إنفلونزا الخنازير د.ريزان شاكر رشيد عقراوي ماجستير في علم الأمراض البيطرية
بعد الانتشار المستمر الذي يواصله فيروس إنفلونزا الخنازير على معظم أنحاء الكرة الأرضية والتي لا أحد يعلم متى سوف تنتهي هذه الأزمة الأمر الذي يجعله قد يتحول الي وباء عالمي ليصبح مصدر قلق يهدد العالم بأسره وتطل علينا وسائل الأعلام يوميا بمعلومات جديدة عن المرض منها ارتفاع عدد الوفيات و الأصابات في بعض دول العالم مثل المكسيك و الولاياتالمتحدة و كندا و عدد من الدول العالم الأمر الذي يجعله حديث الساعة بين الناس. وكانت المكسيك اول بلد ذكرت إنفلونزا الخنازير في شهرنيسان /2009 . و مؤخرا أعلنت منظمة الصحة العالمية ان توقف انتشار إنفلونزا الخنازير لم يعد ممكنا. تتزايد المخاوف حول التأثيرات الأقتصادية لمرض إنفلونزا الخنازير حول العالم و ذلك بالتزامن مع اتساع رقعة انتشارة من جهة و تأثيره المحتمل على التجارة العالمية و حركة تبادل السلع و السياحة من جهة أخرى خاصة و أن ظهوره جاء في وقت يترنح فيه الإقتصاد العالمي ككل تحت تاثير الأزمة المالية. إن الخسائر التي قد يسببها المرض ستتضرر بفرص انتعاش الإقتصاد العالمي قريبا .
إنفلونزا الخنازير:
إنفلونزا الخنازير هو احد أمراض الجهاز التنفسي التي يسببها فيروسات إنفلونزا تنتمي الي اسرة Orthomyxoviridae التي تؤثر غالبا على الخنازير هذا النوع من الفايروسات يتسبب بتفشي الإنفلونزا في الخنازير بصورة دورية في عدد من الدول منها الولاياتالمتحدة و المكسيك و كنداوامريكا الجنوبية واوروبا و شرق آسيا . فيروسات إنفلونزا الخنازير يؤدي الى اصابات و مستويات مرتفعة من المرض لكنها تتميز بإنخفاض معدلات الوفاة الناتجة عن المرض ضمن الخنازير. بعض فيروسات الإنفلونزا منتشرة ضمن الخنازير على مدار العام إلا إن معظم حالات الإنتشار الوبائية ضمن الخنازير تحدث في أواخر الخريف و الشتاء كما هو الحال لدى البشر. هناك ثلاثة أنواع رئيسية من الفيروسات الإنفلونزا A,B,C قسم فايروس ((A الى تحت صنف (Subtypes) من خلال فحص نوعين من البروتينات السطحية وهي Hemaglutinin يرمز ب (H) و Neuramindase و يرمزله ( (N الفيروسات المعروفة بالتسبب بأعراض الإنفلونزا في الخنازير هما فيروس إنفلونزا A و إنفلونزا C . فيروس (A ) هوالشائع بين الخنازير على الرغم من المقدرة كل من فيروسي A وC إصابة الإنسان إلا إن انواع المصلية التي تصيب الإنسان تختلف عن تلك التي تصيب الخنزير و الفيروس عادة لا ينتقل بين الفصائل الحية المختلفة إلا إذا حدث إعادة تشكيل للفايروس عندها يتمكن الفيروس من الإنتقال ما بين الإنسان و الخنازير و الطيور. يصيب الفيروس A كل من البشر و الخنازير و الطيور و تم التعرف حاليا على أربعة انواع فرعية لفيروس الإنفلونزا وتم عزلها في الخنازير H3N2, H1N1,H1N2 H3N1, بيد أن معظم الفيروسات التي تم عزلها خلال العدوى عام 2009 من الخنازير كانت فيروسات ( H1N1 ) تم عزل فيروسات إنفلونزا الخنازير فيروس الإنفلونزا من النوع ( ( H1N1لأول مرة من خنزير (1930). يصاب الأنسان حاليا ببعض فيروسات إنفلونزا البشر النوع A و التي تسمى H1N1 و H3N2 بالأضافة إلى فايروسات إنفلونزا النوع C وB. وما يخيف هذه الأيام السلطات الصحية و منظمة الصحة العالمية أن بعض النظريات العلمية أكدت على أنهُ تحت ظرف معينة لدى فيروس إنفلونزا الطيور و الأنسان من النوع A القدرة على التحول الجيني عندما تحدث إصابة متزامنة بهما داخل خلية واحدة في الخنازير أو الأنسان , و التي تؤدي إلى إندماجهما و تبادل المادة الجينية بينهما مما يؤدي إلى ظهور سلالة جديدة من فيروس الإنفلونزا قد تتسبب في ظهور وباء عالمي جديد من المرض بين البشر. و هذا ما أكدته أيضاً الدراسات العلمية في حدوث اوبئة الإنفلونزا العالمية التي اصابت الإنسان ثلاث مرات في القرن العشرين و كان أول وباء عالمي من هذة الأوبئة في عام 1918 نتيجة الإصابة بفيروس إنفلونزا جديد من النوع (A) والذي سمي (H1N1) (الإنفلونزا الأسبانية) وقد تسبب في وفاة ما بين 20 إلى 40 مليون شخص و الوباء الثاني في عام (1957) نتيجة الإصابة بفيروس ثانٍ جديد من النوع (A) والذي سمي H2N2)) الإنفلونزا الآسيوية أكثر من مليون شخص في العالم ماتوا نتيجة هذا النوع من الإنفلونزا. ثم الوباء الثالث حدث في عام (1968) إنفلونزا هونغ كونغ نتيجة الإصابة بفيروس آخر جديد من النوع A و سمي H3N2 أدى هذا النوع من الإنفلونزا إلى موت (700) الف شخص في العالم . إنفلونزا الخنازير (1976) كان الجنود في فورت ديكس في نيوجيرسي بين أول الأشخاص الذين تعرضوا لفايروس إنفلونزا الخنازير الجديد H1N1))A من الإنفلونزا أصيب 200 شخص بالعدوى و توفي واحد في نيوجيرسي بذلك الفايروس . و فسر ظهور هذه الفيروسات الجديدة لمرض الإنفلونزا نتيجة تكاثر فيروسات إنفلونزا الطيور و الإنسان معاَ و إندماجها عند إصابة الخنازير بهذه الفيروسات حيث أن الخنازير هي الحيوانات الوسيطة الوحيدة التي يمكن ان تصاب بفيروسات إنفلونزا الطيور والأنسان . و يعلل ذلك بوجود مستقبلات (receptors) لفيروسات إنفلونزا الطيور والإنسان في القصبة الهوائية للخنازير و التي تمكن هذه الفيروسات من إصابتها بالإضافة إلى أن فيروسات إنفلونزا الطيور والإنسان لها القدرة على التكاثر في الخلايا السطحية للجهاز التنفسي للخنازير. و هذا غير متاح في الأنسان حيث لاتوجد به مستقبلات لفيروسات إنفلونزا الطيور و التي تختلف عن مستقبلات فيروسات إنفلونزا البشر التي تصيب الأنسان. و السبب الثاني هو أن فيروسات إنفلونزا الطيور تتكاثر بفعالية عند درجة حرارة تتراوح بين (40-42) درجة مئوية بينما فيروسات إنفلونزا الأنسان تتكاثر عند درجة حرارة (33-35) درجة مئوية وهي الدرجة الأغشية المخاطية للجهاز التنفسي في الأنسان وهي أقل من 37 درجة مئوية أي درجة حرارة الجسم . لذلك نجد أن ما تم إكتشافه حتى الآن من الحالات نتيجة الإصابة بفيروس إنفلونزا الطيور في الإنسان نادرة جدا و غير مؤكدة احيانا لتشابه الأعراض المرضية عند الإصابة بإنفلونزا البشر هذا على الرغم من أن فيروس الإنفلونزا غير ثابت و قابل للتحول و التغيير و الإضافة إلى الإنتشار الواسع و الشديد لفيروسات إنفلونزا الطيور بين الدجاج و الطيور المهاجرة. و الكثير يظن أن فيروس H1N1 الذي نواجهه الأن و الذي أطلقوا عليه إسم (إنفلونزا الخنازير) هو نفسه الذي سبب وباء (1918) و هذا خطأ فالفيروس الذي نواجهه اليوم يحمل نفس الأسم و لكنه فيروس جديد تماماَ تبين من خلال التحليل الجيني له بعد عزله من بعض الحالات في الولاياتالمتحدة أنه مكون من جينات 4 سلالات هي : إنفلونزا الخنازير بأمريكا الشمالية, و إنفلونزا الطيور بأمريكا الشمالية , الإنفلونزا الموسمية البشرية و كذلك إنفلونزا الخنازير في آسيا و اوروبا . إن تفشي إنفلونزا الخنازير عام (2009) هو reassortment نتج من إعادة تشكيل عدة سلالات من فايروس الإنفلونزا (H1N1) A بما فيها سلالة المتوطنة في البشر و أثنين من سلالات متوطنة في الخنازير و كذا إنفلونزا الطيور. الفيروسات هي (80-120) نانومتر في القطر.
طرق الإصابة: الإنتقال بين الخنازير: الإنفلونزا مرض شائع بين الخنازير يقدر أن حوالي نصف الخنازير في الولاياتالمتحدة يتعرضون للفيروس خلال حياتهم ينتقل المرض عن طريق الإتصال المباشر بين حيوان مريض واخر سليم و لهذا تزداد مخاطر إنتقال المرض في المزارع التي تحتوي على أعداد كثيرة من الخنازير و ينتقل المرض أما عن طريق إحتكاك أنوف الخنازير ببعضها أو عن طريق الرذاذ الناتج من السعال و العطس كما يعتقد أن الخنزير البري يلعب دورا مهما في نقل العدوى بين المزارع. الإنتقال للبشر: العاملين في مجال تربية الخنازير و رعايتها هم أكثر الفئات عرضة للاْصابة بالمرض, تصيب فيروسات إنفلونزا الخنازير البشر حين يحدث إتصال بين الناس و خنازير مصابة. وتحدث العدوى أيضا حين تنتقل أشياء ملوثة من الناس إلى الخنازير يمكن أن تصاب الخنازير بإنفلونزا البشر أو إنفلونزا الطيور . وعندما تصيب فيروسات إنفلونزا من أنواع مختلفة الخنازير يمكن ان تختلط داخل الخنزير و تظهر فيروسات خليطة جديدة. و يمكن أن تنتقل الفيروسات المحورة مرة أخرى إلى البشر و يمكن أن تنتقل من شخص لآخر و يعتقد أن الإنتقال بين البشر يحدث بنفس الطريقة الإنفلونزا الموسمية عن طريق ملامسة شىءبه فيروسات إنفلونزا ثم لمس الفم أو الأنف و من خلال السعال و العطس.
الأعراض: لدى الخنازير: تسبب العدوى للخنازير إرتفاع درجة الحرارة و سعال و عطس و مشاكل في التنفس و إنعدام الشهية وفي بعض الحالات قد تؤدي العدوى للإجهاض على الرغم من إنخفاض معدل الوفاة (1-4%) إلا أن العدوى تؤدي إلى إنخفاض الوزن مما يسبب خسارة مالية للمزارعين.
لدى البشر: إن أعراض إنفلونزا الخنازير في البشر مماثلة لأعراض الإنفلونزا الموسمية و تتمثل في إرتفاع مفاجيء في درجة الحرارة و سعال و ألم في العضلات وإجهاد شديد و يبدو أن هذه السلالة الجديدة تسبب مزيدا من الإسهال و القيء أكثر من الإنفلونزا العادية .
طرق الوقاية من مرض إنفلونزا الخنازير:
1. مكافحة الأمراض المعدية و الفتاكة هي مسئوولية الجميع و ليست مسؤولية محددة بطرف واحد من الأطراف تبدأ هذه المسؤولية بالفرد نفسه ِ وبالعائلة وتمر بالمجتمع ككل و تلعب الحكومات و المنظمات الصحية المحلية و العالمية دورا هاما في في السيطرة على هكذا أمراض. التوعية و التثقيف الصحي و إتخاذ اساليب الحيطة و الحذر و الترقب هي ضروريات مبدئية يمارسها الجميع من أجل كشف الحالات المرضية الجديدة و التعامل السريع معها من أجل تجنب العدوى.
2. التخلص السريع من الخنازير المصابة أو المشتبه بإصابتها أو القريبة من الخنازير المصابة و عدم لمسها أو الإقتراب منها أو أكل لحومها و إخبار السلطات الصحية المحلية بوجود حالات إصابة مشتبه فيها من أجل التخلص منها و بالسرعة الكافية . اللحوم المطبوخة لاتحتوي عادة على هذا الفايروس الذي يموت بدرجات حرارية تفوق 75 درجة مئوية. 3. إجراء التحاليل المختبرية على الحالات المشتبه لها بين البشر و عزل المرضى في مستشفيات خاصة وتقديم العلاج اللازم و هو (في الوقت الحاضر) نفس الدواء المستخدم في معالجة مرض إنفلونزا الطيور أي ما يسمى عقار (تاميفلو) و كذلك عقار (ريلينزا) كما يجب إستخدام هذه الأدوية فقط عند حدوث المرض أو ألإشتباه به و ليس كحالة وقائية كي لا تحصل مقاومة مكتسبة عندالفايروس الذي قد لا يتأثر بالدواء عند إستخدامه في حالات المرضية الحقيقية. 4. في المناطق الموبوءة يجب غلق الأماكن التي يزدحم فيها الناس كالمدارس والجامعات و النوادي و المطاعم وأماكن العبادة لتجنب أنتقال العدوى بين الناس. 5. لبس الأقنعة الواقية في الأماكن المزدحمة كالأسواق و الشوارع ووسائط النقل و تجنب المصافحة و التقبيل أو استخدام أواني و صحون الغير كما يجب غسل الأيادي بالماء و الصابون عدة مرات في اليوم الواحد و عدم البصاق في الأماكن العامة لان مثل هذا الفعل قد ينثر الفيروسات في الفضاء التي تدخل بدورها إلى المجاري التنفسية للأصحاء اثناء عملية التنفس . 6. التطعيم ضد المرض ضروري من اجل زيادة مناعة الجسم ضد هذه الفيروسات الهجينة و لكن توفر الكميات الكافية للقاح الجديد يتطلب بعض الوقت الذي يتراوح بين 4 إلى 6 شهور وقد يستخدم اللقاح ضد الإنفلونزا الموسمية كبديل مؤقت لحين توفر اللقاح الصحيح لكن اكثر الأطباء يشكون في فعالية ذلك و لايرون فائدة منهُ. 7. هذا المرض لا يستثني الدول الإسلامية إذا ما أنتشر بين الدول رغم غياب الخنازير من المزارع و الحقول و الأسواق فيها لأن هذا المرض المعدي صار ينتقل بين الناس بسبب وجود الفايروس المتحور الجديد و ليس بالضرورة ان ينتقل من الخنزير إلى الإنسان فقط فعلى السلطات الصحية أن تتخذ إجراءات الحيطة و الحذر من أجل التعامل مع هذا الوباء إن إمتد إليها وأعني توفير كميات مناسبة من الأدوية المضادة للفيروسات , تهيئة مستشفيات العزل و تزويدها بما يلزم , توفير الأقنعة الواقية , مراقبة المسافرين و القادمين من الدول الموبوءة , نشر الوعي الصحي بين أبناء المجتمع و التنسيق مع منظمات الصحة العالمية المهتمة بهذا الشان . 8. يجب تحسين قدرة الجهاز المناعي و مساعدته من خلال الإكثار من الفيتامينات و موانع الأكسدة مثل فيتامين A وC وE و الزنك و اسيلينيوم.
إجراءات وقائية في اقليم كردستان للوقاية من إنفلونزا الخنازير : لاتوجد هناك مزارع لتربية الخنازير في اقليم كردستان إلا إنه توجد الخنازير البرية عند ضفاف الأنهار و المناطق الزراعية الجبلية و السهلية .إن إجراءات إحترازية قد تم أتخاذها على هذا الصعيد بينها إخضاع القادمين من الدول الأجنبية إلى الفحص المختبري, وإرسال فرق صحية لتوعية المواطنين بخطورة الوباء و حثهم على عدم الاْقتراب من قطعان الخنازير ومحاولة إصطياده. أورد النص القرآني تحريم لحم الخنزير في أربع مواضع : 1 قوله تعالى : إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )البقرة:173 ( 2 و قوله تعالى : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)المائدة:3 ( 3 و قوله : قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)الأنعام:145( 4 و قوله : (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )النحل:115 (. تحريم الخنزير في الحديث النبوي الشريف: وردت كلمة خنذكرر ومشتقاتها أكثر من مائة مرة في السنة النبوية المطهرة, كلها في مجال الذم والقدح والتنكيل والتحذير. وسوف نقتصر على ذكر حديثين منها, ففيهما ما يكفي للدلالة على موقف الشريعة الإسلامية من هذا الحيوان القميء. عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ" النَّرْدَشير: الزهر عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِي اللَّهم عَنْهمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِوَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ. فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ, فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ, وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ, وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ. فَقَالَ: لَا هُوَ حَرَامٌ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ" . فالحديث الأول يذم ذماً شديداً كل من يلعب بالنردشير, لدرجة تشبيهه بمن يصبغ يده في لحم الخنزير ودمه. فإذا كان هذا حال من يصبغ يده بلحم الخنزير, فكيف يكون حال من يأكل لحم هذا الحيوان ؟! قال ابن كثير: فإذا كان هذا التنفير لمجرد اللمس فكيف التهديد والوعيد من أكله والتغذي به ؟ وفيه دلالة على شمول التحريم على شمول التحريم لجميع أجزائه من لحم و شحم و غيره . أما الحديث الثاني, ففيه تصريح بتحريم بيع الخنزير أو الإستفادة من أي جزء منه. فقد دعاء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على اليهود بسبب تحايلهم على شرع الله, وذلك بمحاولتهم الاستفادة مما حرّم الله عليهم أكله, عن طريق تحويله إلىشكل آخر. صفات الخنزير وطباعه الخنزير حيوان عشبي لاحم (omnivore) خبيث الطبع، تجتمع فيه صفات السباع اللاحمة وصفات البهائم العشبية. وهو علاوة على ذلك حيوان نهم كانس، يكنس الحقل والزريبة ويأكل كل شيء. فيأكل القمامات، ويأكل الفضلات بما في ذلك فضلاته البرازية، كما يأكل القاذورات والديدان وكل النجاسات. والخنزير حيوان نهم شره لا يمتنع عن أكل أي شيْ، فيأكل الجرذان والفئران والجيف المتعفنة، وحتى جيف أقرانه . يروي الدكتور هانس هايترش قصة طريفة تدلل على نهم الخنزير وشراهتة. جرت هذه الواقعة في أحد المشافي العسكرية، حيث كانت هناك حظيرة للخنازير ملحقة بالمشفى، لإعداد الطعام للمرضى والعاملين في المشفى. وفي أحد الأيام تدافعت الخنازير على الفرن المملوء بالضمادات المضمخة بالقيح والمهياة للحرق فالتهمتها. وتوفيراً للعلف قررت إدارة المشفى أن يصبح نصف الضمادات المبللة بالقيح والأوساخ طعاماً للخنازير. وهكذا أصبح مرضى ذلك المشفى يغذون بلحم خنازير مفعمة بالسموم والذيفانات . تبلغ أنثى الخنزير الأمريكي والأوروبي بعد خمسة أشهر من ولادتها وتصبح قادرة على الحمل والإنجاب. لكن عمر البلوغ لأنثىالخنزير الصيني أقل من ذلك، إذ تصبح قادرة على الحمل بعد ثلاثة أشهر فقط من ولادتها. وتتكرر دورة الشبق لها مرة كل 21 يوماً. وتبلغ مدة الحمل 3 أشهر و 3 أسابيع و 3 أيام, أي 114 يوماً وتضع الأنثي بين 3-12 خنوصاً في كل مرة, ويمكنها أن تلد ثلاث مرات في السنة. ويتراوح معدل الإنجاب لأنثى الخنزير الواحدة 15-30 خنوصاً في العام الواحد. وتحتاج الأنثى 21 بوماً لإرضاع صغارها، و 5 أيام للعودة إلى دورة الشبق. والخنزير حيوان سريع النمو، فهو يزن عند الولادة حوالي 2 كلغ، لكن ّ وزنه يتضاعف أكثر من 50 مرة, ليصل في غضون ستة أشهر إلى قرابة 112 كلغ. ويرجع سبب هذا النمو السريع إلى الزيادة الكبيرة في إفراز هرمون النمو عند الخنزير . الأمراض التي ينقلها الخنزير للإنسان: يبلغ عدد الأمراض التي تصيب الخنذكرر 450 مرضاً, منها 57 مرضاً طفيلياً تنتقل منه إلى الإنسان ، بعضها خطير بل وقاتل. ويختصالخنزير بمفرده بنقل 27 مرضاً وبائياً إلى الإنسان، وتشاركه بعض الحيوانات الأخرى في نقل بقية الأمراض، لكنه يبقى المخزن والمصدر الرئيسي لهذه الأمراض. هذا عدا عن الأمراض الكثيرة التي يسببها أكل لحمه كتليف الكبد، وتصلب الشرايين، وضعف الذاكرة، والعقم ، والتهاب المفاصل، والسرطانات المختلفة. أولاً: البريونات (Prions). 1- مرض جنون البقر. يسبب هذا المرض الفتاك أجسام بروتينية صغيرة تسمىالبريونات. هذه الأجسام لها قدرة على إحداث أمراض خطيرة للحيوانات وللبشر أيضاً. ومصدر الخطورة يكمن في قدرة البريونات على تغيير شكل البروتينات الطبيعية الموجودة في خلايا مناطق حساسة- كالدماغ مثلاً- وتحويلها إلى بريونات, مسببة تلف الدماغ, فالجنون ثم الموت. لقد أثارت هذه الأجسام موجة شديدة من الذعر للبشر، عندما أعلن الأطباء عن أول إصابة بين البشر بمرض جنون البقر الذي تسببه البريونات. لقد أكدت التقارير العلمية أنّالخنازير تصاب بهذا المرض، مما يجعل امكانية انتقاله إلى آكلي لحوم الخنزير عرضة للإصابة بالمرض .ومما يبعث الهلع في النفوس، أنّ البريونات لا يمكن القضاء عليها بالطبخ ولا بطرق التعقيم الطبية الحديثة, وفترة كمونها في الجسم قد تمتد لسنوات طويلة (تتراوح بين 5-20 سنة)، ولا يوجد علاج لما تسببه من أعراض مرضية في الوقت الراهن، والوسيلة الوحيدة لمنع انتقالها هي القضاء على الحيوانات المصابة. يذكر أنّ مرض جنون البقر لم يكن معروفاً قبل عام 1982م، وأنّه تسبب في موت عشرات الأشخاص في بريطانيا خلال العام 2000 م . لقد كشف مرض جنون البقر حقائق مريعة للمدى الذي يمكن أن يصل إليه البشر من أجل زيادة الدخل المادي، دون اعتبار للقيم والأخلاقيات الإنسانية، ودون اكتراث بالنتائج المترتبة على هذه التصرفات اللامسؤولة. لقد تبيّن أنّ مربي الحيوانات اللاّحمة يسمنوها على بقايا الحيوانات اللاّحمة، فيطعمون الأبقار والأغنام والدجاج والخنازير، لحوم الماشية والخنازير ومخلفات المسالخ ثانياً: الفيروسات(Viruses) يصيب الخنزير مجموعة كبيرة من الفيروسات، منها ما تنقله الخنازير إلى الإنسان، فيسبب له أمراضاً فيروسية خطيرة، مثل: 2- فيروس الأنفلونزا. لقد تمّ عزل فبروس الإنفلونزا من عينات أخذت من الإنسان والخيل والخنازير والطيور الداجنة والبرية، وحتى من بعض الثديات البحرية وكان أخطر وباء أصاب العالم من هذه الأنفلونزا، الوباء الذى حدث عام 1918م، وأطلق عليه آنذاك اسم "الإنفلونزا الإسبانية". فقد تفشى هذا الوباء في شتى أنحاء المعمورة, مخلِّفاً وراءه ملايين الجثث، وناشراً الذعر والهلع غي كل مكان. يذكر أنّ وباء الإنفلونزا الذي لم يشهد القرن العشرين له مثيلا في الحدة والانتشار، أدى إلى إزهاق أكثر من 20 مليون نسمة خلال عامي 1918-1919م، وأنّه حصد في الولاياتالمتحدة أرواح 550 ألف نسمة خلال عام واحد، أغلبهم من الشباب، وهو ما يوازي عشرة أضعاف الأمريكان الذين قتلوا خلال الحرب العالمية الأولى ويؤكد بعض الباحثين، بأنّ الفيروس المسبب لهذا الوباء المهلك تحوّر عن فيروس إنفلونزا الخنازير في الولاياتالمتحدة ومن ثمّ انتقل بواسطة الجنود الأمريكيين إلى شتى بقاع الأرض. ومنذ ذلك الحين، تعرضالعالم لموجتين من الإنفلونزا، كانت الأولى عام 1957 ذهب ضحيتها 70 ألفاً، والثانية عام 1968 ذهب ضحيتها فرابة 47 ألفاً . 3- فيروس نيبا (Nipah virus). لم يعرف العالم هذا الفيروس المميت قبل أكتوبر/ تشرين أول من عام 1998م. فقد عالج الأطباء في ماليزيا 300 إصابة بما يشبه أعراض الإنفلونزا، سرعان ما توفي 117 مريضاً منهم بفيروس "نيبا" الغامض، وأصيب العشرات منهم بتلف دماغي. ويعتفد الأطباء الماليزيون أنّ الفيروس الخطير ربما انتقل من خفاش الفواكه إلى الخنازير، ومنها إلى الإنسان ، حيث أظهرت المتابعات الطبية أنّ جميع المصابين بالمرض كانت تربطهم علاقة قوية بالخنازير ، مما حدا بالدوائر الصحية في ماليزيا إلى قتل مليون خنزير . 4- فيروس الالتهاب الرئوي الحاد سارسSARS coronavirus لا أعتقد أننا بحاجة لتوضيح خطورة هذا المرض الفيروسي القاتل، فالهلع الذي تسبّبه كلمة "سارس" في كافة دول العالم، يغنينا عن ذلك. لكن ما يعنينا في هذا المقام هي الحقائق المتعلقة بظهور هذا المرض الخطير. فقد ذكرت التقارير أنّ المرض ظهر أولا في الصين، وأنّ 30% ممن اصيب بالمرض في بداية الأمر كانوا من المتعاملين بالأطعمة، وأنّه تمّ عزل الفيروس من الأفاعي والخنازير البرية والقردة والخفافيش. وإذا أضفنا إلى ذلك أنّ الصين هي أكبر مستهلك للخنازير على وجه الأرض, إذ يبلغ استهلاكها نصف استهلاك العالم ظهر لنا بوضوح علاقة الخنزير بمرض سارس. 5-فيروس الحمى القلاعية (Foot & Mouth Disease). فيما يبدو ليس من سبيل إلى وضع حد لوباء الحمى القلاعيّة التي أهلكت الثروة الحيوانية البريطانية في بداية عام 2001م. فبعد أيام قليلة على تشخيص الأطباء البيطريين 27 إصابة بين خنازير إحد المسالخ الريفيّة، فرضت الحكومة حظراً على كافة عمليات نقل الحيوانات. لكن هذا الإجراء لم يحل دون انتشار المرض خارج بريطانيا، فسرعان ما انتشر الوباء في القارة الأوروبية. ولم يجد البريطانيون مناصاً من القيام بحملة واسعة النطاق للقضاء على الخنازير المصابة، ذهب ضحيتها 3.75 مليون من حيوانات المزرعة وألحق أضرارا بالغة بسبل معيشة آلاف المزارعين وبالاقتصاد الريفي وبقطاع السياحة. يذكر أنّ مرض الحمى القلاعية انتشر عام 1997 في جزيرة تايوان برمتها، في أقلّ من شهرين وطالت آثاره المدمرة 6000 مزرعة، وأسف عن ذبح 3.8 مليون خنزير. ومن المعروف علمياً أنّ المرض ينتقل من الخنازير إلى الإنسان . 6- فيروس مرض الكلب (Rabies virus). هذا الفيروس يصيب الحيوانات آكلة اللحوم، وينتقل منها بواسطة العض إلى الحيوانات الأخرى بما في ذلك الإنسان. والخنزير من الحيوانات المفترسة التي تأكل الجرذان والجيف. لذا فهو عرضة لهذا المرض، والناس الذين يربون الخنازير أو يأكلون لحومها ومنتجاتها أيضاً معرضون للإصابة بداء الكلب . 7- فيروس التهاب الدماغ الياباني (Japanese encephalitis). ينتشر هذا الفيروس بين مربي الخنازير في مناطق شرق آسيا، وهو يصيب الطيور، وينتقل منها بواسطة البعوض إلى الخنازير، التي بدورها تنقله إلى الإنسان. ويسبب هذا الفيروس التهاب الدماغ في الإنسان، الذي يكون مميتاً في بعض الأحيان . 8- فيروس حمى نهر روس (Ross River fever Virus). يسبب هذا الفيروس آلاماً وحمى وانتفاخاً في المفاصل وخمولاً. وقد تستمر هذه الأعراض عدة أسابيع. ففي عام 1996م، أصيب بهذا المرض أكثر من 1000 أستراليفي مقاطعة نيوساوث ويلز. يعيش هذا الفيروس في الخنازير وغيرها، ويقوم البعوض بنقله إلى الإنسان . 9- فيروس الخنزير التقرحي (Swine Vesicular Virus). سُجِّل أول ظهور لهذا الفيروس عام 1966م في إيطاليا، ليظهر بشكل وبائي في بريطانيا عام 1972، حيث أصاب خلال السنوات العشر التالية أكثر من 322 ألف خنزير في بريطانيا وحدها. الحمد لله الذي هدانا لإتباع هذا الدين القويم،والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد (ص)،الذي بلغنا هذه الشريعة الغراء التي لم تترك أمراً صغيراً كان أم كبيراً في حياة البشر إلا ونظمته بما يليق بعظمة الخالق سبحانه،المنزل لهذه الشريعة التي تصلح لكل زمان ومكان،وبما فيه من السعادة لكل من اتبعه في دنياه ولنصل به إلى بر الأمان في أخراه. وهكذا فإن حفظ النفس وسلامتها وصحة الجسد ملحظ هام أعتبره الفقهاء أحد مقاصد الشريعة الغراء والتي نزلت من أجلها ومن هنا نفهم كيف جعل النبي (ص) نعمة الصحة والعافية تلي نعمة الإيمان في الأهمية.