استطاع حزب العدالة و التنمية برئاسة أمينه العام الأستاذ عبد الإله بنكيران أن يحضى بثقة المغاربة الذين شاركوا في الإنتخابات التشريعية ليوم 25 نونبر 2011، فمن بين ثلاث عشر مليون ناخب المسجلين في اللوائح الإنتخابية أدلى نصفهم تقريبا حسب إحصائيات وزارة الداخلية بأصواتهم لصالح حزب المصباح حيث أسفرت نتائج الإنتخابات عن فوز الحزب ب 107 من مقاعد مجلس النواب البالغة عددها 395 مقعدا متقدما على الحزب الحاكم ب 47 مقعدا، و على ضوء هذه النتائج عين الملك محمد السادس الأمين العام لحزب العدالة و التنمية رئيسا للحكومة و كلفه بتشكيل أول حكومة في ظل دستور 2011. غير أن عدم حصول الحزب على 198 مقعد المشكلة للأغلبية المطلقة سيفرض عليه البحث عن تحالفات حزبية تمكنه من تشكيل حكومة إئتلافية سيحاول بنكيران ما أمكن أن تكون منسجمة و قوية. و إلى حدود اليوم (10 دجنبر 2011) ما زال رئيس الحكومة المعين يجري اتصالات مكثفة مع مجموعة من الأحزاب بدأها بأحزاب الكتلة الديمقراطية ليوسع اتصالاته بباقي الأحزاب بعد أن اختار حزب الإتحاد الإشتراكي التموقع في المعارضة بدعوى الحفاظ على الهوية و الحداثة الديمقراطية، و رغم أن حزبا الإستقلال و التقدم و الإشتراكية أبدوا إستعدادهم للمشاركة في حكومة الإسلاميين إلا أن النصاب القانوني لتشكيل الحكومة و المحدد في 198 مقعدا ما زال الشغل الشاغل للأستاذ بنكيران و ما زلنا ننتظر ما سينكشف عليه مسلسل الإتصالات و المشاورات التي فتحها الحزب مع باقي الأحزاب الأخرى. إن اختيار الإتحاد الإشتراكي العمل السياسي من داخل المعارضة خلخل حسابات العدالة و التنمية الذي كان قد أعلن حتى قبل فوزه بالإنتخابات بأن حليفه الإستراتيجي سيكون الكتلة الديمقراطية، و بذلك فإن الحكومة المرتقبة ستكون مشكلة بعدة أحزاب و توجهات مختلفة و بالتالي حكومة غير منسجمة و قابلة للإ نهيار في أي وقت، وهذا بطبيعة الحال راجع إلى التقطيع الإنتخابي ونمط الإقتراع الذي تنتهجه وزارة الداخلية منذ زمن لبلقنة المشهد السياسي المغربي وعدم تمكن أي حزب من الفوز بأغلبية مطلقة و مريحة. إن أكبر تحدي سيواجهه حزب العدالة و التنمية هو مدى قدرته على الإلتزام و الوفاء بالبرنامج الذي وعد به في الحملة الإنتخابية تحت شعار" من أجل مغرب جديد ، مغرب الحرية و الكرامة و العدالة والتنمية" و الذي صوت عليه ستة مليون و نصف ناخب من أصل كتلة إنتخابية تفوق أربع و عشرون مليون ناخب، فهل سيكون لحزب بنكيران الجرأة الكافية لفتح ملفات الفساد الكثيرة التي سبقت وأن أغلقت بسبب اصطدامها بأسماء ما زالت تعيث في البلاد فسادا دون رقيب أو حسيب؟. إن الذين صوتوا لصالح حزب المصباح قد عقدوا آمالا كبيرة على هذا الحزب من أجل إحداث تغيير حقيقي يضمن لهم حقهم في التعليم و الصحة و التشغيل و يفتح لهم آفاقا غير مجهولة لمستقبل أبنائهم و الأجيال القادمة . لقد ضمن هذا الحزب برنامجه في الحملة الإنتخابية نفس المطالب التي رفعتها حركة عشرين فبراير التي فضلت الإحتجاج والخروج إلى الشارع بعد أن يئست من أي إصلاح رسمي و أن لا سبيل إلى التغيير إلا عبر الضغط و الإحتجاج حتى انتزاع كافة الحقوق . إن فشل حكومة بنكيران في تحقيق التغيير المنشود ستكون له عواقب وخيمة و ستأجج المزيد من الغضب و توسع من دائرة الإحتجاج، لذلك لابد من امتلاك الجرأة الكافية لممارسة جميع الصلاحيات لإخراج البلاد من قبضة الفساد.