بساحة الشبيبة والرياضة وسط مدينة الناظور، تربض صومعة بيضاء باهتة اللّون، لا يكترث لوجودها أحدٌ، وكأنها حطام إسمنتي مهمل لا يلتفت إليه نظر، بالرغم مما يكتنفها من حمولة رمزية يكمن فيها جزءٌ من تاريخ المنطقة الذي يروي عن نفسه تلقائيا، بما أن المآثر تدوين للتاريخ ولكن بصياغة الإسمنت والحديد، وقد إستطاعت أركان هذه الصومعة وجدرانها الصمود أمام صلابة الزمن منذ عقود خلت، مع أنها رزحت في صمتٍ تحت وطأة عوامل الطبيعة وما طالها من قسوة إهمال البشر. وفعلا، فقد شكلت الصومعة البيضاء طيلة حقبة زمنية بحالها إحدى أبرز معالم المدينة، إذ ظلّت من المآثر التي تشهد على عهد الإستعمار الإسباني بالمنطقة، حيث كان مبنى هذه المَعْلَمة وفق ما يسرده المعاصرون لتواجد جحافل عسكر فرانكو بالريف، يُستخدم آنذاك كموضعٍ للرّصد الحربي، أو ما يصطلح عليه بلغة الضاد "الناظور" أيْ موضِع تثبيت آلية المِنظار لرصد تحركات العدّو. ولعل بعضاً ممن يتحدرون من الناظور، من أبناء جيل الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، يستحضرون وبصورة أوضح غير مضبّبة، كيف كان الشبّان حينئذٍ يصعدون إلى أعلى مبنى الصومعة، حتى ومن دون سلالم للإرتقاء إلى السطح، معتمدين على تسلق الحيطان عبر ثقوب جرى حفرها من الداخل، من أجل نصب الفِخاخ في طريق أسراب الحمام والطيور التي كانت على أشكالها تَقَع في قبضة المصائد، كما يستحضرون مشهد اللقلاق العملاق الذي شيد له في قمة البرج عشا واستوطنه سنوات وحيدا إلى أن اختفى فجاءة عن الأنظار. وحتماً يتذكر هؤلاء أيضاً، كيف اُستغل هذا البرج التاريخي، لردحٍ من الزمن، من قِبل بعض المتسكعين والمتشردين الذين جعلوه مرتعاً يلجئون إليه ليلاً للإيواء والممارسات الإنحرافية، قبل أن تتعالى أصواتٌ بنداءات تنبّه إلى ضرورة إعادة الإعتبار لرمزيته، وذلك بترميم مبناه كلياً وبالتالي إغلاق جميع منافذه السالكة إلى الداخل، بإعتباره إرثاً ثقافياً يندرج في نطاق الذاكرة الجَمْعِية المشتركة، وهكذا تكون بذلك الصومعة البيضاء قد دخلت مرحلة موالية، تفنّن خلالها الفوتوغرافيون في إلتقاط صورٍ لها تداولتها بطائق التذكارات على أوسع نطاق عبر الجهات الأربع للعالم منذ أواسط التسعينيات وإلى حدود اليوم..