حينما يجوب المرء شوارع هذا الوطن العزيز، يصعب عليه إيهام نفسه ، أننا شعب الكرم والضيافة ..شعب متضامن تسوده قيم التآخي والتضامن..فنحن لا زلنا بعيدين عن هذا المنحى الأدمي السليقي ، بعيدين كل البعد عن قيم التآزر ومواساة الآخر . مجتمعنا تتخلله ارتدادات فكرية من المنظور الفلسفي أولا، حيث مُست كل المجالات وصارت الأمور مرهونة بالرياء. لو كنا حقا بلد الكرم ، بلد الإيمان بمبادئ قيم التكافل الإجتماعي ، تترسخ فيه صيفا وشتاءا ، لأتضح ذلك جليا على الأقل في شهر رمضان الأبرك ، حيث الفقراء في أمس الحاجة لمن يمدهم بمساعدات ، في أمس الحاجة بمن يحس بعوزهم ومعاناتهم ، لكن لاحياة لمن تُنادي ..لا حياة لمن يملكون أموال الدنيا ويتغنون بها ويشترون مايشتهون ، فيما يغيب الفقير من دوامة التفكير ، وهو الذي يتجرع حر الشمس في فصل الصيف ، مُستلق يمد يده أملا في نيل دريهمات تخول له اقتناء جرعة ماء ورغيف خبز.. الديماغوجية السائدة في هذا البلد الحبيب، فندت كل أشكال التضامن في شتى المجلات ومعظم الأوقات ومختلف المناسبات .. شهر رمضان الكريم الذي من المفروض أن تسوده قيم التضامن والتفاضل صار كغير الأيام ، صار الغني فيه يقتني ما اشتهت عيناه غير آبه بجاره الذي يبكي آلما .. قديما ، كان الناس يتضامنون بينهم بدون تباهي ، يتشاورون في كل الأمور الخاصة والعامة ، يتضامنون بتلقائية ضد أعداء الدين والوطن ، ضد الكوارث الطبيعية ، ضد الفقر ، ضد الجوع... وبلا رياء ..حينها كان التضامن والتكافل بين مختلف شرائح المجتمع يثمر ثمارا طيبا يعود بالخير على البلاد رغم ضعف الإمكانات. أما الآن ، فصار التضامن عبارة عن هبات ومساعدات، عبارة عن قفة موسمية للفقير يُحيط بها الصحافيون من كل حدب ، لتصير مسألة سياسية ممنهجة الغرض منها التمهيد لنيل شيئ ما ، إلا من رحم ربي... إن التضامن والتكافل والتآزر ثقافة إسلامية شاملة وعامة ودائمة تهدف إلى إسعاد الإنسانية يعم خيرها كل الناس إذا ما صادقوا الله والوطن وتضامنوا وتعاونوا وتشاوروا ، وإذا فرطوا في شيء من هذا تولاهم ربهم بعقابه الشديد فلا تستجاب دعواته.