رغم الصراع الدائر حاليا بين طاكسيات الحسيمة والناضور فان المدينتين تربطهما أشياء كثيرة. بالاضافة للغة والتاريخ المشترك ورابطة الأخوة التي لا يمكن لأي تقطيع كيفما كان ان يلغيها، هناك روابط أخرى تجمعهما كما هو الأمر بالنسبة لهيئة المحامين. هيئة المحامين هاته التي تحضن بين دفتيها اساتذة واستاذات من الحسيمة والناضور ستجد نفسها، بلا شك، في موقف حرج، أتتبع مقص الداخلية أم ستظل كما هي؟ هذا شغل المحامين وهم ادرى بشعابهم. لا أريد الحديث عن التقسيم أو التقطيع أو ما يمسى بالجهوية الموسعة التي هي في الحقيقة توسيع للهوة بين الاخوة الريفيين. لا أريد ذلك الآن لايماني العميق بأن التقسيمات والتوسيعات مهما اشتدت وكثرت فانها لن تنال من روابط الأخوة وأواصر المحبة التي تجمع الريفيين اينما كانوا في المغرب. ان ما اريد أن أجبد الحديث عنه هنا هم عينة من الأشخاص المهمين في حياتنا والضروريين لكي يتطور أي مجتمع حديث اذ انهم يشكلون ضميره الذي لا ينام ولا يسهى. انهم المحامون أو اصحاب البذلات السوداء كما يعرفون.وأكاد أجزم ان صحة وعافية أي مجتمع ما تقاس بصحة وعافية محاميه والعكس صحيح. كنت أتردد كل مرة في الكتابة على هذا الموضوع وكنت اكتفي بمناقشته مع بعض أصدقائي من ذوي المهنة. لكن وقع حدث تمنيت لو انه لم يقع كما وقع. حدث أثار انتباهي وقررت ألاْ افلْت الكتابة عنه رغم صعوبة الكتابة على هؤلاء الرجال خوفا من أي منزلق يرجع علي بما لا يحمد عقباه، فأنا أعرف جيدا أن كلماتي ستدخل المشرحة وستقطع اربا اربا. أقول هذا على سبيل المزاح لأني أعرف حدودي جيدا كما اعرف الاحترام الذي اكنه للقضاة الواقفين. منذ سنوات وأنا ألاحظ وأخنزر هنا وهنا في مختلف ارجاء هذا الكيان المسمى مدينة ولا أجدهم. اقصد لا أجدهم حيث أتمنى أن أجدهم، لدرجة تبدو لي مدينتنا مدينة بلا محامين. شخصيا لولا صداقاتي التي افتخر بها مع بعض منهم لما عرفت أن في المدينة محامون. المحامون غائبون عن اللحظات التاريخية التي عليهم ان يكونوا حاضرين فيها. حاضرون في غيابهم. ما ان تتعدى باب المحاكم لن تجد لهم أثر. فكم يحز في نفسي وأنا أحضر بعض الندوات واللقاءات الثقافية التي تنظم في هذه المدينة البئيسة بذويها، وأسجل غيابا تاما لهذه العينة من المجتمع المدني. عينة تمتلك حمولة فكرية وجسدية تساعدها على المساهمة بفعالية في تحريك بركة هذا الناضور الراكد. لكن مع الأسف حضورها لا يتعدى ردهات المحاكم ووقوفها لا يتخطى الجلسات. من حقنا أن نتساءل أين هم محامونا؟ أين هي هيئة المحامين لقيادة مشعل الثقافة في هذه الحاضرة؟ لحد علمي لم اسمع منذ مدة طويلة عن ندوة ما او حدث ثقافي قام بتنظيمه هذا التنظيم سوى تنظيم انتخابات النقيب التي بدورها لا نجد لها اثرا في الاحداث التي نقرأها في المواقع وعلى الجرائد كما هو حال الانتخاب الأخير. من سمع به؟ ومتى كان؟ أوليس من حقنا كمجتمع مدني أن نعرف ماذا يدور في هيئة محامينا، على الأقل لتطمئن قلوب الساكنة ويعرفون نقيب أو نقيبة مدينتهم. أه، ماذا؟ نقيبة؟ لا، لا... انها مجرد زلة كلافيي. مناسبة هذا الكلام هو ذات الانتخابات نفسها وهي انتخابات شهدها هذا القطاع مؤخرا ومرت مرور الكرام وكأن شيئا لم يحدث رغم أن الحدث مهم جدا اذ يتعلق الأمر بانتخاب نقيب هيئة المحامين بالناظور. قد يرد كثيرين ويقولون بأن الأمر عادي جدا وهذا شأنهم. لكنني شخصيا أرى الأمر بعين أخرى وهي عين فيها اللعنة إذ شوشت مُخيْخي وقلت لا يمكن... لا يمكن ألا أتكلم عن حدث من هذا ففي الأمر العادي شيء غير عادي، نعم غير عادي أو على الأقل هكذا بدا لي حين سمعت، سمعت فقط من أصدقائي، اذ، كما قلت، لم اقرأ أي خبر في أية جريدة ولا في أي موقع عن هذا الحدث وكأن لا محامين في المدينة ونحن في زمن الإعلام والتواصل، فالناضور يشكل لوحده ثورة في عدد المواقع ومنها التي تنشر كل شيء وأي شيء. ان هذا هو بالذات ما يمسى بحضور الغياب لدى السادة المحامون. قلت سمعت أن الانتخابات مرت وأتت بمحام على رأس الهيئة. نعم محام. طبعا منطقي جدا أن ينتخب المحامون محام !!!. إذ لا يعقل أن ينتخبوا طبيبا أو مهندسا. لكن ماذا لو... ! ماذا لو أنه في تلك اللحظة التاريخية كان المحامون في موعد مع التاريخ ولم ينتخب المحامون محام وانتخبوا محامية... هههه نعم محامية. لا تتعجبوا ولا تندهشوا ولا تسخروا... الناظور مدينة لا ملامح لها هذا صحيح. لا حياة فيها، بالمعنى الحقيقي للحياة، هذا صحيح كذلك. لا ذوق ولا جمال فيها هذا أيضا صحيح. لكن فيها محامية... فيها محامية تقدمت لانتخابات نقيب هيئة المحامين. نعم يا سادة يا كرام. الأستاذة عائشة مقريني. أجل، هذه المرأة التي لا تربطني بها أية معرفة غير تلك النظرة التي تكونت لدي منذ أمد بعيد حين كنت اُكَرْوِزُها في الشارع وهي تسير بثبات ونظراتها مركزة على أفكارها. تسير كرصاصة لا تتمايل بين الحفر التي كانت تكسو شوارع الناضور ذات أيام. كما كنت ارمقها حين يقدر علي أن أقف لحظات عابرة أمام منصات حملات الانتخاب فأراها وهي تخطب في الجماهير محاولة إقناعهم بأفكار وبرامج حزبها بكل عزم وإصرار... وأيضا بكثير من الصدق. ترشحت ذ عائشة مقريني لتكون أول نقيبة. كانت لها الجرأة أن تترشح وتواجه 180 محام تقريبا بين الحسيمة والناضور وتضعهم أمام محك تاريخي. فهل لمحامينا أن ينتهزوا الفرصة ويسجلوا حضورهم الغائب بانتخاب محامية بدل محام؟ كانت لهم فرصة أن يفعلوها لكنهم لم يفعلوها. ضيعوا فرصة التميز. واستخسروا إضافة تاء مربوطة للنقيب. 9 اصوات وصوتها هي. المجموع 10 اصوات هو العدد الذي آل اليها. 180 محام ومحامية لم تنل منهم غير 9 أصوات. لماذا مرت هذه الفرصة هباء؟ لماذا لم تكن لمحامينا الشجاعة والرجولة كي ينتخبوا امرأة؟ حين أحاول ان أجيب على السؤال لا أجد أجوبة بل تتناسل لدي أسئلة كثيرة... هل ذلك له علاقة بنظرتنا للمرأة؟ ربما، فنحن لا نخاطب نساءنا إلا بالمبني للمجهول... وان قرعنا النفس نصفها أحيانا بثادارث واحيانا اخرى باِحنجارن أو ثافقارث... فكيف لنا نرضى ان تكون نقيبة. هذه الأسئلة أخذتها حامية في رأسي وفرغتها على مكتب صديقي المحامي... أجوبته الصريحة والمفاجئة جعلتني لم اندم حين كتبت في الموضوع. فلماذا اسقطوا الأستاذة عائشة؟ شخصيا لا يهمني الرابح في تلك الانتخابات التي اعتبرها هزيمة لكل رجال المحاماة بدون استثناء ومنهم ال 9 الذين صوتوا على الأستاذة عائشة نفسهم. الأستاذة عائشة لا تعرفني ولا اعرفها كما سلفت، وكل ما اكتبه هنا ليس مجاملة مني ولا هم يحزنون، هي حقيقة كتبتها هي بشجاعتها ونضالها وتفانيها في العمل وحبها لمهنتها... الأستاذة عائشة لم تفز بصفة نقيبة... لماذا؟ هل لأنها فاعلة جمعوية ضمن هيئات نسائية على المستوى الوطني؟ هل لأنها عضوة تجمع نسائي داخل سلك المحاماة نفسه؟ هل لأنها كثيرة السفر لحضور المؤتمرات التي ينظمها الاتحاد الدولي للمحامين بالداخل والخارج ولأنها مصرة على ألا تزكل أي مؤتمر؟ أم لأنها كانت في السابق عضوة في ديوان حزب سياسي له تاريخ كبير في المغرب؟ و و و و من من محامينا له سجل تاريخي مثل سجلها؟ فلماذا اذن لم تنجح؟ حين أسرد هذه الأسئلة فاني لا أتوخى جوابا لأن الجواب كيفما كان لا يخفي حقيقة الوضع ... لان الجواب كيفما كان لا يغطي على هذا الهوان الذي يكسو جسد محامينا الأعزاء... فلتعملوا أساتذتنا الكرام أن من هوانكم هوان مجتمع بالكامل لأنكم اخترتم مهنة ليست ككل المهن. إن مهنة المحاماة التي كنت شغوف كي أزاولها ذات سنة لولا أن الأمور سارت بما لم أشأ أن تسير... هذه المهنة لا تتحدد في كتابة المذكرات ولا في المرافعات ولا في ... إنها تيرموميتر يقاس به درجة حرارة مجتمع ما... فان كنا في الناضور مستائين بالمسؤولين الذي يسيرونه فان هؤلاء إنما يعرفون جيدا أن المجتمع الناضوري بمختلف شرائحه، مافيديهش، ناعس، كسول والدنيا هانية حتى وجدنا أنفسنا في مدينة خالية من كل حياة إلا بالغياب. حينما يغيب المحامي يزعم اللص. حينما يغيب المحامي يخرج االشفار من جحره. حينما يغيب المحامي يغيب القانون واحترام القانون وكل شيء... لم تربح الأستاذة عائشة رهان الانتخابات لكن المحامي انهزم مع ذاته ومع نفسه. والى أن يستفيق إخواننا المحامون من غيابهم ويجعلوا من اللقاءات الثقافية والعلمية جلسات تلبسية... وأن يبسطوا مساطر الحضور في النقاشات المجتمعية... ويحرروا بين كل شكاية مقال أو كتاب... ويسلكوا مسطرة الصلح مع الذات ليساهموا في بناء مجتمع مدني فعال ودينامكي... والى أن يسرقوا بعضا من وقتهم وينصبوا أنفسهم بأنفسهم ويرفعوا دعاوى لحضور بدل الجلسات لقاءات علمية وتنويرية من تنظيم تنظيمهم... إلى ذلك الحين سيتم تأخير كل الجلسات... وعلى أستاذتنا عائشة، من حيث الشكل، الاكتفاء بمنطوق الحكم الصادر في حقها في الانتخاب الأخير وعدم استئنافه لأن نفس من صوتوا ابتدائيا سيصوتون استئنافا وهامش التغيير في الاتجاه العام للانتخاب قليل إن لم يكن ضعيف نظرا للظروف التي يشهدها العالم الآن. أما من حيث الموضوع فعلى الأستاذة أن تترك الموضوع تحت رحمة الشكل...