لم استوعب الأمر بعد... ولم أشأ ان امر عبرها منذ الفعلة الشنيعة... 40 سنة تقريبا وأنا امر فوقها بكل الجوارح... وكثيرة هي الأوقات التي قضيتها تحتها رفقة الأصدقاء، نتاملها احيانا ونحن نخوض في نقاشات كثيرة ايام كنا نستمتع بأنشطنا الجمعوية في حضن جمعية آيث سعيذ وثامونيت و و و... كانت ولا تزال قطعة أثرية تتاثث بها ذاكرتي... حضورها الدائم في لاوعيي جعلني اختارها لتصوير مشهد جميل في أحد الأشرطة القصيرة... شموخها كان رهيبا، جمال قوامها... وقفتها... طلتها البهية تشبه كليوباترا زمانها... كانت شاهدة على طفولتي حين كنت اذهب للناظور من اجل زيارة الطبيب او من اجل اجتياز الامتحانات... كما أرخت لشبابي وانا استقل حافلات "بوارضر" ذاهبا للدراسة في المدينة... على ظهرها كانت تتم ارقى اشكال التفاهم والتسامح الانساني حين تتقابل سيارتان آتيتان من اتجاه متقابل فيتنازل احد السائقين للآخر، بكل تواضع، عن حق المرور... صحيح ان الزمن اخذ منها ماخذه... وصحيح أيضا ان حركة المرور المتواترة تتطلب توسيعها... أو بناء أخرى مثلها... لكن أن يتجرؤوا على هدمها ودكها فانهم بذلك يعدمون ذاكرة شعب... انها قمة الوقاحة والاحتقار للذاكرة الجماعية لمنطقة كانت مسرحا لأحداث تاريخية عظيمة... انهم بتدمير قنطرة "شارض" كيرت يدمرون تاريخا طويلا وعريضا بكل ما حمله من مآسي وأمجاد... نعم... لقد فعلوها عديمي الضمير... لقد تطاولوا على موروث عزيز على سكان آيث سعيذ...لقد دمرونا رمزيا... وطعنونا في اعز ما قد يملكه الإنسان؛ تاريخنا... ذاكرتنا التي لا تقدر بثمن... آه كم أنتم اغبياء... كم أنتم بلداء... كم أنتم عديمي الإحساس... كم أنتم لا شيء... ظننتم انكم بهدم قنطرة تكونون قد حققتم إنجازا تاريخيا ولكنكم بذلك إنما دخلتم التاريخ من بابه الخلفي... ودونتم فعلتكم في كتاب أهل القبح والسوء... ولأننا لا نملك شيئا آخر غير التنديد بهذا الفعل الإجرامي، ولأننا لا نقو على اعادة تشييد قنطرتنا الجملية... لا يسعنا سوى أن نستنكر هذا العبث بمعالمنا وهذا الاستهتار بذاكرتنا المشتركة... وان نطلب من المسؤولين إعادة الحالة لما كانت عليه من قبل وجعل قنطرة "شارض" معلمة تاريخية شاهدة على حقبة زمنية غنية بالأحداث... وأيضا حتى لا ننسى أن استعمارا اسبانيا قد مر بين ظهرانينا ذات سنوات وفعل فينا ما فعله.