لغة الصياح... عهر وإسفاف وانحطاط. عندما تابعت ذاك النقاش تحت قبة بلدية مدينتي عبر وسائل الإعلام الجديدة ''اللايف الفيسبوكي" بين نواب ثقافة الصراخ ذوي الصوت العالي .. والخَواء الفكري .. والمستوى المتدني في النقاش ، المتراشقين بألفاظ أطفال الشوارع والمتجاوزين لحدود الأدب واللباقة والمسئولية ،شعرت فعلا بالغثيان... أخطاء كثيرة .. تعابير غريبة وعلى مستويات عدة وصلت حد استعمال عبارات نابية . ضعف كبير في استيعاب الأسئلة ...تقاطعات في الآراء والمواقف والتصورات .. هي أمور كلها مجتمعة لم تسمح لنا بالوصول إلى نتائج محددة ..تلك المتوخاة, يقول علماء الاجتماع " ان قوة الكلمات تفوق أي قوة توصل لها الإنسان كالكهرباء أو الطاقة النووية..." لذلك نجد كلمات الأدباء و العلماء والشعراء والنقاد والمحللين أقوى من أي قوة أخرى.. لكن -وللاسف- الكلمة في مدينتي هي آخر ما يُحترم . مايحدث في مدينتي ، في مجالس واجتماعات بلديتها وجماعاتها من عهر وإسفاف وانحطاط في استخدام الألفاظ يين ممثليها لهو دليل واضح على تدني الكلمة بل و تدني الحوار كله إلى الحضيض ، وضع خلق أزمة أخلاق لديهم، تخبُّط اخلاقي ، نابع كذلك أحيانا من ثقافة الشك والتفرقة والتخوين وصراع المصالح بين الاطراف على حساب المدينة والمواطن التعيس الذي إبتلاه الله بمثل هذه النوعية من السياسيين الذين لا يفهمون ولا يفقهون ألف باء الحوار ومبادئه بل حتى الكلام...او ربما أن ما يفهمونه هو نوع آخر من الحوار.. ومن الكلام ، كلام المراهقين فيه يعلو الصراخ والمرج والهرج والتخبط من البعض بمناقشة أمور تافهة مقارنة بالمصالح العليا للمدينة...وللمواطن.. مما لا شك فيه أن حجم إنتظارات ساكنة المدينة من المجلس كثيرة جدا واكبر مِما يحدث داخل اجتماعاته من نقاشات جوفاء، مجلس يُشْبه مجلس ،لم تتغير تركيبة الجديد عن القديم بشكل كبير باستثناء بعض الوجوه الجديدة والتي تدخل غمار التسيير لأول مرة . وإن عدنا إلى الولاية السابقة ، فلا اختلاف في جوهر الاحداث ، مجلس تخبط ولسنوات في مشاكل عدة ، والنتيجة توقف عجلة النمو بالمدينة، وهو أمر كان محتوما في ظل غياب تام لمشاريع صحيحة ، حقيقية كانت المدينة فعلا في أمس الحاجة لها ، وعلاوة على اهمال المشاريع المنجزة سابقا، وفي امل استئناف المشاريع التنموية المقبلة يبقى الإنتظار وفي كل الحالات هو سيد الموقف. هي تحديات كثيرة ياسادة ياكرام ، تنتظر المجلس الذي تمثلونه ، البنية التحتية بجميع المنشآت والخدمات والتجهيزات الأساسية التي يحتاجها المجتمع .. الرياضة التي اصبحت في خبر كان.. النقل الحضري الذي يعاني بسبب الانفجار الحضري الذي تعرفه المدينة.. الحفاظ على خصوصية المدينة الامازيغية التاريخية..الخ..الخ.. وهي نفسها طموحات وإنتظارات المواطن الناظوري من مجلسه المنتخب هذا دون الدخول في تفاصيل أخرى كثيرة منها تحرير الملك الجماعي المغتصب الذي ادخل جزء منه بين عشية وضحاها وفي غفلة من الشعب ضمن 'الملك الخاص' بفعل عمليات السيطرة والسطو والترامي ، وجزء آخر منه محتل من طرف الفراشة و المقاهي و... ثم انتظارات أخرى من نوع آخر مِن فرْض القانون والصرامة اللازمة مع الشركات التي تحفر الطرقات و الأرصفة وتتركها حفرا وأودية وأخاديد و لا بأس أن نسمي بعضها من باب التذكير، المكتب الوطني للماء والكهرباء واتصالات المغرب ، فمن الجهل بل والبلادة أن تصرف المجالس ميزانية لاصلاح وتعبيد الطرقات ثم تأتي هذه الشركات في اليوم الموالي محملة بالخراطيم والكابلات والاسلاك لتباشر عملية الحفر في استهتار تام بالمواطن والمجالس على حد سواء. هذا ناهيك عن انتظارات أخرى لا تقل أهمية والتي أسالت الكثير من المداد ، وجفت من أجلها حناجر الشعب ، إحداث حدائق في مستوى تطلعات المواطن الناظوري وتوفير ملاهي لأطفال المدينة داخل هذه الحدائق والمساحات الخضراء. هذا هو عمل المجلس وعمل المعارضة وليس ان يتحول المكان إلى حلبة "للملاكمة" واستعراض العضلات والسب والشتم والتهديد والشك والتفرقة والتخوين وصراع المصالح.. هو ثالوث (مجلس،معارضة، مواطن) يجب أن يتحرك في الاتجاه الصحيح ،على المعارضة داخل المجلس ان تتحرك لصالح المواطن من خلال تجاوز القياسات التقليدية بالتصدي والوقوف الايجابي في وجه كل التجاوزات والخروقات التي سوف يكون فيها الناظوريين الخاسرون الاكبر ، ان لم يرعى المجلس ضميره أمامهم وأمام الله ، كما على المواطن من جهته ان يعي بان المجلس اصبح بِشرّه وخيره شاء من شاء وابى من ابى ، مجلسا لجميع الناظوريين وليسا حكرا على حزب او فئة على اخرى. خلاصة الحكاية وللأسف الشديد ، أن تدني الحوار أصبح ثقافة عامة متفشيه داخل مجالسنا الجماعة وأصبح كيل الشتائم والإتهامات سمة الحوار مابين أغلب من يمثلوننا و المؤسف الأكثر في الامور كلها أنها تصدر من أشخاص هم فعلا "يمثلون" الشعب . وطبعا هناك اعتبارات أخرى كثيرة لا يسع المجال لذكرها كلها منها حالة احباط لدى هؤلاء " الممثلين" لعدم وجود انجاز حقيقي في رصيدهم وكذلك غياب الرؤية وغياب التنسيق فيما بينهم , فكلٌ أصبح يغني على ليلاه ، كلٌ أصبح يبحث عن إنجاز شخصي كي يحاكي به ربما قواعده الإنتخابية القادمة ...الامور إذن...نتيجه طبيعيه لحالة الشتات داخل الجماعة خلاصة الحوار... لغة الصياح لا تخلق مشاريع ولا تنجزها .. والمعضلات لا تحل بالعويل والصياح بل تحل بالعقلانيه والحوار الهادئ المنظم.. وأسس الحوار السليمة هي التفكير قبل الكلام والرؤية المدروسة للموضوع الذي يراد نقاشه.. هو ذا ياسادة ياكرام المجلس البلدي لمدينتي ، مجلس يشوبه الكثير من الثغرات، بعضها بسبب غياب الخبرة، والآخر بسبب الخصومات.. أعز وأبقى الله من كانت المدينة همه الأول والأخير...