بدأت بلدية باريس في أول أغسطس/آب الجاري عملية تنظيف واسعة لساحة "لا ريبوبليك" (الجمهورية) وتمثالها الذي صار نصبا تذكاريا يقصده الفرنسيون للترحم على ضحايا الهجمات الإرهابية منذ يناير/كانون الثاني 2015، والتعبير عن حراكهم الاجتماعي المناهض لسياسة الحكومة الاشتراكية مع ظهور تجمع "نمضي الليل واقفين". تحولت ساحة الجمهورية بباريس، مع تكرر الأحداث المأساوية التي عاشتها فرنسا منذ يناير/كانون الثاني 2015، إلى مكان للترحم والذكرى، وصارت تحمل رمزية خاصة في قلوب الفرنسيين لأنها تمثل أمة في حداد تبقى واقفة رافضة الانحناء أمام الإرهاب والعنف، كرمز الحرية "ماريان" الشامخة في سمائها بعلو يفوق 15 مترا، تتوسط الساحة. وصار الباريسيون يتجمعون عفويا بهذه الساحة التي تلتقي فيها الدوائر 3 و10 و11 بعد الهجمات الإرهابية التي شهدتها فرنسا في يناير/كانون الثاني 2015 مع هجوم شارلي إيبدو، حاملين شموعا وأزهارا ومحولين التمثال الذي يتوسطها إلى نصب تذكاري. ومن هذه الساحة كذلك انطلقت "المسيرة الجمهورية" في 11 كانون الثاني/يناير 2015 التي شارك فيها أكثر من 1,2 مليون شخص، تقدمهم حوالي 50 زعيما ومسؤولا أجنبيا. الساحة اليوم، تعيش جوا آخر، فبلدية باريس أطلقت في أول أغسطس/آب عملية تنظيف واسعة للتمثال الذي يتوسطها وسط إجراءات أمنية، حيث تكلفت شركة خاصة بذلك، كما وضعت سياجا حول النصب لتفادي عرقلة العملية. وتفاجأ زوار الساحة وعابريها بعملية التنظيف، خاصة وأن بلدية باريس لم تعلن الأمر مسبقا، كالسيدة ماري التي تشتغل بالقرب من الساحة وتقول "في بادئ الأمر أحببت كثيرا عندما تحول النصب إلى مكان للترحم وتخليد لذكرى ضحايا الهجمات الإرهابية، لكن الأمور ساءت. كانت هنالك كتابات على رأس تمثال الأخوة... أمر جيد أن ينظف التمثال، ولكن ذلك يجعلني حزينة نوعا ما، خاصة وأنهم يقومون بهذا في شهر أغسطس/آب (عطلة بالنسبة لغالبية الفرنسيين) السلطات لا تتحمل قراراتها". نفس الشعور يتملك كريستين وميريال، سائحتان من تولوز ومونبيلييه، فإن كانت الأولى تقول بأنها "حزينة لأن غضب وحزن الناس محفور على هذا التمثال"، ترى صديقتها بأن "الحياة مستمرة...الفرنسيون عبروا عن الألم والحزن بكل ما وضعوه حول هذا النصب، ولكن يجب مواصلة الحياة. وعملية التنظيف لا تعني نسيان كل ذلك. لأنه في ذاكرتنا دوما". عرض المقتنيات في أرشيف باريس وفي اتصال مع فرانس24، أكدت بلدية باريس أنها "لم تقصد التستر على العملية"، بل نشرت بيانا حول جمع الأشياء (من شموع وصور وورود ...) التي وضعت بهذا المكان للذكرى. ونقل موقع "بازفيد" عن سلطات الدائرة العاشرة، بأنها تعطي أهمية خاصة لهذه الشموع والأزهار والرسائل والصور... التي وضعت بالمكان، وسيتم عرض بعضها في مقر أرشيف باريس ومتحف "كرنفالي" بباريس. ونصبت السلطات الفرنسية لوحة تذكارية بالقرب من تمثال الجمهورية في 10 يناير/كانون الثاني الماضي، أزاح الستار عنها الرئيس الفرنسي وعمدة باريس في افتتاح الاحتفالات المخلدة لذكرى ضحايا هجمات كانون الثاني/يناير 2015 التي نفذها ثلاثة مسلحين وأسفرت عن مقتل 12 شخصا في مقر أسبوعية "شارلي إيبدو" في ضاحية باريس، وأربعة رهائن يهود في متجر يهودي، إلا أنه لم تنصب حتى الآن أية لوحة لتخليد ذكرى ضحايا هجمات نوفمبر/تشرين الثاني 2015 التي قتل فيها 130 شخصا، في أكثر الهجمات الإرهابية دموية في تاريخ فرنسا. وحسب بلدية باريس، فإن الأمر رهن الدراسة مع عائلات الضحايا والجمعيات. ويشير تمثال الجمهورية إلى الجمهورية الثالثة التي قامت عام 1870 بفرنسا، والتي سميت الساحة على اسمها بعد ذلك، وصممه الأخوان موريس (فرانسوا شارل و ليوبار) في الفترة ما بين 1880 و1883. التمثال مصنوع من الحجارة والبرونز، يبلغ علوه 15.5 مترا، ويجسد "ماريان" التي ترمز إلى الجمهورية الفرنسية واقفة تتوسط ثلاث شخصيات جالسات (الحرية والمساواة والأخوة). عن فرانس24