بقلم عبد الواحد الشامي/ كاتب صحفي مغترب // بكل صدق، اول انطباع انتباني وانا انتظر المسلسل الرمضاني الجديد الناطق بالريفية، قبل حتى الشروع في عرضه، هو انطباع سلبي من ناحية العنوان "فرصة العمر" لانه يحيلنا مباشرة الى اسماء كبار المسلسلات التلفزيونية العربية..حيث خِلت أنه عمل مُقتبس ومُشابه يُحاول مُحاباة الأعمال الفنية العربية..إلا انني سرعان ما تبدَّد رأيي السلبي بعد متابعتي للحلقات الأولى من هذا العمل الفني الذي اتحفتنا به القناة الامازيغية المغربية خلال شهر رمضان الآني. لكونه يُعد فرصة حقيقية لاكتشاف دراما تشويقية ذات طابع ريفي امازيغي بامتياز ! ولعل أول ما استرعى انتباهي في هذا المسلسل الجديد، العدد الهائل من وجوه الفن والتمثيل الذين لمع نجمهم واشتهروا في أعمال فنية كبرى...كالفنان المغربي القدير رشيد الوالي الذي ابدع، ولأول مرة في دور ناطق بالريفية، وكذلك بطلة المسلسل الفنانة المتالقة حنان الخضر، خريجة برنامج "ستار اكاديمي" العام الماضي، والتي يعتبر مشاركتها في المسلسل اضافة نوعية من حيث الحضور النسوي الجميل الذي يستلطفه المتلقي/المُشاهد مما لا شك فيه. بالإظافة الى الفنان المرموق طارق الشامي، صاحب رصيد لا بأس به من الأعمال والمشاركات التلفزيونية والسينمائية التي لمع ضمنها خلال السنوات الأخيرة..ثم الوجه الجديد في عالم التمثيل الاعلامي المحجوب بنسعلي الذي أبان عن جدارة في مجال التمثيل. فالحضور المدلل والجميل للفنانة الشابة هيام لمسيسي. الى جانب قيدوم الفنانين الريفيين فاروق ازنابط، والفنانة المقتدرة مريم السالمي، سميرة المصلوحي، ومونية مزياني، الفنان بنعيسى المستيري..والوجهين النسويين الجديدين صابرين زعيبل، ومريم يوسفي..كما لا ننسى ضيفا الشرف عبد الحكيم شملال والممثل مصطفى المقدم.... وتدور احداث مسلسل فرصة العمر لمخرجه هشام الجباري، حول احد جوانب الواقع المعاش يوميا في الريف..صراع احد اباطرة العقار مع احدى الاسر المتواضعة من اجل التمكن من شراء/استحواذ على عمارة تعود ملكيتها لشخص غاب منذ عشرون عاما..وبين المحاولات اليائسة لرجل الاعمال (علي) لايجاد البائع، في مقابل تعنت الوريثة الشرعية للعقار في البيع، يجد المشاهد نفسه في دوامة من الدراما التشويقية التي تزداد تعقيدا بعد ظهور الشخص الغائب المفترض انه مفتاح لغز القصة كلها...فاتفاجأ كما يتفاجأ المشاهدين بان العائد بعد غياب لم يزد الامر الا طلاسيم جديدة خيوطها عند الوريثة (يمينة)..!! يمينة، هي أم بطلة المسلسل (زينب)..هذه المرأة العصامية التي ارتبطها اسمها منذ اول حلقة بالشح والبخل، سيجد المتتبع نفسه مشدوها بهاته الشخصية لكونها حاملة لمفتاح اللغز بصفتها شاهدة على ذكريات مؤلمة حدثت في الماضي وتخفيها عن ابنتها زينب. السر، او اسرار الام لا تجد الابنة المطيعة زينب من ملاذ للهروب من صداعها، غير اطلاق العنان لهوايتها المفضلة الرسم التشكيلي الذي تعلمت اولى خربشاته من الفنان المهمش (عادل) الذي يكتري على امها غرفة في سطوح العمارة..تقترب من قدوتها وتعيش واياه انسجام وعلاقة غرام..قبل ان يظهر في الصورة الشاب الوسيم (كريم) الذي اقترب منها في اكثر ايامها حزنا في رحلتها الطويلة للبحث عن ابيها المفقود.. في المقابل كان رسام اللوحات عادل، الذي عاش طيلة شبابه فقرا لم يتمكن بسببه حتى من دفع تكاليف كراء مسكنه، -كان- يتحين فرص الحياة، الاخيرة اغدقت عليه بفرصة عمره بان يبيع لوحاته لاشهر فنانة تشكيلية بالمنطقة (سميرة) بمبالغ خيالية لكون الفنانة خانتها ريشتها في الرسم بينما زوجها (علي) يلح على تنظيم معرض ظخم بتوقيع زوجته..وهكذا تتحسن الوضعية المادية لعادل الذي سيُفتن بجارته (عواطف) التي يعدها بالزواج رغم علاقته بزينب... ومن مشاهد المسلسل ايضا ابنة امبراطور العقار (احلام) الشابة المتهورة التي تعيش حياة البذخ مع شلتها..بالاظافة الى مَشاهد البساطة التي يجسدها اب عواطف (شعيب) صاحب دكان الحي، وأمها (فتيحة)، وهما من سكان نفس العمارة محور المشكل..وكذلك مَشاهد الغنج والدلال التي تفننت فيها سكرتيرة الفنانة سميرة (حنان) التي تحاول اغراء زوج سميرة في فخاخها بشتى الطرق.. تلكم بعضا من زخم هائل من المشاهد التي ابدعتها السيناريست نرجس المودن، وصنعت منها احداثا مشوقة ممزجة بين الفكاهة والمال والحب...وطبعا جوانب من الدراما الاجتماعية الكثيرة التي جعلتنا نرتبط اكثر فاكثر بحلقات المسلسل التي انتهت حلقتها الاخيرة بمشاهد يتمناها المشاهد ويرتاح لها نسبيا، عكس معظم النهايات البئيسة..وقد حاولت الايجاز قدر الامكان وانا اسلط الضوء على منتوج فني اعتبره قفزة جديدة ضمن كوكبة الاعمال التلفزيونية الناطقة بلغتنا الامازيغية على القناة المغربية الثامنة. كخلاصة، فإنني ارى من وجهة نظري المتواضعة ان "فرصة العمر" عكس الوجه الحقيقي للمجتمع الريفي..اقصد الجانب المتمدن والعصري (عقار، فن تشكيلي، سياحة..) افكار جديدة خالفَت الصورة النمطية التي سوَّقتها المسلسلات السابقة كماشهد القرى والبوادي...اما بالنسبة للجانب السلبي الوحيد الذي اعتقد انه يستحق النقد، هو طُغيان بعض المصطلحات الاجنبية التي استعملت بكثرة ضمن حلقات المسلسل..وزادت عن ذلك ان مصطلح واحد استُعمل باكثر من لغة اجنبية في بعض الحالات مثلا (طبيب = ميديكو = دكتور) ثلاث لغات اجنبية للتعبير عن مصطلح واحد..!! دون ذلك، كل المشاهد رائعة ويستحق طاقم المسلسل التشجيع لانهم فعلا قدموا لنا منتوجا في المستوى المطلوب.