من المعلوم أن الآلاف من المهاجرين السوريين الذين نزحوا عن ديارهم فارّين من الحرب الأهلية الطاحنة بين فئات عريضة من الشعب، والنظام الدموي المتغطرس الذي يشن حربا بالوكالة ضدّ رعاياه، آثَرَ غالبيتهم اِستوطان الشتات على هوامش بلدان الناس في كل الجهات الأربع للعالم، على المكوث في مَوْطنٍ تحوّل إلى قطعة جغرافية مشتعلة على الآخر. ضمنهم المئات نساء ورجال وعجائز وأطفال ممّن يتواجدون بمدينة الناظور، بإعتبارها قنطرة العبور ما قبل النهائية نحو الثغر المحتل "مليلية"، لوضع الرِّجل على قارعة طريقٍ آخر للوصول إلى حيث يتسنّى للمواطن السوري المكلوم الذي اِضطرته ظروف بلاده، إلى عيش الضنك ومفارقة الأهل والأحباب وفلذات الأكباد، لعق جراحاته المثخنة على مهل، عساه بقدرة قادر تلتئم وتستمر الرئة في استنشاق هواء نقيّ بطعم الحياة رغم الندوب التي لا ولن تمحى إلى أن تدفن تحت الثرى مع صاحبها.. فما كتبنا لأجله تحديدا، هو هل للناظوريين القابلية والإستعداد، كي يوقدوا جذوة التضامن والتعاضد من جديد، بعدما إنطفأت شعلة مشاعرهم ولم تعُد كما في سابق عهدها، إزاء السوريين المقيمين بين ظهرانينا كرها واضطرارا؟ هل يمكن للناظوري إعادة صياغة أحاسيسهم تجاههم وهُم عابروا سبيل ومكوثهم مؤقت ليس مؤبدا؟ كنّا صراحة نتمنى لو رأينا تنظيمات المجتمع المدني خرجت إلى الساحة بعد تكثيف جهودها وبعد وضع خطة إجتماعية إستراتيجية بهدف اِحتواء هذه الفئة الهشّة التي تعاني كل صنوف الويلات والمآسي والتآكل من الداخل، بدءً بقلّة ذات اليد بعدما أنهكها الخراب والدمار، ومروراً بالسفر والإرتحال ، وانتهاءً بما إقاماتها الجبرية بمحطات الطريق التي تتحتّم صرف دم القلب، من أجل إمتصاص ولو بعضا من معاناتها. لكن ما رأيناه مقابل ذلك كلّه، شهادات مؤثرة وصادمة للسوريين نقلناها أمس البارحة على موقع "ناظورسيتي" وهم يقرّون خلالها أنهم يعيشون مثل الكلاب الشاردة عبر أزقة وشوارع مدينة الناظور وبلداتها الضاحوية، متقدين للدعم والمؤازرة والتضامن والتعاضد معهم في محنتهم، فهل وصل الجفاء بالناظوريين إلى هذه المستويات الخطرة؟ حيث ما عادوا يعيرون إهتماماً للجراحات بشتى أشكالها المعروضة على أروقة الشوارع وفوق الأرصفة دون أن يكون متضامنا على الأقل كأضعف الإيمان؟ إنه عيد الأضحى ما حلّ اليوم، والعيد أيامٌ مباركة عند مجتمعاتنا لرمزيته الدينية، مباركة بمعنى ينبغي أن يغلب عليها طابع التآخي والمحبة ونبذ المشاعر السيئة أكثر من النفور والعداء، لذلك هي محطة لمراجعة الذات من أجل إعادة صياغة المشاعر من جديد وتوجيهها، كما أنها مناسبة لمشاركة جميع الإخوة من جلدة الإنسانية، فرحة العيد.