مثلت عودة السياسي الصحراوي أحمد ولد السويلم إلى المغرب بعدما قضى زهاء 36 سنة في صفوف جبهة البوليساريو، التي كان أحد مؤسسيها سنة 1973 أحد أهم الأحداث في ملف الصراع على الصحراء الذي يعرف بجموده الشديد وندرة التطورات فيه لاستقرار مواقف فرقائه وتشدد كل منهم في الدفاع عن وجهة نظره. ورأى بعض المراقبين في عودة ولد السويلم بداية تزعزع القناعات لدى بعض رموز البوليساريو كون الرجل من المؤسسين كما سبقت الإشارة إلى ذلك. وتزامن الحدث مع انطلاق جولة من المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو بسويسرا. وقد خفض ولد السويلم في ندوة صحفية من سقف انتظاراته بشأن نتائجها مؤكدا أنه "لو كان الأمر بيد الصحراويين اللاجئين في مخيمات تندوف، لقبل الجميع مقترح الحكم الذاتي، الذي بادر إليه المغرب"، معلنا عن اقتراب شديد من الموقف المغربي وابتعادا بالتالي عن الموقف الجزائري. وولد السويلم هو شيخ قبيلة أولاد دليم، إحدى القبائل الصحراوية بالجنوب المغربي، والتي لعبت دورا يوصف في أوساط الصحراويين بالمهم في الدفاع عن المصالح المغربية إبان الاستعمار الإسباني والفرنسي، في الثلاثينيات من القرن الماضي، وهذه القبيلة ضمن أبناؤها اليوم غالبية تدافع عن تحقيق الحكم الذاتي في الصحراء المتنازع عليها مع جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب. لكن بعض المصادر في المغرب تقول إن عودة ولد السويلم إلى الرباط، كان وراءها عمر الحضرمي، الصحراوي القيادي السابق في جبهة البوليساريو . وقد أكد صحة وساطة الحضرمي ل"العرب الأسبوعي"، مهاجر مغربي يعمل في إيطاليا، كان يتردد على مكتب الحضرمي حين كان محافظا بوزارة الداخلية، والذي سينتهي به التدرج في سلك السلطة إلى منصب "والي" على إقليمسطات، المغربي، الإقليم الذي ينتمي إليه وزير الداخلية الراحل إدريس البصري، الوزير الذي كان يراهن، وهو يستقبل الحضرمي العائد لتوه من جبهة البوليساريو، منتصف الثمانينات، أن يجعل منه شخصية صحراوية جذابة تقوم بدور استراتيجي لاستقطاب الصحراويين من الضفة الأخرى. وتحقق للبصري، بدهائه المخابراتي، ما أراد في ذلك الوقت، ففي حفل خاص بإقامته الملكية بمنتجع بن سليمان، استطاع أن يهيئ الحضرمي للعب دور ريادي في استمالة الصحراويين الرافضين، الدور الذي نجح فيه "الصحراوي الأبيض" بامتياز، خصوصا وأنه شخصية قيادية جريئة وذكية، استطاع إعلان اختلافه بوضوح وديمقراطية، مع قيادة البوليساريو، ومع محمد عبد العزيز شخصيا، لكن الأخير مهد له الطريق للمغادرة، رغم ما يتوفر عليه زعيم البوليساريو من وسائل كان بإمكانه، لو استعملها، أن يقطع الطريق على الحضرمي في الداخل وفي الخارج . غير أن البعض يدعي أن عمر الحضرمي لعب دورا أساسيا في عودة من وصفوه ب"القيادي البارز في جبهة البوليساريو ومستشار رئيس الجمهورية الصحراوية في الشؤون العربية"؛ أحمد ولد سويلم، الذي استقبله العاهل المغربي بمناسبة الذكرى العاشرة لعيد العرش. وقد استفاد من امتيازات مهمة في المغرب، وحملته سيارة ملكية إلى مقر إقامته في الرباط. ووفقا لمصادر مطلعة، وقبل تنظيم لقاء العودة إلى المغرب بحوالي أسبوع، أقلت طائرة خاصة من المغرب عمر الحضرمي وفؤاد عالي الهمة، الرئيس الشرفي لحزب الأصالة والمعاصرة، كاتب الدولة في الداخلية المستقيل أخيرا، للقاء ولد السويلم في إحدى الدول الأوروبية الصديقة للمملكة المغربية، وهناك وجد المبعوثان الرسميان لدى الصحراوي قابلية واستعدادا للعودة . وبعد نجاح المهمة، استقبل العاهل المغربي المسؤولان المغربيان بقصر مرشان بمدينة طنجة، وكان ذلك بمثابة عربون امتنان على ما قاما به لإقناع مستشار رئيس الجمهورية الصحراوية في الشؤون العربية بالعودة إلى بلاده . لقد كانت الاتصالات الأولى التي مهدت للقاء الذي تم بأحد البلدان الأوربية عبر الهاتف أولا، والتي توجت بإقناع الشيخ البارز في قبيلة أولاد دليم بمخيمات تيندوف، اتصالات مثمرة وهادفة . فالمقربون من ولد السويلم، يؤكدون أن عملية استقطابه تمت قبل 15 يوما من وصوله الرباط، واختير أن يتزامن التحاقه بالمغرب مع احتفالات الذكرى العاشرة لعيد العرش، وعلى بعد أيام من بدء المحادثات غير الرسمية بين المغرب وجبهة البوليساريو المنعقدة بالنمسا تحت رعاية الوسيط الأممي كريستوفر. وحسب مصادر مقربة من ملف "الصحراويين العائدين"، فإن عودة ولد السويلم لن تكون الأخيرة، لقد كشفت المصادر ذاتها عن قرب الإعلان عن التحاق 3 قياديين آخرين في جبهة البوليساريو بالمغرب، وذلك بعد أن عبروا عن رغبتهم في الالتحاق به . وهذا السلوك التمردي في الصف القيادي لجبهة البوليساريو قد يكون أرخى بظلاله على محادثات المفاوضين في لقاء النمسا، اللقاء الهادف، حسب مصادر غربية، إلى كسر الجمود الذي طال بملف الصحراء منذ حوالي 34 عاما . وتضيف نفس المصادر الغربية، أن الخلاف بشأن الصحراء يعرقل جهود محاربة التمرد المرتبط بتنظيم القاعدة، الذي يجد في الصحراء ملاذا آمنا، يغذي انتشار الجريمة والإرهاب والهجرة السرية والاتجار في المخدرات . في هذه الأجواء تأتي محادثات ديرنشتين بالنمسا، التي أدارها الوسيط الأممي كريستوفر روس، كإجراء ثان لدفع الجمعين إلى بناء جدار مفصلي يصون النقاش ويسوق إلى التسوية، هذا بعد فشل محادثات مانهاتن الأمريكية. فمحادثات ديرنشتين بالنمسا، التي يأمل دعاة السلام في العالم أن لا تخيم عليها المواقف الأنانية التي سادت مناقشات مانهاتن، وأن يحدوها الأمل بأن يؤدي الشكل الجديد للمحادثات، الذي دار بشكل غير رسمي، وبعيدا عن أعين الصحافة، إلى نتائج أكثر ايجابية، وأن يمهد الطريق أمام استئناف المحادثات الرسمية . وعن محادثات ديرنشتين -المدينة النمساوية الواقعة على نهر الدانوب، حيث كان الملك الانجليزي ريتشارد قلب الأسد مسجونا في القرن الثاني عشر- قال محمد بيساط، مبعوث وزارة الشؤون الإفريقية في جبهة البوليساريو: " ليست لدينا أي مشكلة مع أي موضوع على جدول الأعمال، لدينا استعداد لمناقشة الحكم الذاتي ولدينا استعداد لمناقشة الاستقلال وأيا ما كان يريده الوسيط ، الأمر الوحيد الذي نتمسك به هو حق الشعب في تقرير مصيره". أما العاهل المغربي، محمد السادس، وفي خطاب "عيد العرش"، آخر يوليو الماضي، فأكد تشبث بلاده بمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء ل"جديتها ومصداقيتها المشهود بها دوليا، بركائزها الضامنة لحقوق الإنسان، والهادفة لتحقيق المصالحة ولم الشمل بين كافة أبناء صحرائنا.. ". وصب محمد السادس قضية الصحراء في قالبها المغاربي، وعيا منه بأن قضية بلاده لن تحل إلا في إطارها المغاربي فقال: "وبنفس الروح المغاربية سنواصل جهودنا الدؤوبة، وتعاوننا الداعم للمساعي الأممية البناءة للوصول إلى حل سياسي توافقي ونهائي للخلاف الإقليمي". أما المراقبون السياسيون فيرون أن عودة ولد السويلم، المستشار السابق لرئيس جبهة البوليساريو في الشؤون العربية، الذي لم يتوقع إحراز أي تقدم في الجولة الخامسة للمفاوضات بمثابة الرجة النفسية التي قد تعطي دفعا للحوار الثنائي بين المغرب والجبهة، من أجل إنهاء حوار الطرشان الذي وجد فيه الطرفان مجالا لتضييع الحلول والجهود.