الملاحظة التي يمكم تسجيلها حول أداء مجلس الجالية المغربية بالخارج، هي أنه يهتم بشكل كبير إن لم نقل متزايد بالوضعية الدينية لمغاربة الخارج. بصفتكم أمينا عاما للمجلس، هل يمكن اعتبار ذلك يدخل في إطار تصحيح الصورة النمطية التي تعطى للإسلام في أوروبا؟ أم أن لذلك أسباب أخرى؟ أولا الإهتمام بالشأن الديني لمغاربة أوروبا بندرج ضمن اختصاصات المجلس استنادا إلى الظهير المنظم له، والذي ينص في أحد بنوده على الاهتمام بالهوية، خاصة فيما يتعلق بتعليم الثقافة المغربية، بما في ذلك العربية والأمازيغية والتربية الدينية، ويعتمد المجلس في عمله على الإنصات إلى الجالية المغربية وإلى همومها وانتظارتها وإلأى حاجياتها. ثانيا عملنا يقوم على المتابعة لاعتبار أن المجلس مؤسسة للاستشراف، إذن المجلس يتابع ويحلل وينصت إلى الجالية المغربية، وقد لاحظنا أن أحد المطالب الأساسية التي تنتظرها الجالية هي المرافقة الروحية والتأطير الديني وخاصة الاهتمام بالأجيال الصاعدة أخذا بعين الإعتبار أن هؤلاء الشباب يحسون بخطر يهددهم، إذن هناك إلحاح من طرف الجالية المغربية بالاهتمام بالشأن الديني. وعندما نقوم بتحليل هذه التوجهات، نلاحظ أن الشأن الديني أصبح يحتل مركز الصدارة في الاهتمامات المجتمعية للدول الأوروبية، لدى الحكومات ولدى الشعوب وداخل مراكز البحث، إذن لا شك أننا مضطرين لإيلاء الأهمية للشأن الديني وهذا الباب، في كل الدول الأوروبية نجد ضمن أجندتها موضوع الإسلام، أيضا التطورات الحاصلة في المجتمعات الأوربية، خاصة مع صعود اليمين المتطرف الذي يجعل من الإسلام هدفا له، فإننا نحاول من جانبنا أن نعمل على تلبية رغبة وانتظارات الجالية المغربية في ميدان التأطير الديني والاهتمام به ومدارسته، بالإضافة إلى فهم توجهات الحكومات الأوربية في هذا الصدد، ولكن أيضا مواجهة دعوات اليمين المتطرف والاسلاموفوبيا، على اعتبار ان المغاربة كمسلمين، هم الجالية الأكثر تشبثا بالدين الإسلامي في أوربا، والمساجد الموجودة في هذه القارة أكثر من 50 في المائة منها هي مساجد مغربية وهناك بعض الصور السلبية التي تنشر على الإسلام، وهناك بعض الصور السلبية أيضا التي تقدم عبر سلوكات بعض المسلمين، إذن من هذا الجانب نهتم بهذه القضية من أجل تصحيح الصور النمطية للإسلام في أوبا، وقد نشرنا كتابا حول الاسلاموفوبيا، أضف إلى ذلك أن أوربا تعتبر سوقا دينية كبيرة، هذه السوق يعرض فيها ماهو مرتبط بثوابتنا الدينية المغربية وما هو مناف لها تماما. نشير في هذا الصدد إلى أن الشباب القادمين من بؤر التوتر هم هدف للدعايات المغرضة التي تقدم الإسلام بشكل غير أصيل وغير حقيقي ولا صلة له بهذا الدين أصلا، ولهذا نسعى إلى طرح، هذه البضاعة التي هي النموذج المغربي في السوق. لكن المسألة ليست سهلة كما يمكن أن يعتقد كثيرونن لأن هناك متاوئين لهذا الغرض، أيضا هناك أحداث وعناوين بارزة تعرفها أوروبا لحدث "شارلي إبيدو" مثلا، الذي يمكن أن ينعكس سلبا على أي مبادرة من قبيل ما يسعى إليه المجلس، ما رأيك؟ المجلس لا يشتغل لوحده في هذا الجانب، بل يشتغل إلى جانب المؤسسات المغربية الأخرى كوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومؤسسة الحسن الثاني، والمجلس العلمي الأعلى، والمجلس العلمي لمغاربة أوروبا، وهذه هي الأدوات التنفيذية لما يصطلح عليه بالسياسة العمومية في الحقل الديني، وعلى الرغم من الصعوبات التي ذكرتموها، لا يمكن أن نبقى مكتوفي الأيدي، ونحن عازمون على الاستمرار في هذا العمل من أجل مواجهة سواء المد التطرفي الذي يستهوي الشباب، أو الدعوات المرتبطة بالاسلاموفبيا التي تأتي من بعض شرائح المجتمع والتي لا يمكن السكوت عنها، وهي مرتبطة وتغذي بعضها البعض، وأن هناك انتظار حقيقي للجالية المغربية في هذا الباب، فلا بد أن نشتغل على المجال الديني. وقد خصصنا أربع مؤتمرات لمسألة الإسلام في أوروبا وهي مؤتمرات جوهرية تعالج القضايا التي نتحدث عنها الأن، مثل قضية تدين الشباب وتكوين الأئمة والعلاقة مع المجتمع وقضية المرأة وحضورها في فضاء الاسلام الأوربي، وقضية الكتاب الذي يعرض في السوق الأوربية حول الإسلام، وأخرها هذه المبادرات نظمنا ورشة كبيرة في مراكش للأئمة، استخرجنا من خلالها مجموعة من المواضيع التي سنشتغل عليها مستقبلا من أجل ملء الفراغ الموجود الأن واشتغلنا أيضا على خلق شبكة للتواصل الاجتماعي بين الأئمة. قبل قضية الأئمة يعتبر العديدون أن المجلس يهتم بالجانب الديني على حساب قضايا أخرى، تهم المعيش اليومي لمغاربة الخارج؟ المجلس يشتغل بنوع من التوازن، لأن اهتمامه لا ينحصر في المجال الديني، بل هناك مجالات أخرى مرتبطة بالحياة اليومية للمغاربة المقيمين بالخارج، ولكن المشاكل المرتبطة بالدين وبالتدين هي على رأس مشاكل المغاربة هناك، باعتبار الاضرار الملحقة بالصور الجماعية للمغاربة المسلمين، وبالتالي حتى الحقوق الأخرى ستتأثر إن لم نصحح الصور النمطية، فالشباب سيعانون وسيواجهون مصيرا صعبا بسبب الصور السلبية التي ألصقت بدينهم. إذن السؤال المطروح هو كيف يمكن نزع فتيل الصراع الذي يراد له أن يكون بين المسلمين والغرب، لأن الصور النمطية للإسلام الموجودة في أوروبا وقضية التطرف والإرهاب تؤثر سلبا على جميع الحقوق؟ نحن نشتغل على هذا الأساس، ولكن بالموازاة نشتغل على جميع الملفات، منها الثقافية والمرتبطة بالكفاءات المغربية والمرأة والشباب والتحويلات المالية. ونحن كمجلس لا يمكن أن نشتغل على موضوع واحد فلدينا ست مجموعة تمثل 1/6 من مجموع هذه المجموعات، وكمثال على ذلك، في الشهر الماضي نظمنا لقاء خاصا بالكفاءات المغربية في إسبانيا، وأصدرنا كتابا في هذا الموضوع، كما أصدرنا كتابا جديدا حول الكفاءات المغربية في إيطاليا، وحاليا نشغل على اصدار كتاب يتعلق بالهجرة المغربية عبر التاريخ ومن أهداف هذا العرض طرح قضية الهجرة كظاهرة إنسانية عكس ما يقول به اليمين المتطرف لأن الهجرة في الأول والأخير تشكل قيمة مضافة، لا من جهة المجتمع التي تقيم فيه ولا من ناحية البلدان المصدرة لها بالنسبة لمسألة الأئمة هناك من يقلل من أهمية هذه المبادرة ويعتبرها دون جدوى بمبرر أن غالبية الأئمة الذين يلتحقون بأوروبا لا يتقنون اللغات الأجنبية؟ بالنسبة لبعثات الأئمة، فإنها بدأت في المغرب لأكثر من عشرين سنة، فالأئمة الذين يبعثون خاصة للتأطير في رمضان، لابد أن يتقنوا اللغات الأوربية، وأنا شخصيا مع هذا التوجه والمجلس قال بذلك منذ 2009، وفي لقاء مراكش وقد تكفل المجلس بتعليم اللغات الأوربية للأئمة حسب البلدان التي يقيمون فيها، ونحن الأن في إطار إنجاز شراكة مع معهد guruthtd في ألمانيا، أيضا شراكة مع جامعة أمسترادم من أجل احداث برنامج لتعليم اللغة والثقافة الهولندية للأئمة المقيمين بهولندا. الشباب من أصول مغربية لا يتقنون اللغة العربية بشكل مضبوط فإما أنهم يتقنون اللغة الهولندية أو الأمازيغية خاصة بتعبير "تاريفيت" وشخصيا لاحظت أن البعثة المغربية إلى هولندا في هذا الشهر وعددها 25 إطارا دينيا، لا أحد فيها يتحدث ب"تاريفيت" على الأقل من أجل التخاطب مع الشباب، بالنسبة لي لابد أن نعيد النظر جذريا في البعثات العلمية، لأنها وجدت في زمن تميز بحيثيات تختلف عن الحيثيات التي نوجهها الأن، أنا مع إتقان اللغات الأوروبية من طرف الأئمة، أيضا إحداث تكوينات لهؤلاء الأئمة لكي يعرفوا الوضع الحقيقي والوضع المجتمعي والأسئلة المطروحة في المجتمعات الأوروبية. إذ لابد من نوع من التقويم والتقييم لهذه التجربة بما لها وما عليها، ولا شك أنها مفيدة، والمغرب يبذل مجهودا كبيرا وأيضا خزينة الدولة تتحمل عبءا ماليا كبيرا.