شهد ويشهد الريف هزات أرضية قوية منذ شهرين وأكثر، وفي إحصاء للمعهد الجيوفيزيائي الاسباني فعدد الهزات بلغت منذ 21 فبراير الماضي أكثر من 1700 هزة، ويؤكد الخبراء في هذا المجال أن المنطقة من المحتمل أن تعرف هزات أرضية أكثر قوة في قادم الأيام كونها تقع على خط زلزالي نشيط، والمتتبع لما يقع في الريف من هزات ارتدادية سيلاحظ أن هذه الأخيرة تزداد شدتها كما أن مراكزها تقترب من اليابسة شيئا فشيئا. إن الذي يعيش ويتعايش مع هذه الهزات بكل تفاصيلها الدقيقة يوميا؛ بدءا بالصوت الذي تصدره الأرض والجدران وكذا حركاتها الأفقية والعمودية، سيسكنه الهلع ويسيطر عليه التوتر العصبي ويعيش في دوامة خوف لا متناهية، علما أن جل الساكنة ما زالوا يتذكرون فاجعة زلزال الحسيمة يوم 24 فبراير 2004 الذي خلف آلاف الشهداء والجرحى، فكم من شخص يهتز به كرسيه يخال إليه أنها هزة أرضية وتراه راكضا خارج المنزل (هذا أمر طبيعي ما دام الفرد يعيش في كابوس منتظرا رقصة الأرض). إن ما سردناه أعلاه كلها ظواهر طبيعية لا يمكن لأحد منا أن يتحكم فيها ولا السيطرة عليها، لكن عندما تختزل الدولة كل ذلك في ثواني معدودات بالاكتفاء بنشر خبر يتيم حول هذه الهزات على قنواتها الرسمية فتلك هي الطامة الكبرى؛ فكيف بدولة تسهر على حماية مواطنيها أن تتركهم فريسة للزلزال دون سند أو معين؟ لن أتطرق إلى هذا الموضوع، فأكيد أن هذا الأخير سيسيل الكثير من المداد إن تحدثنا عنه وعن غيبوبة الدولة المغربية واستهتارها في التعامل مع هذا الملف. بل سأحاول التطرق إلى تبعات هذه الهزات على الصحة النفسية للفرد وخاصة الطفل. إن صور تلاميذ الريف التي انتشرت في المواقع الاجتماعية وهم يبكون حالهم جراء هزة أرضية صادفتهم وهم داخل الفصول الدراسية ذات عشية، وسيارات إسعاف وصفارات إنذارها لنقل تلميذات أغمي عليهن نتيجة الصدمة، صور وغيرها ستضل راسخة بكل حمولتها في أذهان رجال ونساء الغد. من المعروف أن الزلزال لا يمر مرور الكرام على الأطفال الذين عايشوه، بل يثير في أذهانهم العديد من التساؤلات المستعصية ويزرع فيهم الخوف والقلق، يجعلهم تائهين في كوابيس سواء أثناء النوم أو اليقظة على حد سواء، بل الكثير منهم يرفضون النوم داخل المنازل خوفا مما يخشاه الكبار أيضا، ويكون التعامل مع الأطفال الذين يدركون ويحسون بالهزات الأرضية أصعب بكثير؛ طفلة تتساءل "كيف بالله أن ينزل تحت الأرض ويزلزلها هكذا؟" وآخر ببراءة يتساءل "هل حقا سنموت جراء الزلزال؟"... تكثر التساؤلات التي يطرحها الآباء والأمهات، وكذا المهتمين بهذه الفئة العمرية من أساتذة ومربين؛ كيف السبيل لشرح أسباب الزلزال للطفل؟ وكيفية حدوثه؟ ويبقى السؤال الأهم الذي يضاجع الذهن؛ كيف نخفف من تأثير هذه الهزات الأرضية على الصحة النفسية للطفل حتى لا تنعكس عليه؟ إن الطفل يعبر عن خوفه بطرح أسئلة – في بعض الأحيان تعجيزية – تجعل متلقيها في حيرة من أمره ولا يدرك طريقة للإجابة عليها ويكتفي ب "هذه مشيئة الله"، لكن هذا الأخير ليس بجواب كاف وشاف للطفل. هذه الأسئلة التي يطرحها فلذات الأكباد بإمكانها أن تعمل على التخفيف من قلقهم وإعادة الطمأنينة والأمان إليهم إن تم التعامل معها بكيفية صحيحة واستحضار مختلف جوانب شخصية الطفل. إذن يجب استغلال هذه النقطة (الأسئلة) وفتح حوار و'نقاش' معهم ليطلقوا العنان لتفكيرهم والتعبير عن ما يخالجهم من مشاعر والعمل على توجيهها توجيها صحيحا مع محاولة توضيح ولو بسيط للموقف الذي يعيشه الطفل أثناء الهزة الأرضية وما يصاحبها من ردود أفعال (صراخ، الهروب من المنزل، هلع...)، فهذه هي اللحظات التي يحتفظ بها الطفل في ذاكرته، فإن تُرك هذا الأخير دون إيضاح لما شاهده وسمعه فسيزداد أثر ذلك في نفسيته. إضافة إلى ذلك؛ الحرص على عدم ترك الأطفال وحدهم يشاهدون التلفاز، فالعديد من سلسلات الرسوم المتحركة تتناول الزلزال ضمن حلقاتها وبكيفية مدمرة، كما أن الأخبار يمكن أن تحمل في مضامينها تقريرا عن زلزال وقع في دولة ما وما يصاحب ذلك من صور لانتشال الضحايا من تحت الأنقاض، كل هذا سيزيد من رسم تمثلات (ربما أكثر مبالغة) في ذهن الطفل وهذا سيؤدي به إلى مزيد من الخوف والقلق. لردة فعل الأسرة وخاصة الوالدين ولسلوكهما أثناء الهزات الأرضية دور كبير في التخفيف من خوف أطفالهم أو العكس، لذا فمن الضروري أن يبذل الراشدون في الأسرة جهدهم للمحافظة على هدوئهم وتجنب التوتر وعدم إظهار خوفهم من الزلزال، إضافة إلى العمل قدر الإمكان على تهدئة وتلطيف الأجواء حتى لا يتسنى للطفل ملاحظة القلق والهلع بين أفراد أسرته، وعلى هذه الأخيرة أن تبين لابنها عن مدى تفاؤلها بنهاية هذه الهزات وقدرتها على تجاوز هذه الظاهرة الطبيعية. ولزرع الأمل والأفكار الإيجابية في أذهان الأطفال، يقترح المختصين في هذا المجال أن ينعم الطفل بوقت كاف للعب خاصة خارج المنزل، لما لهذا (اللعب) من آثار إيجابية في التخفيف من القلق والتوتر، كما أنه كفيل بتفريغ الشحنات السلبية المتراكمة في نفوس الأطفال نتيجة ما يعيشونه أثناء الهزات الأرضية وتبعاتها. كما أن للمدرسة دور كبير في التخفيف من المعاناة النفسية للأطفال بانكبابهم على التحصيل الدراسي الذي يبعدهم عن التفكير في هذه الهزات، وسيكون لمدارسنا دور أهم لو تم استقدام الأطباء النفسيين إليها للوقوف على المشاكل والاضطرابات النفسية عند هذه الفئة العمرية نتيجة ما يعانونه مع كابوس الزلزال، ومن الضروري كذلك تخصيص حصص للإجراءات الوقائية وكيفية التعامل أثناء حدوث الزلازل سواء بالمنزل أو داخل قاعة الدرس من خلال تعليمات يتلقوها التلاميذ من طرف أخصائيين في هذا المجال، لتجنب ما عيناه يوم حدثت هزة أرضية تزامنت مع وجود التلاميذ بمدارسهم حيث عرفت هذه الأخيرة فوضى عارمة وتدافع بين الطلاب وهناك منهم من فضل القفز من الطابق الثاني لاختصار المسافة للهروب من جحيم الأسوار؛ أحداث نتج عنها إغماءات وإصابات بين صفوف هؤلاء التلاميذ. في انتظار أن تقوم 'الدولة' بما عليها اتجاه هذه المنطقة وساكنتها للتخفيف عنهم من معاناة الزلزال وما يتبعه من آثار نفسية على صحة الفرد، نطلب وندعو خالق هذا الكون أن يلطف بنا ويحمينا من جميع الكوارث الطبيعية منها والسياسية.