بعد الترحيب بحضرتك أستاذة بديعة التنوتي، حبذا لو تقدمين نبذة عن نفسك بنفسك؟ بديعة التنوتي ابنة مدينة الناظور، ولدت وتعلمت وترعرعت في أرجائها، والدي هو الحاج محمد التنوتي رحمة الله عليه وعلى جميع المسلمين، وكان عضوا برابطة علماء مدينة الناظور، والدتي عائلة بنطاهر بالناظور، وأصلي من بني سيدال تحديداً ثانوث ن الرمان. كيف اِنبثقت لديك فكرة مغادرة الناظور صوب حاضرة الحمامة البيضاء للاستقرار فيها؟ السبب الكامن وراء مغادرتي الناظور التي تعتبر بالنسبة لي مسقط الرأس والقلب أيضا، يرجع بالأساس إلى كوني تزوجت في سنّ مبكرة، وبالضبط بعد الباكالوريا، قبل أن ألتحق بمركز تكوين المعلمين والمعلمات بمدينة وجدة، ومباشرة بعد تخرجي منه انتقل زوجي إلى تطوان، ليشتغل تاجراً فيها وما كان عليّ سوى أن ألتحق به إلى هناك، فهذا هو السبب تحديداً. هل ما تزالين على صلة بمدينتك الأم، أم انقطع ذاك الشوق والحنين الذي يشدنا عادة إليها، بعد مضي كل هذا العمر بتطوان؟ شوقي وحنيني للحبيبة الناظور لن ينقطع أبدا، بل بالعكس يزيد يوما بعد آخر، فعلاقتي بالناظور علاقة حب متينة مفعمة بالحنين والاشتياق، وأنا ببُعدي عنها دوما ما أناجيها وأمدحها وأشتكي لها مدى صعوبة هذا البعد؛ حنيني لها يخرج بحق على هيئة كلمات، ذات مرة حاورتها وأنا أتذكر معها كل الأماكن التي مررت منها، وكل المدارس التي تعلمت فيها، فانبجست الكلمات على شكل خواطر لا أخفي أن علاقتي بالناظور وبعدي عنها جعلا مني إنسانة ذات حساسية مفرطة، إنني صدقا أبكيها كلما مرّت من أمامي، سواء تمّ ذلك عبر خبر في الإعلام أو عبر لسان لاك إسمها، أما عندما أحضى بزيارتها يبدو أمري غريبا أمام الآخرين، إذ أتوقف عند كل مكان، كنت قد مررت منه، قد أضحك لوحدي كما أبكي أحيانا حين أتذكر والدي رحمه الله والمسجد الذي كان يؤم مصليه. لكن لتطوان أيضا مكانة خاصة في قلبي، حيث رزقت بأبنائي الأربعة هناك، وهناك درسوا وترعرعوا، على العموم نحن مغاربة وكل الوطن وطننا. هلاّ تحدثيننا عن الارهاصات والبدايات الأولى التي تمخضت عنها تجربتك الشعرية.. أنا لا اقول عن نفسي شاعرة، أنا كاتبة، وعلاقتي مع القلم مستمرة أبدا، أتأمل فأكتب، وقد يكون ما أكتبه خواطر، مواضيع اجتماعية، رواية... المهم أخرج مكنونا ما بداخلي، ألم، غبطة.. وأما في الكتابة أحب القلم وهو أيضا يحبني؛ أم عن تجربتي الأولى فهي عبارة عن ديوان اجترحتُ له عنوان "قلوب امرأة". وحكاية هذا الديوان بدات عند مشاهدتي للفيلم العالمي "تيتانيك"، حين قالت البطلة "الروز" وهي عجوز لحفيدتها إن لكل إمراة منا أسرارا تدفن معها، في ذلك الحين لا أعلم لماذا أحسست برغبة التوغل داخل كل قلب امراة فضولا لكي أتعرف على نوعية هذه الأسرار التي تكتمها بين أضلعها وتحكم بشأنها إغلاق صندوق القلب. لقد كان وكان هذا المخاض في البدء، فقد توغلت داخل القلوب، وتوصلت إلى أن المرأة كائن رائع ولكنه أروع حين يحّب، إذ وجدت بدواخلها عالما جميلا، عالما طاهرا، عالما رومانسيا كله إخلاص وتضحية ووفاء؛ فكل قلب ينبض بحكاية أجمل من القلب الآخر، قد تختلف أسباب النبضات من قلب لآخر لكنها تتنفق حول إحساس واحدٍ آلا وهو الحبّ.. كيف ترين ريف اليوم قياسا بريف الأمس، وما هو تقييمك للمشهد الثقافي والأدبي لهذا الربع من الوطن، انطلاقا من تجربة اشتغالك في المجالين المذكورين.. ريف الامس عشت ببن أحضانه، ترعرعت بين أبنائه، ما أجمله وما أروع الانسان الريفي، فمن شيمه الإخلاص والكرم، يمد لك يده وقت الحاجة ومضياف أكثر من اللازم حقيقة.. أما ريف اليوم فأحن له واشتاق إليه صراحة، دائمة السؤال والبحث عن أخباره، أتمنى له مزيدا من التوفيق والسير إلى الأمام، والناظور مدينة ساحلية والأفضل ما يستحقه سكانها الذين يمتازون بذكاء خارق ولديهم طموح، ونظرتهم للمستقبل واضحة يحبون النحاح ويسعون له، لذلك أتمنى لهم التوفيق في حياتهم. ومن ناحية المشهد الثقافي أتمنى من المسؤولين أن يهتموا بالناظور كمدينة لها صيتها، فكيف لمدينة بحجم الناظور أن تفتقد لمعهد موسيقي، لدار سينما، سيما وأنها المتطقة تتوفر على كم هائل من المواهب الشابة الواعدة والطموحة، فقد كان لي شرف اللقاء ببعضهم في برنامج "تينوبكا" أمثال الشاب الموهوب فرس شاكر، الفنان الشامل عبد الحكيم اليعقوبي، المتألق جوهان، الممثلة الموهوبة هيام لمسيسي، الكوميدي المعروف بوزيان وآخرون، انبهرتُ حقيقة بموهبتهم ومازال في جعبتهم الكثير، ونحن نعلم دور الفن والثقافة في التعريف بنا وبتاريخنا، ومسلسل "الوريث الوحيد" خير دليل في هذا الصدد. أستاذة بديعة، أيّ نوعٍ من القضايا الإنسانية والجوهربة التي تشتغلين علبها أدبيا أو شعربا إذا جازت العبارة؟ من أهم القضايا التي أشتغل عليها تتمحور حول المجتمع، فقد كتبت بهد الصدد كتابا لم بنشر بعد، بعنوان "معا من أجل مجتمع أفضل"، أولي اهتماما متزايداً للمجتمع، على اعتبار كونه عنوانا أو بابا لكل مدخل، فإذا عشنا وسط مجتمع سليم سنعيش وأبناءنا يقينا حياة سلبمة دون تعقبدات، ونذهب بعيدا بأهدافنا وقراراتنا، وسنكون بذلك مثالا رائعا كمجتمع نموذجي للبلاد الأخرى. كما أركز كثيرا على مسالة احترام الآخر، اللغز الكببر الذي نعيش من خلاله تعقيدات كبيرة في حياتنا يكون من وراء عدم وجود الاحترام المتبادل للمرأة حيزا كبيرا في موضوعات كتاباتي بالريفية "أشم تمغاث واها" والعربية والدارجة "أمرا اوكان؛ لبنيتة"، ولا أنسى طبعا الرجل أنني ضد اضطهاد الرجل، الرجل هو من علمني أن أعتز بنفسي كإمرأة، واحترم الآخر ويحترمني الآخر أنه والدي رحمه الله.. كما لدي مجموعة قصصية أخرى بعنوان "حب تحت المطر"، إضافة إلى رواية "الوعد الذي طال" لم أقم بنشرهما بعد. ما موقع الريف عموما والناظور تحديدا في أعمالك ومنجزاتك الإبداعية والأدبية؟ للريف مكانة خاصة فيما كتبته، والريف يجري في شراييني، ولقد كتبت للناظوى وناجيته بالقول: إن أجمل ذكريات حياتي فيك يا مدينتي، مكان مولدي وطفولتي، وأيام عمري، اشتاق إليك عزيزتي وإلى أيامك العذبة حبيبتي إنني أحسد كل من يستمتع بجمالك ويعيش بين أحضانك، وأنا أفكر فيك ينتعش قلبي عندما أزورك وال أحب أن أغمض جفوني لاستمتع بجمالك أكثر وأكثر حبيبتي، أحبك.. وكانت هذه بالمناسبة قصيدة بالريفية ألقيتها في دار الثقافة بتطوان، في سياق الاحتفاء بحلول اليوم العالمي للمرأة خلال السنوات الفارطة، هي سبب اشتغالي في القناة الثامنة ضمن برنامج "تينوبكا"، وبحكم عملي في القناة الأمازيغية تعرفت على فئة مهمة من الفنانين الشباب لمدينة الناظور، أُعجبت بهم كثيرا وأحسست بالفخر أكثر لإنتمائي لمدينتي الحبيبة التي من أمنياتي العيش في أرجائها بدليل أنني اشتريتُ منزلا هناك رغم وجود منزل والدي، كما أنني علمت أبنائي التحدث بالريفية رغم نشأتهم بتطوان المبتسمة والجميلة على الدوام. ماذا عن أضمومتك الشعرية الأولى، هل عانقها رقعة واسعة من القراء داخل الوطن، خصوصا وأنها عبرت القارات وتمت تردمتها إلى عدة لغات ديواني "قلوب امراة" طبعته على حسابي الخاص، والطبعة الأولى انتهت وطلب مني أن أطبع الثانية ولم أفعل، لأنني فكرت أن أضيف بعض التعديلات في الصور، أما هو كديوان قد لاق استحسان القراء خصوصا الشباب الشابات في الإعداديات والثانويات، إذ ذات مرة أهديت نسخة لتلميدة باعدادية بالرباط، أعجبت بها جل تلميذات قسمها إلى درجة اجتمعن حول الديوان ذات يوم ودخل استاذ الفلسفة وهو صعب المزاج، استغرب حال التلمبذات المجتمعات في ركن واحد ويتكلمن جميعا وبصوت مرتفع، ذهب إليهن غاضبا وتساءل على ماذا تجتمعن هكذا، أخذ الديوان بعصبية وقرأ العنوان ومعه إسمي، فقال لهن بديعة التنوتي أعرفها هي محاورة في برنامج "تينوبكا" سالها عني وعن الديوان واستلفه منها من أجل القراءة طبعا.. أما عبورها القارات فقد ترجم منه قصيدتان وهما "المغتصبون" وَ "أظن هؤلاء هم نحن".. علاّم تنكبين حالياً لإنجازه في إطار طموحاتك المستقبلية؟ ما أصبو إليه هو أن أكتب مدافعة عن كرامة الانسان عامة، أريد أن يكون لحروفي دور في مساعدة الفقير العاجز المريض الضعيف، أتمنى أن نعيد النظر في إنسانيتنا، إذ علينا التعامل فيما بيننا بإخلاص، أن يعيش الإنسان بكرامة رجلا كان أو امرأة.. أستاذة بديعة نفسح المجال أمامك لقول كلمة حرة.. أولا أشكركم على هذه الاستضافة الكريمة، خصوصا أنكم أتحتم لي فرصة التحدث عن الحميلة الناظور التي لها معزة خاصة ولسكانها الأفاضل في قلبي، وأتمنى لهم التوفيق وللناظور الازدهار والمضي قدما في جمييع المجالات والنواحي، خصوصا مستواياتها الفنية والثقافية..