٍ. وما كتب الله عليَّ هو الذي كانَ، وهو أني ما زلْتُ أكتبُ ما أؤمن به، وما زالَ الأصدقاء والصديقات يسألون عني، ويتصلون بي وَجْهاً لوجْهِ.. وأذُناً لأذنٍ.. ورسالةً لرسالةٍ.. ويتمنَّوْنَ عوْدتي إليهم بكتاباتي. وها أنا أعودُ إليهم في موقع (ناظور سيتي)، تحت (شجرة المعاني)، أمُدُّهم كلَّ أسبوعٍ بنَصٍّ يقرأونه، وأرجو أنْ أكونَ عند حُسْن ظنِّهم، أما (الحاسدين) فإنَّ الإثْمَ الذي يحيكُ في صدورِهم لا يُغْني ولا يُفْني. والخيْرُ بيد الله وحده، «وكُلُّه خيْرٌ، فعطاؤه عطاءٌ، ومنْعُه عطاءٌ، وإذا كشف لك حِكْمتَه في المنْعِ؛ عادَ المنْعُ عيْنَ العطاء» كما قال الدكتور "محمد راتب النابلسي". وإلى أسبوع قادمٍ إن شاء الله.