لا تزال الجماعة القروية بني بوفراح التابعة لإقليمالحسيمة، تعيش عزلتها الخانقة التي تدفع سكانها إلى الهجرة بعيدا عنها كلما لاحت فرصة لذلك، إذ إن أبسط ضروريات الحياة الطبيعية غائبة عن المنطقة، انطلاقا من مياه الشرب والكهرباء والربط الطرقي، ووصولا إلى مركز استشفائي صار أكبر أماني السكان الذين لا زالوا يعتمدون- مجبرين- على العلاج بطرق تقليدية في ظل غياب الأطباء والممرضين ومعهم الأدوية. جماعة بني بوفراح تتحول تدريجيا إلى قرية أشباح، بعدما اضطر العشرات من شبابها للرحيل بعيدا عن حصارها الخانق، فيما بات موظفو الإدارات العمومية يفضلون التخلي عن وظائفهم بدل البقاء وسط قرية تفتقر لأبسط ضروريات العيش الآدمي. الريفيون «المنسيون» عشرات الشكايات وجهها سكان الجماعة القروية إلى عمالة إقليمالحسيمة، لم تتعد أن تكون مجرد صيحة في واد، ما دامت القرية لا تزال على حالها، رغم أن ما يسميه السكان «مطالب لا يتعدى أن يكون مجرد «حقوق أساسية». وفي مقدمة «مطالب» السكان، نجد مطلبا ظل يتردد منذ سنوات، وهو توفير الطاقم الطبي للمركز الصحي الموجود بالجماعة، إذ إن هذا المركز الذي تم بناؤه وتجهيزه يبقى في حكم الغائب ما دام السكان عاجزين عن الاستفادة منه نظرا لعدم توفره على أطباء وممرضين، الشيء الذي يضطر المرضى والحوامل إلى التوجه صوب الحسيمة أو صوب مراكز صحية أخرى قريبة. مشكلة الربط بقنوات المياه الصالحة للشرب، أزمة أخرى تعاني منها جماعة بني بوفراح، فالمركز الحضري للجماعة «المرج» الذي قطعت عنه المياه لفترة قيل إنها ستكون محدودة، لا يزال سكانه منذ شهور مضطرين للاستعانة بمياه الآبار والعيون، بما في ذلك المدرستان الداخليتان الإعدادية والثانوية، إلى جانب المدرسة الابتدائية. وضعية لا يجد السكان مخرجا منها إلا الانتظار، ما دامت رسائلهم الموجهة للمسؤولين والسلطات تضل طريقها دائما، وما دام أغلب المنتخبين انتقلوا للعيش في مدينة الحسيمة أو حواضر أخرى، ولا يعاودون تذكر بني بوفراح إلا عندما يدق جرس الانتخابات. الموظف هرب.. ليس هناك دليل على استحالة العيش في قرية بني بوفراح، التي لا يتجاوز تعداد سكانها 12 ألف نسمة، من «الهروب الجماعي» لموظفي الدولة من وظائفهم بالمنطقة، بدءا بموظفي قطاع الصحة الذين لم يقبلوا أصلا الالتحاق بعملهم، حسب معطيات مصادر مطلعة، ووصولا إلى موظفي قطاعي الكهرباء والبريد، الذين تركوا عملهم هربا من ظروف حياة شديدة القسوة. ويبدو أن ربط سكان بني بوفراح بشبكة الكهرباء لم يكن النهاية مشكلة، بل فاتحة لمشكلة أخرى، فرغم أن الجماعة القروية تتوفر على مقر للمكتب الوطني للكهرباء، إلا أنه يظل خاليا على عواهنه من الموظفين الذين انتقلوا منه منذ مدة طويلة دون أن يتم تعويضهم بموظفين آخرين، الأمر الذي يضطر السكان المحليين إلى الانتقال مسافة 25 كيلومترا إلى أقرب مقر للمكتب الوطني للكهرباء في تارغيست، من أجل أداء الفواتير، وإلا كان مصيرهم قطع الكهرباء عن مساكنهم. وبدورها مصلحة البريد دخلت حيز العطالة الإجبارية، بعدما كَلَّ موظفها الوحيد من الحالة المزرية التي يعيش فيها معزولا بعيدا عن أسرته، غير قادر على تحمل مشاق بل ربما «أخطار» التنقل إليهم بشكل دوري. ففي فبراير من العام الجاري أغلقت مصلحة البريد الوحيدة في جماعة بوفراح أبوابها، بعدما عاد موظفها إلى مدينة تازة التي استقدم منها بشكل مؤقت، حيث كلف بإدارة شؤون البريد هناك لمدة شهرين، حسب ما كان يقول للسكان، غير أن بقاءه استمر لسنتين لم يستطع معهما الاستمرار في هاته القرية المعزولة والمحرومة من أبسط شروط الحياة، خاصة أنه أجبر على الاستغناء قصرا عن سفره الأسبوعي صوب القنيطرة لزيارة والدته، فما كان منه إلا أن ضرب عرض الحائط وعود الإدارة المركزية التي ظلت تتكرر منذ سنتين وغادر المصلحة. وإن كان موظف إدارة البريد قد انتفض على وضع لا يطاق وترك «الجمل بما حمل»، فإن ضريبة ذلك سيدفعها من جديد سكان القرية، الذين قطع عنهم خيط آخر من الخيوط القليلة التي كانت تربطهم بالعالم الخارجي. في انتظار الطوفان وكأن البنية التحتية المتهالكة أو غير الموجودة أصلا في جماعة بني بوفراح لم تكف، ليزيدها افتقارها للربط الطرقي عزلة على عزلتها، فالطريق الوحيدة التي تربط الجماعة بمنطقة تارغيست وهي طريق شاطئ «كلايريس»، أضحت في حكم غير الموجودة بعد تآكلها تماما وغياب أي مشروع قريب لإصلاحها. مشكلة أخرى ينتظر سكان جماعة بني بوفراح أن «تزورهم» من جديدة لتنضاف إلى سلسلة مآسيهم، ألا وهي أمطار «الخير» كما توصف في كل ربوع المغرب، لولا أنها في بني بوفراح تحديدا تكون نقمة من النقم، ذلك أن هاته القرية التي تفتقر لقنوات الصرف الصحي والطرق المعبدة، تغرق في طوفان من الأوحال والمياه مع أولى الزخات المطرية، بل إن التنقل بين تجمع سكني وآخر يصير أمرا مستحيلا، خاصة بعد انهيار القناطر الصغيرة في المنطقة، وقد كشفت مقاطع فيديو نشرها شبان من المنطقة على موقع «يوتوب» معاناة السكان خلال فصل الشتاء في السنوات القليلة الماضية. هي حالة قرية ريفية بات اسمها مرادفا للعزلة والتهميش، في منطقة قيل إنها شهدت بعد زلزال الحسيمة «مشاريع تنموية» كثيرة، غير أن سكان بني بوفراح كما هو الحال بالنسبة لقرى ريفية أخرى، يعتبرون أن «التنمية» المفترضة لم تطل واجهة الريف، في حين أن قرى كثيرة ظلت منسية كما كانت قبل الزلزال. الإعلام- «يوتوب» هو الأمل في ظل المشاكل والعزلة التي تتفاقم أكثر على سكان بني بوفراح المنسيين، يوجه أهالي الجماعة أصابع الاتهام إلى المجلس القروي وإلى السلطات المحلية لإقليمالحسيمة، التي تتهم بتجاهل مطالب وشكايات السكان. أما جمعيات المجتمع المدني، فتكاد تكون غير موجودة في هاته القرية، إلا من جمعيات معدودة على أصابع اليد الواحدة، تصنف بدورها في خانة المندثرة، ما دامت تعاني العزلة وضعف الإمكانيات، وتشتغل في وسط تتفشى فيه الأمية وغياب الوعي والانشغال بالقوت اليومي. وما يزيد القرية نسيانا وعزلة، أن وسائل الإعلام لا تكاد تصل إليها، بل لا تكاد تعرف مكانها على الخريطة. ويحمد شباب الجماعة ربهم على نعمة «اليوتوب»، التي أخرجت مآسي القرية نسبيا إلى العلن، رغم أنها لم تفلح، كما يقولون، في هز شعرة من منتخبي المنطقة أو سلطاتها المحلية، إذ يعلق «أحمد» وهو شاب عشريني من مواليد بني بوفراح «يصعب إقناع سكان القرية بضرورة الاحتجاج على سوء أوضاعهم خوفا من «القمع»، بينما لا تزورنا كاميرات التليفزيون إطلاقا، لذا نستعين بالإنترنيت كأمل أخير لإيصال أصواتنا عسى أن يعمل مسؤولو المنطقة على كسر عزلتنا، وإلا فإننا سنضطر للهجرة من هاته القرية المنكوبة».