تعوّدنا على مُشاهدةِ دُور الصّفيح، والبيوت المُشيّدة بالقزدير في عددٍ من المدنِ بالمغرب، أمّا بمدينةِ النّاظور، وقرب (الكورنيش) بالتّحديد، فقدْ اتّخذ بعضُ من لم تَجُدْ عليهمِ الحياةُ ببيوتٍ محترمةٍ، أنابيبَ للمياه للإيواءِ وقضاء لياليهم، في مشهدٍ نادر ينمّ عن بؤس وشقاء شريحة مجتمعية لا شيءَ لها في هذه الحياة. يُصادفُ المتجوّل على امتدادِ ذات المتنفّس البحري، هؤلاءِ وقد استعانوا ببعض الأقمشة لستر هذه الأنابيب المائية التي تحوّلت إلى ما يشبه أسرّة، فيتأكد في نفوس النّاس أن دور القصدير أرحم مقارنة مع أنابيب ضيّقة لا تتّسع سوى لمدّ الجسد على امتدادها القصير طلبًا لفسحة راحة بخلت به مآوٍ أخرى. لا يعلمُ أحدٌ إن كانَ هؤلاء من المهاجرين السرّيين المنحدرين من دولِ جنوب الصّحراء الّذين يتّخذون من الغاب أو الجبال بيوتًا لهم ومآويَ، ولا من اللاجئين السّوريّين الذين خوّلت لهم القوانين الدوليّة الإيواء في فنادق البلد الذي يتواجدون فيه مثلهم مثل باقي المواطنين، لكن مؤشّرات كونهم مواطنين مغاربة أصليّين واردٌ. وفي الوقتِ الذي لا يتوانى عدد من المتشرّدين الذين يكثرون في هذه المدينة وبني أنصار خاصّة، عن النّوم على الأرض والتحاف السّماء، فإن بعض العمّال البسطاء المهضومة حقوقهم لا يختلفون عنهم إلّا في كونهم يستيقظون باكرًا لمزاولة عملهم بعد أن يقضوا هم الآخرون ليلتهم قرب ورشة عمل دون أدنى احترامٍ لقانون الشّغل، وقبله قانون الإنسانيّة.