كشف كتاب جماعي أشرف عليه الصحافي الجزائري المعارض محمد بنشيخو، إلى جانت ثلة من الصحافيين و الحقوقيين، حقيقة الرئيس الجزائري و مكونات نظامه، حيث أشارت إحدى المقالات إلى الخطة الجهنمية التي حيكت ضد الجنرال زروال لعزله من رئاسة الجمهورية وتنصيب عبد العزيز بوتفليقة مكانه. و أوضحت أن وراء الخطة لوبيات أو قوى مستنفذة تعمل لصالح باريس، واشنطن، الرياض، وأبو ظبي، مرورا بالجنرالات.و فسرت توليه الحكم بغرض الاستحواذ على السلطة والبترول، وعلى بلد أدمته الحرب الأهلية. كان ذلك عام 1999، وكانت الجزائر تستعد لرفع رأسها من شرنقة حرب شرسة ضد الإرهاب الإسلامي. كان ثمن هذه الحرب مرتفعا، فيما كان ثمن البترول في أدنى مستوياته. كما كان البلد عرضة لمقاطعة دولية، حيث أغلقت السفارات أبوابها وغادرت الشركات الكبرى البلد ونفدت العملة الصعبة من الصناديق . و تابع المقال ذاته، تحت إسم مستعار«هدى ك»، تعرية هذا النظام العسكري و الذي توفي أخيرا مهندسه الحقيقي، "لكن على الرغم من هذا الوضع، لم تتعرض الدولة للانهيار ولم تستسلم أمام الإسلاميين". وقد أعيد انتخاب الجنرال اليمين زروال بأغلبية ساحقة على الرغم من تحذيرات الجماعة الإسلامية المسلحة بمعاقبة الناخبين المشاركين في الاقتراع. أدخلت تغييرات على الدستور اعترافا بالتعددية والتمثيلية وكانت عناصر أساسية للانخراط في مسلسل الانتقال الديمقراطي. و هكذا وبالرغم من النقائص التي اعترت هذه التغييرات، بدأت الجزائر ب«مغازلة الديمقراطية». و ذهبت الصحافية المشار إليها إلى أن النظام الذي انخرط في نهج عدم التفاوض مع الإسلاميين ترك شكوكا لدى اللوبي الغربي والعربي. لذا شرعت هذه اللوبيات في تهيئة مشروع جهنمي لإخصاء الجزائر. وبموجب هذا المشروع طلب من الجنرال زروال التنحي عن السلطة وتسليم البلد لعبد العزيز بوتفليقة. وزادت الصحافية موضحة أن بوتفليقة سيكبح في غضون بضع سنوات فقط الدينامية الخلاقة للمجتمع الجزائري: أجهض الإرهاصات الديمقراطية، وأخرس صوت المجتمع المدني، و غيّر الدستور، وأرصى دعائم الرشوة... بكلمة واحدة، وضع الجزائر على خط الديكتاتوريات العربية، «كما سلم السلطة لمجموعة من المرتزقة، يسيرون اليوم دولة منحرفة، وهم اليوم يتوزعون على فصائل متصارعة فيما بينها».فالجزائر وفق مضامين المقال المذكور لا تعدو اليوم أن تكون جمهورية موزية، و دولة استبدادية وقروسطوية تحكمها الرشوة والقمع، حيث التجمعات والمظاهرات ممنوعة، ويساق الصحافيون إلى السجن، وتصادر الكتب، ويلاحق الكتاب والنقابيون. و ذكرت الصحافية السابق ذكرها بما كانت تحتله الجزائر خلال العشرية الدموية و مخلفاتها، حيث كانت صنفتها فرنساوالولاياتالمتحدةالجزائر من بين 14 دولة أكثر تفسخا. فالجزائر اليوم، يقول المقال، هي شيكاغو الثلاثينيات بالأمس، حيث يمتزج الدم بالفضائح، فالمسؤولون في الدولة، وهم أصدقاء للرئيس، مورطون في فضائح نقل وتحويل مليارات الأوروات المبيّضة في ميدان العقار في الأحياء الفاخرة بالجزائر العاصمة، وباريس، وبرشلونة. وتتجنب بعض الشخصيات السياسية العالمية زيارة الجزائر مثل هيلاري كلينتون، التي زارت المغرب دون أن تعرج على الجزائر. كما أن هذه الشخصيات لا تجرؤ على أخذ صور إلى جانب عبد العزيز بوتفليقة. و تخرج الصحافية باستنتاج منطقي يتمثل في أن مجيء بوتفليقة إلى السلطة هو خديعة محبوكة من طرف العسكر وبعض العواصمالغربية، وعلى رأسها باريس وأنظمة الخليج. إنها حكاية لوبيات. وقد لعب العربي بلخير دور رئيس جوقة في هذه العملية. إذ سبق لنفس الشخص أن حاك الانقلاب ضد ابن بلة. الرجل الذي يكره البذلة البيضاء يشير فيصل المطاوي إلى الذوق الصارم للرئيس بوتفليقة، إذ يفضل البذلات الغامقة، بل السوداء. كما أنه لم يلبس في حياته سروال جينز أو أحذية رياضة. وبإصراره على مظهره الكلاسيكي، خلص بوتفليقة إلى تقديم صورة بالية عن نفسه للشباب الجزائري، صورة إنسان خارج زمانه، هو الذي يعشق الظهور إلى جانب أبناء إخوته في الفترات الانتخابية، ولا يخاطب الشباب، و يستقبل مرة واحدة في السنة الفائزين في شهادة الباكالوريا خلال حفل تافه، تبقى فيه الصور التي يعرضها التلفزيون أهم لحظة. لا يخاطب بوتفليقة الشباب إلا بكيفية سطحية أو يقدم لهم نصائح تافهة، ويسمح لنفسه بانتقاد الدبلومات الجزائرية، فيما الرجل لا يتوفر على أي دبلوم. إذ أن الرئيس لا يتكلم سوى لغتين: العربية والفرنسية، فيما يجهل الإسبانية، الإيطالية، الإنجليزية، الألمانية والروسية، بل حتى الأمازيغية. وهو في ال79 من عمره، يعتقد الرجل أنه في «مهمة إلهية لإنقاذ الجزائر من الغرق». و يتابع المقال قائلا لقد اتضح، يقول فيصل المطاوي، أن بوتفليقة جاء لتصفية حسابات وللانتقام من شرائح معينة من المجتمع الجزائري. فهجوماته المتكررة على الجامعيين، و الصحافيين، و المثقفين، و الأطر والشباب، أظهرت عقدته تجاه المعرفة والشبيبة. إذ يعتقد أن الكفاءة لها علاقة بالسن. وهو باستمرار محاط بأشخاص في حدود سنه (السبعين عاما). كما أن مستشاريه الخاصين ينتمون إلى نفس الفصيلة. وبدل الاستعانة بمؤهلات علمية لإصلاح الجامعة، استدعى بوتفليقة أفرادا من عائلته لمتابعة وتسيير مشاريع لم تر النور يوما. لذا فمسلسل الإصلاحات الذي دعا إليه على مستوى الدولة، و المدرسة، و الجامعة، والعدالة الخ...كان كارثة حقيقية، إذ عزز البيروقراطية وغذى كل قنوات الرشوة. و في هذا السياق تستشهد الصحافية بشهادة عبد العزيز رحابي تحت عنوان: «هكذا تم عزلي من طرف عبد العزيز بوتفليقة». إذ بعدما عمل رحابي تحت رئاسة ستة رؤساء دولة وعشرة وزراء خارجية، مارسوا مسؤولياتهم في فترة اتسمت بنزاهة رجالها ونسائها، عمل النظام اليوم على طي صفحتهم إلى ما لا رجعة. «غادرت الحكومة في ظروف استثنائية، حيث عبر بوتفليقة عن تبرمه من مسلسل الحوار والتطبيع مع الصحافة والإعلام، الذي دعا إليه الرئيس زروال. أقلت من منصبي لصالح شخص آخر وافد من حاشية الرئيس». وبدل أن يقبل رحابي بمنصبه الجديد، قدم استقالته من الحكومة ومن وزارة الخارجية، على اعتبار أنه كان دبلوماسيا في الأصل. أما علي يحيى عبد النور، فركز شهادته على عملية الاستئصال التي لجأ إليها بوتفليقة لكي يبقى لوحده في الساحة. إنها خاصية نظام فرض نفسه بالعنف، وهو عنف سليل العنف الاستعماري. قرصن الرئيس السلطة. هذه الأخيرة كانت عسكرية وبوليسية قبل أن تكون سياسية. فالجزائر يشير الحقوقي علي يحيى عبد النور، «ليست بدولة تملك جيشا، بل جيش يملك دولة». وعليه يوجد الرئيس تحت وصاية الجيش. في هذه الحالة، يبقى المصدر الوحيد للسلطة هو العسكر وليس الشعب. الرئيس المعين من طرف الجيش يوجد تحت وصاية وحجر هذه السلطة، وبالتالي يحرم عليه الخروج عن إطار المهمة التي رسمت له أو أنيطت به. وقد ركز بوتفليقة بين يديه السلط إلى درجة أنه حول النظام إلى «ملكية جمهورية». كما أنه أحيى النزعة الإقليمية بتعيينه مقربين وأقارب ينتمون إلى الولاية الواحدة. كما أن البرلمان والعدالة سخرتا لخدمته. على مستوى الاقتراع الانتخابي لا وجود لانتخابات حقيقية بحكم أن الرئيس يتم اختياره من طرف أصحاب القرار العسكري ولا حل بين يدي الشعب سوى تكريس هذا الاختيار. مست الانتخابات المزيفة و«فبركة» النواب هيبة الدولة، الشيء الذي يفسر مقاطعة الناخبين للانتخابات. ويضيف عبد النور أن «الأمراض السياسية، الاجتماعية والثقافية مصدرها السلطة التوتاليتارية، لأنها تقوم على الخضوع والانصياع. إذ تزامن وصول بوتفليقة إلى الحكم في أبريل من عام 1999 مع وفرة المصادر المالية الهائلة بسبب ارتفاع أثمنة البترول والغاز. إن جزءا من ريع البترول تم تدبيره بطريقة إقطاعية وفي غموض تام. إذ تم تحويله بمنأى عن أي رقابة لصالح فصائل النظام. فالثروة البترولية ضاعفت من أعداد المرتشين، وتحول المسيرون إلى مليارديرات فتتوا النسيج الاجتماعي الوطني، فالرشوة أصبحت تنخر الأوساط العليا في السلطة وعلى رأسها الجهاز القضائي. وقد أصبحت هذه الآفة محايثة لسلوكات السلطة. لم تسلم القطاعات الحيوية من انعكاسات هذه السلوكات والممارسات التي تلخصها سياسة المراقبة والتسخير: مراقبة الصحافة والحريات العامة.. تسخير الرياضة مثلا لتخدير الشباب وامتصاص غضبهم. لقد سيس النظام الرياضة بغاية التمويه وصرف انتباه الشعب عن البؤس الذي يعيشه. إذ أن 30 في المائة من الجزائريين يعيشون تحت سقف الفقر ولم يعالج النظام محنهم. لم يعد الجزائريون يثقون في مصداقية الإحصائيات التي يقدمها النظام في مسألة التضخم، و القدرة الشرائية، و البطالة، وتعداد السكان، فهي معطيات تسخر لأغراض سياسية. كما تداس حقوق الإنسان بلا أدنى حرج. أين هم المختفون؟ أين هم الموتى من دون نعش أو الأحياء من دون حياة؟ إن العائلات مصممة العزم على متابعة الكشف عن حقيقة اختفاء ضحايا الحرب والقمع بغية وضع حد للكذب والتمويه. قدمت هذه العائلات البرهان على أن أقاربها اختطفوا من طرف عناصر الشرطة السرية ولم يلتحقوا بأحراش المقاومة الإسلامية كما تزعم السلطات. ويتساءل علي يحيى عبد النور: «هل سيترك هذا النظام، الذي بلغ شوطه النهائي، مكانا للديمقراطية، والحرية، و العدالة وحقوق الإنسان؟». وبما أن الرشوة تحولت إلى مؤسسة، فإن الجمعيات والهيئات العالمية التي تناضل من أجل مناهضتها غير مرغوب فيها في الجزائر. إذ لم يسمح لرؤساء العديد من الجمعيات الدولية الدخول إلى الجزائر للمشاركة في لقاءات أو ندوات في الموضوع. لم يسمح مثلا لجمعية «ترانسبارانسي أنترناسيونال» بدخول التراب الجزائري للمشاركة في ندوة دولية. في الأخير، وبتعليمات من عبد العزيز بوتفليقة نفسه، وضع حدا لنشاط الفرع الجزائري للجمعية. هذا الوضع أوحى لعلي يحيى عبد النور بفكرة أن الجزائر لم تكمل استقلالها، الشيء الذي يتطلب في نظره استقلالا ثانيا للبلد. من جانبها عالجت حسيبة ملوك في مساهمة مميزة قضية الصحراء كنموذج للاندحار الديبلوماسي لبوتفليقة، حيث قارنت بين الانطلاقة والتغيرات، التي عرفها المغرب على أكثر من صعيد، والتي رافقت تسييره الذكي لملف الصحراء، والانتكاس الدبلوماسي والاجتماعي الذي شهدته الجزائر تحت تعنت بوتفليقة. تقلد العاهل المغربي والرئيس الجزائري مهامهما في نفس السنة. لكن في الوقت الذي أعطى ملك المغرب دفعة قوية للبلد شهد خلالها ولادة مجتمع مدني، وانبثاق متطلبات شبابية ونسائية جديدة، وسقوط الكثير من المحرمات في قضية المعتقلين وسنوات الرصاص، وانبثاق نخب جديدة، براغماتية، ارتسمت حركية جديدة للأشخاص ولرؤوس الأموال، في هذه الأثناء انطوت الجزائر على ذاتها لتستسلم لنزعة «سلطانية»، بل استبدادية قديمة لا تتوافق مع العقلية الجزائرية ولا مع سوسيولوجيتها. فرضت هذه النزعة نفسها بفضل انتكاسة اجتماعية. تطور ملف الصحراء يجسد هذا التناقض مع المغرب الذي حافظ على تفتحه على الخارج، فيما انغلقت الجزائر حول نفسها و حول رجل واحد، تحركه أفكار بالية، وهي أفكار سليلة الحرب الباردة. خوصص عبد العزيز بوتفليقة الدبلوماسية الجزائرية بتقليصها أو حصرها في قصر المرادية، في الوقت الذي أخرج المغرب ديبلوماسيته من القصر ليستند على الجهاز الديبلوماسي بمساعدة حلفائه الاستراتيجيين (فرنسا، الولاياتالمتحدة، العربية السعودية، قطر، الإمارات) مع تمركزه سياسيا واقتصاديا في إفريقيا، وخاصة في مناطق التأثير المؤيدة للجزائر